كتّاب يتحدثون عن القصص القصيرة المفضّلة لديهم

كتّاب يتحدثون عن القصص القصيرة المفضّلة لديهم

ترجمة: نجاح الجبيلي
سألت صحيفة الغارديان كتّاباً كباراً عن مفضلاتهم من القصص القصيرة التي كتبها أساتذة هذا الشكل. فأجابوا وتحدّثوا عن سبب اختيارهم لهذه القصص القصيرة. وهنا نختار نماذج من شهادات هؤلاء الكتّاب.

جوليان بارنز: (إجلال إلى سويسرا) أرنست همنغواي
اخترت أرنست همنغواي لأنه خارج النمط السائد ومازال يثير الإعجاب من قبل المجتمع الأدبي، وما زال القرّاء من النساء يتجنبنه بسبب أسطورته الفحولية الرجالية. فهمت قصصه خطأً كونها بسيطة وقابلة للتقليد؛ إلا أنها ليست كذلك. رواياته معروفة جيداً أكثر من قصصه، لكن الأخيرة هي التي تظهر فيها موهبته القصوى، إذ يعمل أسلوبه على أفضل وجه. ولم اختر على نحو متعمد واحدة من قصصه المشهورة أو أية قصة لها علاقة بمصارعة الثيران أو البنادق أو أفريقيا. إن قصة”إجلال إلى سويسرا”هادئة بارعة ظريفة (وقد تم بخس قيمة ظرف همنغواي) ومبدعة على نحو شكلي. تتكون من ثلاثة أجزاء ذات بناء متداخل، فيها ثلاثة أمريكان ينتظرون في ثلاثة مقاهٍ سويسرية مختلفة، القطار نفسه كي يقلهم إلى باريس. كل رجل يلعب ألعاباً رديئة، وثمّة ثري مغترب قوي يغريه اللعب مع الناس المحليين التابعين – النادلات والبوابين وأكاديمي متقاعد متحذلق. وبينما تتطور القصة أصبح من الواضح، أن السلطتين الاجتماعية والأخلاقية، ليستا على جانب واحد. آمل أن تجعلكم قصة”إجلال إلى سويسرا”تنسون أسطورة”بابا همنغواي”المختال وتستمعون بدلاً من ذلك إلى الفنان الحقيقي.

وليم بويد: (حلمي في التحليق إلى جزيرة اليقظة) ج. م. بالارد
في تاريخ القصة القصيرة – ليس أكثر من 150 سنة- هناك القلة جداً من الكتّاب الذين أعادوا بشكل تام تعريف هذا الشكل مثل تشيخوف قبل أن يشتهر، لكن ثمّة همنغواي وبورخس. وكان يجب إضافة ج.ج. بالارد إلى هذه القائمة الحصرية في رأيي. إن نموذج بالارد في قصصه المثيرة للأسى أقرب إلى الفن والموسيقى منها إلى الأدب كما يبدو لي. تلك هي قصص خيالية ألهمتها لوحات دي شريكو وماكس أرنست. إن الشخصية والسرد ثانويان – الصورة والرمز مهيمنان مع تركيز سريالي منوّم تعكسهما اللغة. إن مجازات بالارد- أحواض السباحة الفارغة، المنتجعات المهجورة، رواد الفضاء المضطربون نفسياً، الأطباء المتضررون والعدمية المغرية للمجتمع الاستهلاكي الخ- هي بلا شك تعود له بشكل فريد. إنّ قصة”حلم الطيران إلى جزيرة اليقظة”فعلاً قصة كلاسيكية بالاردية (نسبة إلى بالارد) حقيقية.

