أسرار نوري سعيد كما روتها زوجة ابنه

أسرار نوري سعيد كما روتها زوجة ابنه

د. ميسون البياتي*
شخصية نوري السعيد الذي ترأس الوزراء 14 مرة خلال فترة العهد الملكي, شخصية من أكثر شخصيات زمانها إثارة للجدل, فمنهم من يتهمه بالعمالة للأجنبي, ومنهم من يراه وطنياً في قمة الوطنية.
للحديث عن شخصية هذا الرجل, وجانب من تاريخ العراق الملكي, وكيف تم استعمالنا من قبل البريطانيين والأمريكان لنقتل بعضنا البعض نيابة عنهم, اخترت قراءة وعرض كتاب (نوري السعيد- رجل الدولة والإنسان) تأليف الدكتورة عصمت السعيد (كنّة) نوري السعيد, زوجة ابنه السيد صباح.

جزيرة بيوك آظه
تحدثنا الدكتورة عصمت، وهي مصرية الجنسية, فتقول إنها كانت تقيم مع والدها (علي باشا فهمي) في جزيرة (بيوك آظه) التركية الواقعة في بحر (مرمرة), حين زارهم السيد نوري السعيد وبصحبته زوجته السيدة نعيمة العسكري (أخت جعفر العسكري) وولدهما صباح, في طريق عودتهم من لندن إلى العراق.
صباح نوري السعيد كان يحمل شهادة هندسة طيران من جامعة كمبريدج, وتعرّض إلى حادث سقوط طائرة في بغداد كاد يودي بحياته, ولذلك فهو بصحبة العائلة عائداً من لندن التي قصدها للعلاج, وعند مرورهم بجزيرة (بيوك آظه)، وبعد أيام من وصولها، أصيب صباح هذه المرة بالتهاب الزائدة الدودية مما تطلب إدخاله المستشفى لإجراء عملية للزائدة, ولم تكن هذه العملية سهلة في ذلك الوقت, زاره صديقهم والد الآنسة عصمت للاطمئنان, فصادف وجود كمال أتاتورك عند المريض أيضاً, وفي تلك الزيارة خطب نوري السعيد الآنسة عصمت إلى ولده صباح المريض, بمباركة أتاتورك نفسه.
تمت إجرءات خطوبة بسيطة, بعدها انتقلت العروس إلى بغداد لإكمال بقية متطلبات الزواج الذي أقيم في بيت العائلة في الوزيرية (راغبة خاتون) ليلة الجمعة 22 تشرين الأول/ أكتوبر 1936.

جعفر العسكري
بعد 6 أيام من حفل العرس, وقع انقلاب بكر صدقي, وقُتل فيه (جعفر العسكري) خال العريس%).
عند مصرع جعفر العسكري وسيطرة القوات، التي تدين بالولاء لبكر صدقي، على الدولة العراقية, أمر الملك غازي كلاً من ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد بمغادرة العراق حفاظاً على سلامتهم, فغادر الهاشمي والكيلاني إلى لبنان, فيما توجه نوري السعيد وعائلته بطائرة عسكرية حملتهم من مطار (قاعدة الهندية) البريطانية، في العراق, إلى مصر حيث أقاموا في ضيافة أنسبائهم.. وكانت الرواتب التقاعدية لنوري السعيد وابنه صباح تصلهما إلى القاهرة.
عين الملك غازي (حكمت سليمان) رئيساً للوزراء, بناء على الأمر الذي تلقاه الملك من قادة الانقلاب, ومن الغريب أن حكمت سليمان هو (عديل) نوري السعيد، فقد كان متزوجاً، هو أيضاً، من شقيقة لجعفر العسكري, وهذا إن أشار إلى شيء فإنما يشير إلى أن جميع هؤلاء الضباط لم يكونوا أكثر من (أدوات) لقوى خارجية تستعملهم لتنفيذ أجنداتها على أرض العراق. لم يستمر هذا الوضع طويلاً فبعد 8 أشهر كان بكر صدقي جالساً مع قائد القوة الجوية في مطعم مطار الموصل حين تقدم عريف من الشباك القريب منهما وأطلق النار على رأس بكر صدقي وأرداه قتيلاً, وقُتل قائد القوة الجوية بطلقة في معدته حين حاول ملاحقة العريف. بعد التشييع ساءت أمور وزارة حكمت سليمان بشدة.. فأقالها الملك وشكل وزارة جميل المدفعي.
