هكذا عرفت بغداد شوارعها وساحاتها الحديثة

هكذا عرفت بغداد شوارعها وساحاتها الحديثة

د. عباس الزاملي
افتتحت في مدينة بغداد في بداية الثلاثينيات شوارع رئيسة وأخرى فرعية اخترقت المدينة من شمالها إلى جنوبها، فأصبح بالإمكان سير العربات والسيارات في اتجاهين متعاكسين. وكان من أهم تلك الشوارع شارع عبد المحسن السعدون بين الباب الشرقي وموقع نصب الجندي المجهول القديم وقد جرى فتحه بعد إزالة البساتين الكثيفة في تلك المنطقة

ومد القسم الثاني منه إلى ساحة الفتح عبر ساحة علي بابا. وكان للشارع مظهران يختلف احدهما عن الآخر، احدهما في النهار ويكون مشغولا بالعمل لوجود المؤسسات الرسمية والتجارية، وثانيهما في الليل ويكون مكاناً للتسلية والترويح حيث تنتشر فيه المقاهي والمطاعم.
وافتتح في عام 1934 شارع أبي نؤاس المطل على ضفاف نهر دجلة في جانب الرصافة بطول (3) كم. ويمتد من الباب الشرقي إلى نهاية الكرادة الشرقية، وله أهمية اقتصادية واجتماعية في آن واحد. عبر عنها السيد عبد الرزاق الحسني قائلا (تراه يعج في الاماسي والاصباح بالغيد الحسان والشبان الاماليد، وترى المقاهي والمتنزهات والمصطبات المكتظة بروادها وقد توسطت الحدائق الزاهية وكلها تطل على دجلة حيث ينساب بأمواجه المتراقصة، وقد طافت فوقه القوارب والطيور المائية وانعكست عليه ظلال الأشجار المورقة فيخال للإنسان أن يطالع كتاب ألف ليلة وليلة أو كأنه يعيش حقيقة ويحيى حياة ألف ليلة بسحرها ولذائذها ومجونها).

وعلى الرغم من فتح تلك الشوارع انفرد شارع الرشيد بأهمية خاصة إذ أصبحت أحياؤه مثل باب الأغا والشورجة تضم الأسواق والبيوت التجارية، وتؤدي دوراً أساساً كمركز رئيس للحياة الاقتصادية والاجتماعية، لذلك دعت الضرورة إلى التوسع في فتح شوارع أخرى لإيجاد منافذ جديدة لتسهيل حركة النقل باتجاه ضواحي المدينة وتخفيف الضغط على شارع الرشيد. فقامت أمانة العاصمة عام 1936 بافتتاح شارع الملك غازي. وقد قرر ارشد العمري أمين العاصمة أن يكون الشارع واسعاً من ساحة قنبر علي حتى ساحة الصدرية، أما الجانبان الآخران فيبقيان ضيقين، في حين اصر المهندسون الذين استدعوا لشق الشارع على أن يكون عريضاً وذا ممرين كبيرين من بدايته حتى نهايته لكي يتناسب و تطور المدينة وقد تمسك أمين العاصمة برأيه قائلاً:”إن أهالي بغداد صاروا طماعين يريدون أن يقبضوا عن عقاراتهم المستهلكة مبالغ تصل إلى مئة ألف دينار لكل طرف من الشارع، وهو مبلغ باهض لست مستعداً لأدائه”وقد دفع تشدد أمين العاصمة واعتداده برأيه المهندسين الى تقديم استقالتهم احتجاجاً على ذلك. لكنه لم يتراجع عن رأيه، فتم فتحه حسب المواصفات التي أرادها بفعل تصميمه وعناده.
وبعد إقامة الجسرين الحديديين (المأمون، وفيصل) على نهر دجلة وافتتاحهما عام 1939- 1940، قامت أمانة العاصمة بفتح شارعين في الكرخ يمتدان من مطلع الجسرين المذكورين الى خارج المدينة، يسمى احدهما شارع الملك فيصل، وكان من أوسع شوارع العاصمة وأجملها في ذلك الوقت، وهو أول شارع افتتح بممرين، احدهما للذهاب والآخر للإياب ويتوسطهما رصيف زرع بأشجار النخيل وأنواع مختلف من زهور الزينة، أما الثاني فهو يمتد من مطلع جسر المأمون (الشهداء حالياً) إلى مسافة قصيرة، وعرف بشارع الأمير عبد الإله.
