من اوراق الراحل سالم الالوسي..باب الطلسم  باب الحلبة

من اوراق الراحل سالم الالوسي..باب الطلسم باب الحلبة

باب الطلسم هو الباب الثالث من أبواب سور بغداد الشرقية , وعرف كذلك بباب الفتح , اما اصل الاسم فكان " باب الحلبة " ويعد هذا الاثر الدفاعي من اجمل الابواب التحصينية في الاسوار .
سمي بباب الحلبة لقربة من موضع الحلبة – اي ميدان سباقات الخيل – قبل انشاء السور وكان يجري في هذا الميدان كذلك لعب الصولجان , وقد اشتهرت في العصور العباسية منذ القرن الثالث للهجرة .


كان الخليفة العباسي الناصر لدين الله (575 -622 هـ) قد جدد ورمم أقساما من السور في اواخر القرن السادس للهجرة ثم قام بتجديد "باب الحلبة " في سنة 618 هـ(1221م ) وانشأ برجا ضخما فوق هذا الباب وزينه بالكتابات وصورة الرجل والتنين , ومن هنا عرف الباب بباب الطلسم gate talisman
اما تسميته ب(باب الفتح ) فقد ذكر هذا الباب في اخبار الحصار المغولي لبغداد, ومنه دخل السلطان مراد الرايع العثماني عندما فتح بغداد في سنة 1048هـ (1638م ) وانقاذها من الاحتلال الفارسي , ومنذ ذلك الحين اطلق عليه اسم "باب الفتح " .
ومن اسمائه كذلك "الباب الابيض "ذكر ذلك المستشرق البريطاني ( غي لاسترانج )guy lastrang) في كتابه (بغداد في عهد الخلافة العباسية , ص247 ) .
وقد عرف الباب في العهود الاخيرة باسم "باب الطلسم " لوجود صورة فوق مدخل الباب تمثل رجلا يمسك ثعبانين او تنينين dragons في جانبيه , ظناً من عوام الناس بأن هذا الطلسم كفيل بدفع الكوارث والشر عن بغداد .
والطلسم مصطلح دخيل غير عربي انحدر عن اللغة الاغريقية (تيلزما telezma ) ومنهم من يعده عربيا , وقد تناولته المعاجم العربية .
لقد تعرض باب الطلسم الى العوارض الطبيعية وفعل الانسان فأصابه الخراب على اثر تآكل اجزاء من جراء الفيضان الكبير الذي تعرضت له بغداد في سنة 1067هـ (1656م ) فنهض لاصلاحه وترميمه والي بغداد محمد باشا الخاصكي في سنة 1068 هـ (1657م ) وبقي الباب على هذه الصورة قائما الى يوم 11 /3 / 1917 حين اقدم الجيش العثماني على نسفه وتدميره بالبارود عند انسحابه من بغداد ودخول الجيش البريطاني بقيادة الجنرال (ستانلي مود ) واحتلاله بغداد .وسبب ذلك يعود الى ان الجيش العثماني المرابط ببغداد قد اتخذ من باب الطلسم مخزنا للبارود والذخائر الحربية , ومنعا لاستفادة العدو المحتل من هذه الذخائر الحربية اقدم على نسفه فجر يوم 11 /3/1917 وبهذا العمل خسر العراق اثرا تأريخيا مهما من معالم بغداد وقد أسف عليه كل مواطن عراقي نبيل وبغدادي اصيل .

الكتابة التذكارية المحيطة بأعلى البرج:
كنا ذكرنا ان الخليفة العباسي الناصر لدين الله جدد باب الحلبة وزين اعلى البرج بكتابة تشير الى اسم مشيده والسنة التي انجز العمل فيها . اما الكتابة فهي:
بسم الله الرحمن الرحيم , يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل : ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم . هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الامام المفترض الطاعة على كافة الانام ابو العباس احمد الناصر لدين الله امير المؤمنين وخليفة رب العالمين وحجة الله عز وجل على الخلق أجمعين صلوات الله وسلامه عليه وعلى ابائه الطاهرين ولازلت دعوته الهادية على يفاع ا لحق منارا والخلائق لها اتباعا وانصارا وطاعته المفترضة للمؤمنين اسماعا وابصارا وافق الفراغ ثمان عشرة وستمائة وصلواته على سيدنا محمد النبي واله الطيبن الطاهرين . دليل خارطة بغداد المفصل – قديما : وحديثا , تأليف الدكتور مصطفى جواد والدكتور احمد سوسة ص 161- 162,
نقلا عن رحلة نيبور (النسخة الفرنسية ) , ولويس ماسنيون : بعثة الى العراق سنة 1907 _ 1908
عن :