ثم سُمح لصباح نوري السعيد بالعودة إلى بغداد لشغل وظيفته الإدارية في مصلحة السكك الحديدية, وفي 20 آب 1937 رُزقت العائلة بحفيد نوري السعيد (فلاح).
منذ انقلاب بكر صدقي ثم مقتله, بدأ العسكر الذين يتدخلون في الحكم ولم يواجَهوا بموقف حكومي صارم يمنعهم, لذلك كانت محاولاتهم تتكرر دون خوف من عقاب, ولهذا نجدهم سيحاولون هذه المرة إسقاط حكومة جميل المدفعي، لذا أرسل ضباط (المربع الذهبي) صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد وكامل شبيب ومحمود سلمان إنذاراً إلى المدفعي يطالبونه بالاستقالة.. فامتثل لإنذارهم وقدّم استقالته إلى الملك غازي, وحين قبلها الملك تم تعيين نوري السعيد رئيساً للوزراء للمرة الثالثة في 25 كانون الأول/ ديسمبر 1938.
الملك غازي
بدأ الملك غازي يؤيد دعايات مناهضة للبريطانيين، لهذا كان ينبغي التخلص من غازي في حادث سيارة مفبرك. الدكتورة عصمت توحي أن لا علاقة لعمها نوري السعيد بتلك الحكاية. عندها هاجت الجماهير العراقية لمقتل غازي وقامت بقتل القنصل البريطاني في الموصل ثم شهدت الملكة عالية دون أن تقسم على شهادتها أن الملك المتوفى كان يرغب في أن يتسلم عبد الإله الوصاية على عرش ولدها إذا حصل له مكروه، فأصبح العراق في يد السفارة البريطانية ويد نوري السعيد الذي يسيطر تماماً على عبد الإله.
بعد مقتل الملك غازي استقالت وزارة نوري السعيد الثالثة, ولكن ما أن تم تشكيل الوزارة من جديد تحت وصاية عبد الإله على العرش, حتى أعيد نوري السعيد رئيساً لها وذلك في 6 نيسان 1939.
رشيد عالي الكيلاني
كانت الحرب العالمية الثانية في أوج اشتعالها, فقد انهارت بولندا وهولندا وبلجيكا وكان سقوط باريس وشيكاً, وكانت الولايلات المتحدة الأمريكية تبيع السلاح وتمنح الدعم المالي إلى كل الفرقاء المتقاتلين سواء كانوا من المحور أم الحلفاء ولم تدخل رسمياً إلى الحرب بعد, مستخدمة الحرب أداة لإنعاش مصانع الأسلحة فيها واقتصادها الوطني, وكان من مصلحتها سقوط كل دول أوربا في يد المحور, فتنهار بناها الاقتصادية وتظل تابعة في كل متطلباتها للأمريكان.
الوزراء العراقيون في تلك الفترة، ولانعدام نظرتهم السياسية الشاملة، كانوا يعتقدون أن مناصرة دول المحور كفيل بجعلهم يستقلون عن بريطانيا, متناسين أن ألمانيا حين كانت تقوم بإسقاط دولة في أوربا, فإنها تُخضِع تلك الدولة مع مستعمراتها إلى سيادة المحور الاستعمارية, وما وقع في أندونيسيا خير شاهد على ذلك, فحالما سقطت هولندا بيد ألمانيا اندفعت اليابان حليفة ألمانيا إلى احتلال أندونيسيا التي كانت مستعمرة هولندية.
انقسام الوزراء العراقيين بين مؤيد لدول المحور ومناهض لها أدى إلى انهيار وزارة الكيلاني في 31 كانون ثاني 1941 فقام الوصي بتكليف طه الهاشمي بتشكيل الوزارة الجديدة, عندها تضامن العقداء الأربعة مع الكيلاني الذي كان مؤيداً لألمانيا, من أجل القيام بإجبار طه الهاشمي على الاستقالة, ثم فُرض الأمر العسكري على الوصي لإعادة الكيلاني إلى الوزارة.