هيلين دنمور: (عقدتي الأوديبية) فرانك أوكونور
كان الكاتب الإيرلندي فرانك أوكونور، قومياً ملتزماً وقد التحق بالجيش الجمهوري الإيرلندي حين كان في الخامسة عشرة، وقاتل في حرب الاستقلال الأيرلندية. وقد استفاد من هذه التجارب في واحدة من أشهر قصصه”ضيوف الأمة”التي تعالج العلاقات بين جنديين بريطانيين أسيرين وجنود الجيش الإيرلندي السري، الذين يحرسونهما. إن واقعية القصة وتعقيدها وإنسانيتها هي مثال على الميزات التي جعلت من أوكونور واحداً من أشهر الكتّاب الإيرلنديين من جيله وكذلك تكشف كم تعلم من كتّاب كبار القصة القصيرة مثل أسحق بابل.
يجري ذكر أوكونور بقصصه القصيرة وكتاباته التي تحتوي السيرة الذاتية. القصة التي اخترتها”عقدتي الأوديبية”تستفيد من طفولته في مدينة”كورك”مع أم يحبها عميقاً وأب غارق في الكحول والديون. إنها قصة هزلية ومؤثرة بشكل شديد كتبت من وجهة نظر”لاري ديلاني”وهي شخصية تتكرر في قصص أوكونور عن الطفولة. يصاب لاري بالغضب حين يُبعد إلى المكان الثاني من اهتمامات أمه بعد عودة أبيه. إنه لا يستطيع أن يفهم السبب في أنها تتسامح مع”هذا الوحش.. الغريب تماماً الذي يتملق لأخذ طريقه عائداً من الحرب إلى فراشنا الكبير". يخطط”لاري”لإسقاط أبيه، لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن. أحب هذه القصة لصوتها السردي ومزجها الفريد للدفء مع الانعزال ولخفة وجودها.

آن رايت: (سمين) ريموند كارفر
إن قصة”سمين”هي مثال على القصة القصيرة التي لديها القليل مما تفعله كي تنجح- تستطيع القول أن جرح المدخل صغير جداً لكن النتيجة مميتة. ومثل العديد من قصص ريموند كارفر، فإن هذه القصة تبدو في منتهى البساطة. نادلة مجهولة الاسم تخبر صديقتها”ريتا”عن خدمة زبون سمين جداً. تود الرجل رغم حجمه. وتود القيام بخدمته. علاقتهما، رغم أنها اعتيادية، ووجيزة ورسمية إلا أنها رقيقة جداً – ومثل أيّ قصة حب، تقع أمام معارضة بقية العالم. إن الحب الصغير الذي تشعر به النادلة – هذه اللحظة من العاطفة التي تكنها تجاه الرجل السمين- تصبح بعد فترة قصيرة مدهشة في أواخر ذلك المساء حين تنام في الفراش مع صديقها”رودي”وتترك النادلة مع تلميح قلق وواعد بالتغيير.
غالباً ما أسأل الطلاب كي يقرأوا قصة ”سمين” لأنها تبدو وهي تتحدث عما تكون القصة. القصة شيء يروى – كما تخبر النادلة صديقتها”ريتا”عن الرجل السمين- إنها شيء يحتاج حقاً إلى أن يقال. لكن على الرغم من أننا نشعر بقوتها ورنينها، لكن غالباً من الصعب أن نقول ماذا تعني القصة. ربما أشد ما يمكن أن نقوله بأن القصة القصيرة هي لحظة من الحياة وأنها بعد تلك اللحظة ندرك أن شيئاً ما قد تغيّر.


فيليب بولمان: (الجمال) أنطون تشيخوف
صبي في مدرسة يصاحب جده بينما هم يسوقون عربتهم على طول طريق مترب عبر سهب في يوم متقد من شهر آب. يقفان من أجل الراحة في بيت صديق أرمني. الصبي والجد وسائقهما الأوكراني يعجبون بجمال ابنة الأرمني.
بعد عدّة سنوات كان الصبي، الذي أصبح الآن طالباً، في قطار متوقف بضع دقائق في محطة بالريف. يخرج كي يريح رجليه ويرى فتاة على الرصيف تتكلم مع شخص في إحدى العربات وكانت في منتهى الجمال.
وهذا كل ما في الأمر. هل هذه قصة؟ إنها قصة فارغة من الحبكة. انطباعان من النادر أيضاً أن يصلحان لحكاية. مثل”في انتظار غودو”إنها قصة لا يحدث فيها شيء مرتين.
لكنها تظهر القليل مما تحتاجه القصة القصيرة إلى حبكة. أنا أحب الحبكات وأعمل عليها كثيراً؛ وذلك هو السبب في أنني لن أكتب قصة قصيرة ناجحة. إن عظمة هذه القصة تعتمد على الكثير من الأمور غير المحسوسة. إن موهبة تشيخوف تكمن في الطريقة التي ينجح فيها على توصيل، بمثل هذه العفوية الظاهرة، حسٍّ عميق بسرّ الجمال وحزن أولئك الذين يراقبون ويفكرون. إن سارد هذه الحكاية غير المنطقية كما هو واضح يختار بالضبط التفاصيل الصحيحة من عدد وافر من التفاصيل الممكنة كي يضرب على القلب. إنها تحفة من نوع القصة التصغيرية.