لم تكن الشوارع المنوه بها كافية لتسهيل حركة النقل داخل المدينة، لذلك سعت أمانة العاصمة إلى فتح شوارع متعددة في مناطق مختلفة منها شارع الأمين العرضاني وشارع المصارف. وقامت بتبليط شارع الميكانيك مقابل جامع السيد سلطان علي وشارع باب الشيخ عمر الذي اجتمع فيه أصحاب الصنائع والحرف فتحول إلى منطقة صناعية مهمة لتصليح السيارات. كما افتتحت شوارع أخرى في الأعظمية والكاظمية للتخلص من الازدحام في المناسبات الدينية والاجتماعية.
ويبدو لنا أن ضعف تخطيط الحكومة وعدم وجود دراسات دقيقة ومتأنية من قبل خبراء ومهندسين عراقيين تأخذ بنظر الاعتبار توسعات المدينة الجديدة وحاجتها للشوارع الواسعة، فضلاً عن كثرة التبادلات في أمانة العاصمة، وإشغالها من أشخاص غير مهتمين بطبيعة أعمالها كان وراء التأخر في افتتاح الشوارع الضرورية للعاصمة فأصبح انجاز تلك الأعمال مقروناً بشخص الأمين الذي يتولى أمانة العاصمة ومدى استعانته بالخبراء الأجانب وحسب التخصيصات المالية لأمانة العاصمة.
ومن الجدير بالذكر أن توسع المدينة قد أدى إلى ظهور شوارع جديدة، تميزت بالاستقامة والاتساع لاستيعاب وسائط النقل، التي أصبحت في تزايد مستمر، وقد حافظت تلك الشوارع، على اتجاهها التقليدي الموازي لنهر دجلة عدا استثناءات قليلة. وكان من ابرز الشوارع التي ظهرت في نهاية الحرب العالمية الثانية، شوارع بغداد الجديدة، وهي أربعة شوارع رئيسية متوازية، طول الواحد منها ثلاثة كيلو مترات، وعرض كل منها (50) متراً، تتقاطع مع هذه الشوارع طرق فرعية، تقسم المربعات الناتجة عن تقاطعها بصورة هندسية تجعل كل وحدة من وحداته منطقة سكنية تقع على طرفين اثنين.
استمرت أمانة العاصمة في الأربعينيات برفد المدينة بخدماتها الضرورية، وسعت إلى إعادة تبليط الطرق القديمة وإنشاء الأرصفة لتحديد استقامة الشوارع ومنعت الأهالي من التجاوز على تلك الأرصفة للحيلولة دون التأثير على سير الحركة في الشوارع.
وفي الخمسينيات نفذت أمانة العاصمة عدداً من المشاريع المتعلقة بتنظيم وتبليط وفتح الشوارع التي تركت آثارها الواضحة في مدينة بغداد، وكان من ابرز انجازات أمانة العاصمة قيامها بفتح شارع عريض يخترق بغداد من باب المعظم حتى الباب الشرقي (بين شارعي الرشيد وغازي) سمي بشارع الملكة عالية (الجمهورية حالياً) لكي يكون بمثابة رئة للمدينة المزدحمة بالسكان لتخفيف أزمة المرور فيها بعد أن عجز شارعا الرشيد والملك غازي عن تخفيفها.