مساء الأول من شباط 1941 أعلن الكيلاني من دار الإذاعة قيام حكومته العسكرية, وبدأ العسكر تحت إمرته يتوجهون إلى دوائر البريد والبرق لاحتلالها لقطع الاتصالات. ثم قامت سيارة عسكرية بالتوجه إلى دار نوري السعيد واعتقلت ابنه صباح لأن والده كان في تلك الفترة في الأردن, لكن تدخّل زوجة الكيلاني التي كانت صديقة لأم صباح هو الذي أدى إلى إطلاق سراحه.
أما الوصي فقد هرب من قصره متنكراً إلى بيت عمته الأميرة صالحة في الرصافة، ومن هناك إلى القاعدة البريطانية في البصرة. عندها قامت حكومة الكيلاني بخلع عبد الإله عن وصاية العرش وتعيين الشريف شرف محله، وأخذت تمارس سياسة واضحة الصلة بألمانيا, ولذلك كانت حكومة الكيلاني تعرقل حرية تنقل القطعات البريطانية من أجل وصولها من الهند إلى جبهات القتال التي تريدها بريطانيا, وذات يوم كانت الحكومة العراقية موعودة بشحنة سلاح ألماني تصلها جواً إلى قاعدة الحبانية, عندها وقع الصدام بين القوة الجوية البريطانية, والحكومة العراقية مما أدى إلى قصف بغداد بالطائرات فهربت الحكومة العراقية إلى إيران.
الوصي والباشا
عندها أعطيت الأوامر إلى (الملك عبد الله الأول ملك الأردن) بعزل الشريف شرف وإعادة عبد الإله الوصي إلى بغداد، فتقول الدكتورة عصمت (عندما اطلع الملك عبد الله عاهل الأردن على الخطة التي اتبعتها الحكومة القائمة في بغداد, قام بدور إيجابي لإيقاف خطوات المحور فاستعان بالجيش العربي واتجه إلى العراق ومعه الوصي الذي خلعه الكيلاني, عندما سمعت بغداد بزحف الجيش العربي إلى العراق, هرب الكيلاني والعقداء الأربعة وجماعتهم إلى إيران ومعهم الحاج أمين الحسيني).
لكن هذا لم يعنِ أن الأمور سارت على ما يرام بعد ذلك, فكثير من العراقيين, ومعهم فلسطينيون بضمنهم (درويش المقدادي) عميد دار المعلمين العالية, الذين كانوا يؤازرون حكومة الكيلاني وتطلعاتها الألمانية تمت إحالتهم إلى المحاكم وصدرت بحقهم أحكام بالسجن تم تنفيذ أغلبها في قواعد البصرة البريطانية.
الهلال الخصيب
لم يكن العرب يعانون التفرقة العنصرية في الدولة العثمانية, حتى ظهور حزب (الاتحاد والترقي) التركي, الذي يُعلي مناصروه (العنصر التركي) على غيره من كل أقوام الدولة العثمانية, بسبب أن أغلب المنتسبين إلى هذا الحزب هم من (يهود الدونمة) الذين هاجروا إلى الدولة العثمانية بسبب اضطهادهم في دول أوربا, والذين أثناء معيشتهم في الدولة العثمانية, أصبحوا يظهرون الإسلام... ويخفون اليهودية.
عندها قام الشريف حسين بن علي شريف مكة بإعلان التمرد العربي داخل الدولة العثمانية مستمداً الدعم من الحكومة البريطانية, وبلعبة مدروسة بدأ الأمريكان بمغازلة طموح العرب إلى الاستقلال حين أعلن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون النقاط الأربع عشرة عام 1919 عند توقيع معاهدة فرساي حين قال (ينبغي ضمان سيادة حقيقية للأجزاء التركية من الإمبراطورية العثمانية الحالية, أما الأقوام الأخرى الموجودة الآن تحت الحكم التركي فينبغي أن تضمن لها الحياة ضماناً لا مراء فيه مع إعطائها فرصة للقيام بالحكم الذاتي).