توثيق الصورة والكتابة
كان من حسن الحظ المحافظة على الصورة التخطيطية والفوتوغرافية للبرج وكذلك نص الكتابة التذكارية لباب الطلسم ويعود الفضل في ذلك الى جهود عدد من الرحالة الاجانب الذين وفدواالى العراق منذ القرن السادس عشر الميلادي وفي مقدمتهم الرحالة الالماني الاصل الدنماركي الجنسية (كارستن نيبور KARSTEN NIEBUHR ) صاحب الرحلة الشهيرة الى جزيرة العرب , الذي زار بغداد في سنة 1766 وسجل تفاصيل مشاهداته عن العراق عامة وبغداد خاصة , وهو اول من نقل الكتابة التذكارية المحيطة باعلى البرج وعنه نقلها الاخرون من الاجانب والعرب واول من سجل واقعة نسف باب الطلسم شعرا كان الشاعر البغدادي الوطني الاستاذ عبد الرحمن البناء (1883- 1955) رحمه الله , ومن الاجانب الضابط البريطاني ( ادموند كاندلر EDMUMD CANDLER في كتابه (الطريق الطويل الى بغداد المطبوع بلندن سنة 1919) THE LONG ROAD TO BAGHDAD – LONDON- 1919
ومن اخبار باب الطلسم ,انه كان وكرا يلجا اليه عدد من اشقياء بغداد امثال ابن الخبازة الذي لم يكن شقيا بل فارسا من محلة الفضل يدافع عن ابناء محلته , وقد سقط قتيلا بعد مقابلة (معركة ) بينه وبين عدد من رجال البوليس والجندرمة على مقربة من الطلسم في سنة ـ 1330هـ (1912) كما ذكرها الاستاذ عبد الكريم العلاف في كتابه ( بغداد القديمة )

باب الطلسم في دائرة الاثار
نظرا لاهمية هذا الاثر من النواحي التاريخية ,الاثارية والمعمارية , ابدت دائرة الاثار العامة العراقي على عهد مديرها الاستاذ ساطع الحصري اهتماما ملحوضا فقام مدير المختبر الفني في المتحف العراقي الفنان (كونيك ) الالماني يعاونه الفنان التشكيلي العراقي الاستاذ اكرم شكري بصنع نموذج مصغر ومجسم من الجبس لباب الطلسم وجعلته من معروضات دار الاثار العربية في خان مرجان ثم نقل النموذج الى قاعة من قاعات متحف القصر العباسي , كان ذلك في اواسط الثلاثينات من القرن العشرين الماضي وحتى اواسط الستينات وقد صنع بدقة ومهارة تبعث على الاعجاب .
وقد عرضت في تلك القاعة صور فوتوغرافية مختلفة لهذا الباب

رثاء باب الطلسم :
قال الشاعر الوطني عبد الرحمن البناء , المعروف بشاعر الاستقلال في رثاء باب الطلسم : ديوان ذ كرى استقلال العراق – للبناء ص63-67 وهو الجزء الثاني من ديوانه
مابال بغداد قد ضاقت بها الحال
وخف بالاهل منها اليوم ترحال
بالامس كانت بقايا الجند رابضة
فيها وللناس اشغال واعمال
وعند ذلك خوط الاكتشاف نما
لما سقاه من الانذار سلسال
فرحت من حب اثار العلى ثملا
لان حب بني العباس جريال
وقد تذكرت (باب الفتح ) ق
جدرانه بقوى البارود أنذال
فعدت عودة ملهوف لبل صدى
في مهمة شاسع قد غره الال
فسرت والحزن يطويني وينشرني
والناس من فرح بالامن تختال
حتى وصلت طلسما شاده ملك
من الاعاريب سامي القدر مفضال
بناه (ناصر دين الله ) احمد من
افعاله الغر في خد العلى خال
برج تطلسم بالنقش البديع وفي
ابوابه حرس (افعى ) ورئبال
رأيت احجاره في الارض قد نثرت
بالانفجار وطول النثر اميال
والناس تحمل انقاضا مبعثرة
على الظهور وفوق الارض أحمال
وقفت وقفة مدهوش اناشده
ودمع شعري على القرطاس سيال
يا سور بغداد ان الترك قد نسفوا
منك البقايا فساءت منك أحوال
والعرب قد نهبوا أثار مجدهم
وذاك داء لهم في النفس قتال
قد كنت يا سور للتعمير منتظرا
فأمك الهدم واحتلك عمال
هدوا اساسك وابتزوا قواعده
واغتال وضعك قبل الهدم مغتال
زلزلت بغداد لما ان دويت بها
وثل منك عروش المجد زلزال
اني عهدتك طودا لاتزعزعه
نكباء عاد ولا تبليك اجيال
عاركت كالعرب بلوى كل حادثة
ان الحوادث للاحرار غربال
مال الزمان بمن قد غادروك لقى
ان الزمان بأهل الغدر ميال