ويذكر فخر الفخري أمين العاصمة في عام 1954 بأنه كان وراء انجاز شارع الملكة عالية وبحكم منصبه هو الذي قرر أن يكون عرضه (40) متراً ومدخله في الباب الشرقي (50) متراً وأستملك العقارات الواقعة على الجانبين بعمق (20) متراً وقدر تكاليفه بـ(8) ملايين دينار،وبذل جهداً كبيراً في إخراجه وتغلب على المعارضة التي جوبه بها من العلماء ورجال الدين والمستفيدين بفعل استخدامه للحكمة والسخاء والانصاف باعطاء اصحاب العقارات 10% اكثر مما تستحقه عقاراتهم المتداعية، الامر الذي جعلهم يطلبون الاستعجال باستملاك عقاراتهم، وقد تمكنت أمانة العاصمة بعد الاقتراض من مجلس الإعمار وبيعها للمساحات الزائدة عن الشارع (الفضلات) من سد تكاليف شق الشارع وتم افتتاحه من قبل الملك فيصل الثاني في يوم الأربعاء الموافق 2 تشرين الأول من عام 1957.
وقد ترافق مع افتتاح شارع الملكة عالية افتتاح شارع القبلة في الكاظمية أمام باب القبلة في الصحن الشريف حيث مرقد الإمامين الجوادين موسى الكاظم ومحمد الجواد (عليهما السلام) بعد إزالة الأبنية القديمة المتداعية والأزقة الضيقة التي تحيط بالصحن الشريف، إذ أنها لا تتناسب وقدسية المراقد الطاهرة مما كان له ابلغ الأثر في تسهيل حركة مرور الوفود القادمة لأجل الزيارة والتبرك.

الجسور في مدينة بغداد
حازت الجسور أهمية كبيرة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لمدينة بغداد لانشطارها الى نصفين غير متماثلين، فساهمت في الربط بين نصفيها، وحددت مواقعها تجاه الشوارع في المدينة.
ومن الجدير بالذكر ان مدينة بغداد كانت قد عانت من مشكلات معقدة، لعدم وجود جسور ثابتة كافية فيها تربط بين نصفيها، اذ لم يوجد فيها سوى جسرين، اولهما جسر مود، وثانيهما الجسر العتيق (جسر المأمون). وفي سنة 1924 أنشئ جسر الأعظمية الخشبي الذي شيد على جنائب كبيرة لا تستطيع مقاومة تيارات مياه نهر دجلة إلا بعد وضع أكياس مملوءة بالرمل على الجانب الآخر لمنع غطسها وغرقها وتنظم طريقة عبور الأشخاص والعربات بوساطة شرطيين يقف كل واحد منهما في جانب ويستعملان (الصافرة والعلم الأبيض للمرور والأحمر للتوقف).
كانت الجسور تعطى بالالتزام السنوي لمتعهد يدفع للدولة مبلغاً محدداً، لذلك يقوم بأخذ آنة واحدة ذهاباً وإيابا عن (الاشخاص والدواب) التي تعبر الجسر، ويدفع أصحاب السيارات والعربات آنتين اي نصف قران في كل مرة، وتمنع سيارات الحمل من العبور او تضطر الى تفريغ الحمولة في منتصف الجسر.
كانت ادارة الجسور بيد الخبراء والمستشارين البريطانيين المعينين لدى الدوائر المختصة، اذ كانوا يشرفون على ادارة الجسرين (العتيق، ومود) ومن هؤلاء الخبير (سرجنت) وفي بداية الثلاثينيات تم الاستغناء عنهم لان (الجسّارة العراقيين تدربوا على العمل وأتقنوه).
لم تستطع الجسور الخشبية القائمة على الجنائب تأدية المهام التي أنشأت من اجلها، إذ أنها تكون عرضة لفيضانات دجلة المتكررة، فيدفع تيار المياه دوب الجسور ذات المقدم العريض للغطس بقوة التيار، الأمر الذي يستوجب على عمال الجسور إيجاد حالة من التوازن عن طريق وضع أكياس من الرمل على الجانب الآخر، وتمنع وسائط النقل الأخرى من العبور ويقتصر على الاشخاص فقط، وعند انخفاض مستوى المياه في النهر (الصيهود) ترتفع مقدمات الجسور على الجانبين الأمر الذي يجعل عملية الصعود تواجه مشقة كبيرة عندما تتوقف حيوانات النقل وتتدافع فيما بينها فضلاً عن ذلك لم تكن أرضية تلك الجسور مثبتة بشكل تام على الجنائب فعندما تعبر الدواب المختلفة تحدث قرقعة الخشب الأمر الذي يزيد من ارتباك تلك الدواب.