نظراً إلى أن الحكومة البريطانية كانت تريد الاستحواذ على العراق والشام بعد إجبار فرنسا على الانسحاب من سورية ولبنان عند سقوط باريس بيد الألمان, لذلك تحججت بريطانيا بحاجة العراق إلى منفذ على البحر الأبيض المتوسط لتصدير نفطه, أو حاجة فلسطين التي كانت وقتها تحت الانتداب البريطاني إلى نفط العراق, لهذا أوعزت إلى نوري السعيد بطرح (مشروع الهلال الخصيب) حيث يعاد توحيد سورية ولبنان وفلسطين وشرق الأردن في دولة واحدة تدعى (دولة سورية) يتم توحيدها مع (دولة العراق) على شكل (عصبة عربية).
بقيت الأمور ما بين أخذ ورد بين كل من بريطانيا، التي تستحوذ على العراق وفلسطين وشرق الأردن والكويت، والولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تبسط نفوذها على سورية ولبنان بعد إجبار فرنسا على الانسحاب منهما, وهكذا أجهض مشروع الهلال الخصيب.
تداركت بريطانيا هذا الفشل بالدعوة إلى تأسيس الجامعة العربية في مصر, لتقاوم النفوذ الأمريكي المتعاظم في الشرق الأوسط عن طريق استعمال العرب بالنيابة عن بريطانيا وبواسطة جامعتهم العربية, مستغلة طموحهم الشديد إلى التحرر والانعتاق, لتحارب بهم النفوذ الأمريكي المتنامي.
حالما تأسست الجامعة العربية عام 1945 في مصر كان نوري السعيد من أوائل الذين رشحوا السيد عبد الرحمن عزام (مصري) لشغل منصب أمينها العام, لكن الجامعة العربية ومنذ ذلك الحين لم تكن فعالة, وكانت متحيزة, ولا تعمل على دعم الروابط الاقتصادية واللغوية والثقافية والجغرافية أو التاريخية للعرب, كل هذا دفع نوري السعيد إلى طلب تعديل بعض قوانينها الإدارية فاعتبر عبد الرحمن عزام ذلك مساساً شخصياً به, فكتب إلى نوري السعيد رسالة طريفة نشرتها الدكتورة عصمت في ص 98 وجاء فيها:
(عزيزي نوري باشا السعيد
السلام عليكم وبعد فطالما أنصفتك فلم تنصفني, واحتفظت بودِّك فلم ترعَ ودّي, ويعلم الله أني صبرت استبقاءً لمحبة, ووفاء بعشرة, ورغبة في تعاون لخدمة أمتنا. فأبيت إلا أن تتجاهل ذلك كله. فهل بقي إلا ما تقبل المروءة وأن أقبل القطيعة التي أردتها؟
كلانا غنيٌّ عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا
المخلص عبد الرحمن عزام 14/5/1949).
حلف بغداد
نهاية الأربعينيات صدر قرار تقسيم فلسطين, ووقعت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى, ورغم تأسيس بريطانيا للجامعة العربية, إلا أن هذه الجامعة لم تنجح في استعمال العرب لحماية مصالح بريطانيا في المنطقة, وهكذا تأسست الدولة العبرية بالضد من رغبة بريطانيا, وكان على الحكومة البريطانية مغادرة فلسطين حيث يقع ميناء حيفا وهو أهم موانئ البحر الأبيض المتوسط قاطبة.
عام 1952 وقع انقلاب عسكري أمريكي في مصر لإخراج البريطانيين والفرنسيين منها, عندها وكتحصيل حاصل خسرت بريطانيا نفوذها (كلياً) على العرب الذي كانت تمارسه من خلال الجامعة العربية, ولهذا كان على بريطانيا أن تجد لها وسيلة أو طريقة لتأسيس تجمع جديد يمكِّنها من الحصول على بعض النفوذ, وهكذا سارعت إلى تأسيس حلف بغداد كاستجابة لمشروع أيزنهاور في صد الخطر الشيوعي عن الشرق الأوسط وأفريقيا.
بالمثل اندفع نوري السعيد في هذا المشروع, فرغم كونه رجل بريطانيا في العراق إلا أن رؤيته لنفوذها وهو يضمحل, جعلته يكرر الخطأ نفسه الذي ارتكبته حكومة الكيلاني بالارتماء في حضن السياسة الألمانية من أجل التخلص من البريطانيين, لكنه فعلها هذه المرة مع الأمريكان. فقد كان يرى أن انغماسه في مشروع حلف بغداد سيجعله رجل الأمريكان في المنطقة وبذلك يتخلص العراق من النفوذ البريطاني, لكننا سنجد أنه حالما سيتأسس حلف بغداد من العراق وتركيا وإيران وباكستان برعاية بريطانية وحضور أمريكي, حتى بدأ كتاب (حرب خروشوف الباردة).
وسنرسم الآن صورة للأيام الأخيرة من الحكم الملكي في العراق, وكيف تم تحويلنا إلى جمهورية.. وهو ما يجهله أغلبنا إما بحكم صغر السنّ, أو بحكم التعتيم الإعلامي التام, أو بحكم التحيز والعناد والانغلاق.
نعود إلى الدكتورة عصمت السعيد في كتابها ص 175 حيث تقول: (كان الهجوم المكثف الذي تشنه إذاعة صوت العرب والإعلام المصري على حلف بغداد يرمي إلى إثارة الشكوك حول وجود بنود سرية فيه لصالح المستعمر وإسرائيل، وعندما وقع انقلاب 14 تموز 1958 في العراق كان أول ما قام به المتآمرون هو الهجوم على (دار ميثاق بغداد) للسطو على كافة الوثائق الموجودة فيه ونقلها إلى القاهرة لفحص محتوياتها لكنهم لم يجدوا فيها ما يثير الشك أو الانتقاد).
توقيع الوحدة الاندماجية الفورية بين مصر وسورية
في يوم الأول من شباط 1958 تم توقيع الوحدة الاندماجية الفورية بين الرئيس السوري شكري القوتلي والرئيس المصري عبد الناصر. ولأن هذا المشروع الوحدوي كان مشروعاً (أمريكياً) صُمّم ليتناسب مع تطلعات الجماهير العربية, لذلك سارع البريطانيون إلى طرح مشروعهم الوحدوي البديل أو المقابل. فبعد أسبوعين فقط, وفي يوم 14 شباط 1958 أُعلن رسمياً عن تأسيس (الاتحاد العربي) الذي يُعرف أيضاً باسم (الاتحاد الهاشمي) بين المملكة العراقية والمملكة الأردنية الهاشمية, وهو اتحاد مفتوح العضوية لكل من يريد المشاركة فيه. ملك العراق هو رئيس الاتحاد ومقر الحكومة دوري ما بين بغداد وعمّان كل 6 أشهر.
الملكان فيصل الثاني والحسين
دخول الكويت إلى الاتحاد العربي كان من الأهداف التي ركز عليها نوري السعيد بقوة, حيث طالب برفع الحماية البريطانية عنها وسعى إلى إقناع حكام الكويت بمزايا الانضمام إلى الاتحاد, وتمت دعوة حاكم الكويت الشيخ عبد الله السالم إلى بغداد وتباحث الطرفان في قضية تحرير الكويت من السيطرة البريطانية ثم الدخول إلى الاتحاد.
الحكومة البريطانية التي أصبح لها دور هامشي في العراق بعد توقيع معاهدة عام 1955 كانت تنظر إلى الولايلات المتحدة الأمريكية وهي تزاحمها في السيطرة على الشرق الأوسط بعين الحذر الشديد, وتضع في حسابها أن نوري السعيد منذ ذلك التاريخ أصبح يلعب الأدوار لمصلحة الأمريكان وليس لمصلحة بريطانيا.
منذ انسحاب فرنسا من سورية ولبنان وهذان البلدان يقعان تحت النفوذ الأمريكي المباشر, وكذلك نجد والحجاز بعد أن حولتهما شركة (أرامكو) النفطية إلى مملكة عربية سعودية, أضف إلى ذلك أن الأمريكان، ومنذ العام 1948، كانوا قد أسسوا إسرائيل على أرض فلسطين, وفي العام 1952 قلبوا نظام الحكم في مصر وفصلوا عنها السودان واستولوا على قناة السويس, والجامعة العربية, وأشرفوا على جلاء القوات البريطانية عن مصر، وفي العام 1955 نازع الأمريكان البريطانيين على حكم العراق, ومنذ العام 1953 أشعلوا حرب الجزائر ضد الفرنسيين, كما دخلوا على خط الصراع مع فرنسا في مراكش حول قضية إعادة محمد الخامس الذي خلعته فرنسا عن الحكم بسبب تقاربه مع الأمريكان، والصراع قاب قوسين أو أدنى من الانفجار بين البريطانيين والأمريكان في الجنوب العربي لإخراج البريطانيين من اليمن, وحضرموت, وقاعدة عدن, وسلطنة عُمان، ولم يتبقَّ في يد البريطانيين من كل هذه اللعبة غير موطئ قدم صغير في الأردن، وآخر في الكويت.