كان للتطور الكبير الذي شهدته المملكة العراقية في مختلف مجالات الحياة بعد عام 1932 اثر كبير في الاهتمام بزيادة وسائط النقل وتعبيد طرق المواصلات وتشييد الجسور الثابتة، فاهتمت الوزارة الهاشمية الثانية (17 آذار 1935- 29 تشرين الأول 1936) بإنشاء جسرين حديديين ثابتين في العاصمة، وتعاقدت مع شركة (هولواي أخوان الانكليزية المحدودة) لتشييد الجسرين ونصت المقاولة على أن تدفع الحكومة العراقية مبلغاً قدره (400000) دينار عراقي نقداً للحكومة البريطانية لإنشاء الجسرين.
بدأ العمل في الجسرين سنة 1937، وصرف حوالي (500) طن من الفولاذ وبلغ ما صنع من الكونكريت (304) متر مكعب، عرف الجسر الأول بجسر المأمون. في موقع الجسر القديم الذي يربط الكرخ بالرصافة طوله سبعمئة قدم وعرضه خمسيناً قدماً افتتح في 15 تموز 1939 كان يستعمل للعربات والسيارات والمارة في آن واحد.
اما الجسر الثاني فكان يعرف بجسر الملك فيصل الأول (في موقع جسر مود) تم انجازه عام 1940 بطول (303) متر وعرض (15) متر مع الأرصفة وكانت دعامته تزيد على الجسر الأول بدعامتين مصبوبة كلها بالخرسانة وبلغت تكاليف إنشائه (208) آلاف دينار. الجسران كانا على إتقان وضبط كبيرين إذ أنجز العمل فيهما حسب المواصفات المتفق عليها وبالوقت المحدد.
قامت الحكومة العراقية بتسلم الجسر بعد فحصه من قبل الشركة المذكورة التي أجرت عليه عملية الفحص بإمرار مكائن ثقيلة تتكون من (18) سيارة لوري و(6) محادل، و(1500) جندي. لمراقبة انحناء الجسر الذي كانت طاقة تحمله (260) طنا حسب الاتفاقية، واشرف المهندسين على ذلك لمدة ساعة فكانت النتيجة مرضية.
افتتح الوصي عبد الإله جسر الملك فيصل الأول في 15 آذار 1940 وكان يصحب هامين زكي وزير المواصلات والإشغال وعددا من الوزراء فضلاً عن بعض النواب والأعيان وكبار موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين وقد ألقى احمد شوقي الحسيني مدير الأشغال العامة خطبة الافتتاح وسط حشد كبير من سكان بغداد الذين اصطفوا على جانبي شارع الرشيد.
وفي عام 1950 تم نصب جسر الصرافية الحديدي (جسر القطار) الذي يتكون من ممرين احدهما للسيارات والآخر لعبور القطارات، كانت الحكومة العراقية قد اشترته كاملاً من حكومة الهند بمبلغ (اقل من مليوني دينار عراقي). بوساطة شركة كودفوغان لي فرانك وكويدز البريطانية التي قامت بنقله ونفذت شركة هولواي اخوان عملية نصبه.
كان لجسر الصرافية أهمية كبيرة تتمثل في إمكانية تسيير القطارات بين بغداد وبصرة وأربيل. ويمثل أضخم وأطول جسر في العهد الملكي يمتد لمسافات طويلة استمر العمل بإنشاء قواعده ودعاماته لمدة سنتين متتاليتين وهو أول جسر للاستعمال المزدوج (السيارات والقطارات). فصلاً عن السابلة افتتحه الوصي في 20 تشرين الأول 1950.
وبعد تنوع وسائط النقل وازدياد أعدادها في الخمسينيات ظهرت الحاجة إلى إنشاء جسور أخرى بهدف تخفيف حالات الازدحام على الجسور القائمة في بعض جهات المدينة. فشرع بإنشاء جسر الملكة عالية في تشرين الثاني 1953 الذي يقع في منطقة الباب الشرقي ويصل جانب الكرخ بالرصافة بلغ طوله (454) متراً وعرضه أكثر من (18) متراً وكلفة إنشائه مليون وستمئة ألف دينار وهو يقوم على عشر دعائم من السمنت المسلح تتخللها تسع فتحات.