أما نوري السعيد, فقد قرر أن يلعب لعبة نهضة وتطوير العراق من خلال اللعب على خط الصراع الأمريكي البريطاني، ففي زمنه دخل العراق عضواً مؤسساً للجامعة العربية 1945، وهي تتأسس على يد بريطانيا، وفي زمن نوري السعيد قاد العراق حلف المعاهدة المركزية (السنتو) 1955 الذي أُطلق عليه اسم حلف بغداد, فتم إجبار بريطانيا من قبل الأمريكان على توقيع معاهدة 1955 مع العراق ألغيت بموجبها معاهدة 1930. وبريطانيا وهي تراقب ما يقوم به نوري السعيد فهي تفهم جيداً ما يجري.. لكنها تعلِّق الأمر إلى حين.
في زمن نوري السعيد تم تأسيس الاتحاد العربي 1958 كنموذج بريطاني مقترح للوحدة العربية, وبقدر ما كانت بريطانيا تضغط من خلال هذا الاتحاد على نوري السعيد من أجل جعله ظهيراً للأردن الذي (يتهدد فيه نفوذ البريطانيين) من قبل (الأمريكان) بأن يتم ابتلاع الأردن في أول حركة توسعية لإسرائيل, بقدر ما كانت الولايلات المتحدة الأمريكية تضغط على نوري السعيد من خلال حلف بغداد, ليقوم بضم الكويت إلى الاتحاد العربي وكانت (ساعة الصفر) لإعلان القرار البريطاني: آذار عام 1958 وبعد أن زار وزير خارجية بريطانيا (سلوين لويد) بغداد واجتمع بالملك فيصل الثاني، بحضور ولي العهد عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد ووزير الخارجية توفيق السويدي، إضافة إلى الدكتور فاضل الجمالي، تم الحديث في هذا الاجتماع عن ضرورة أن تعلن بريطانيا استقلال الكويت ليتم ضمها إلى الاتحاد العربي وكانت الحجج التي زرعها السفير الأمريكي في بغداد على لسان نوري السعيد هي:
توسيع الاتحاد وقبول عضو غير هاشمي فيه. مساعدة الأردن مالياً ليحافظ على حدوده مع إسرائيل. مقاومة الدعايات الهدامة. استفادة الكويت من مياه العراق. حماية الكويت من أي اغتصاب خارجي. عندها اعتذر سلوين لويد عن مواصلة الحديث في الموضوع قائلاً: (إن استقلال الكويت أمر يستوجب قراراً بمستوى مجلس وزراء).
خلال فترة قصيرة بعد عودة سلوين لويد إلى لندن تفاهمت بريطانيا مع الولايلات المتحدة الأمريكية على: تقاسم الدور في الأردن, لذلك نشاهد أن علاقة الملك حسين أصبحت وطيدة الصلة بالولايات المتحدة الأمريكية منذ ذلك الحين، وأن تسحب بريطانيا يدها كاملة من العراق مقابل ألا يقترب الأمريكان من محمية الكويت. الأمريكان وقد صار أمر العراق كله لهم, كانت لهم رغبة في وجود حكومة عسكرية في العراق على غرار ما فعلوه في مصر عام 1952, أولاً من أجل الإعلان القاطع والأخير أن العلاقات البريطانية العراقية انتهت ولن تعود, وثانياً لزعزعة أركان العراق تحت ذريعة محاربة الشيوعية أو غيرها, فطالما سيبقى هذا البلد الواقع على خط التقاطع البري بين آسيا وأوربا وأفريقيا, بلداً منهاراً، فسيبقى حاضنة خصبة لاحتواء مختلف أنواع التيارات التي تؤثر في سياسة جميع الدول المحيطة به.. البعيدة منها والقريبة.
* اعلامية عراقية مقيمة
في السويد