افتتح الملك فيصل الثاني جسر الملكة عالية عام 1956 وقام ولي العهد عبد الإله بالنزول على سطح هذا الجسر بطائرته الهليكوبتر وكانت أول طائرة تحط على جسر في بغداد.
ونظراً لتكرار حدوث سقوط الأشخاص والسيارات من جسر الأعظمية فضلاً عن عدم قدرته على استيعاب حركة المرور الكبيرة والازدحام الدائم عليه لزيارة المراقد المقدسة في الكاظمية وانقطاعه لمدة نصف ساعة يومياً من الساعة (11-11,30) لغرض عبور السفن التي ترسو على الشاطئ حتى تتمكن من الانحدار إلى بغداد.
دعت الحاجة إلى أنشاء جسر ثابت بين الأعظمية والكاظمية بعد تذمر الأهالي من ذلك ومراجعتهم للجهات المختصة، لعدم محاسبة المسؤولين عن تسرب الأموال المخصصة لإقامة جسور جديدة أو إصلاح القديمة منها، ولم تتخذ إجراءات حكومية سريعة لمعالجة ضعف الجسر. لذلك تكررت الحوادث شهرياً الأمر الذي دعا الحكومة إلى اتخاذ خطوات جدية لحسم هذه المشكلة وقامت الجهات الفنية بالتعاقد مع شركتي (سمنسن وكتانه) لإنشاء جسر الأعظمية وتم الاتفاق على إنشائه بمبلغ مليون وثلاثمائة دينار وهو يقوم على ثمان دعائم من السمنت المسلح تتخللها سبع فتحات يبلغ طوله (317) متراً، وعرضه (15) متراً، ويتسع لمرور ثلاث سيارات في وقت واحد، وقد عرف بجسر الأئمة وأنجز بناؤه عام 1957.
نخلص مما تقدم أن الجسور وان وجدت لإغراض اقتصادية لكنها لا تخلو من الأغراض الاجتماعية لربط المدينة بأجزائها المختلفة مما يساعد على وجود حالة من الانسجام بين المدينة وأطرافها وتلبية المتطلبات الأساس لحياة المواطن البغدادي.

ساحات بغداد القديمة..
ذكريات وحقائق

قامت الحكومات العراقية خلال مراحل التطور العمراني الواضح الذي شهدته بغداد بين عايم (1939-1958) بإنشاء الجسور وشق الشوارع وتوفير وسائط النقل الحديثة والمتنوعة الأمر الذي دعا إلى استحداث عدد كبير من ساحات الاستدارة الدائرية لتنظيم حركة مرور وسائط النقل في المدينة. بهدف ربط الشوارع بعضها ببعض وتخفيف الازدحام على بعض الجسور.
وقرر مجلس أمانة العاصمة في جلسته المنعقدة بتاريخ 18 تشرين الثاني 1940 تسمية عدد من الساحات وكان من أهمها:
1- الساحة التي ينتهي فيها شارع السعدون الواقعة قرب نادي العلوية بساحة الفردوس.
2- الساحة التي ينتهي فيها شارع خالد بن الوليد بساحة الفتح.
3- الساحة المطلة عليها بناية المركز العام لجمعية الطيران التي يبدأ منها شارع الملك غازي بساحة الطيران.
4- الساحة الشمالية في شارع الملك غازي بساحة الفضل.
5- الساحة الواقعة أمام مدرسة الحقوق بساحة الحقوق.
6- الساحة الواقعة أمام البلاط الملكي بساحة التاج، كذلك تطوير الساحات القائمة آنذاك مثل ساحة النهضة وساحة السعدون.
واهتمت أمانة العاصمة في الأربعينيات بتنظيم الساحات والحدائق العامة، وقامت بتشجيرها وغرسها بالزهور وتحويلها إلى أماكن ترفيهية مجانية يرتادها سكان بغداد، بعد أن وفرت مستلزمات الراحة فيها. فأصبحت بمثابة (الرئات التي يتنفس من خلالها المواطنون) لكونها أماكن هادئة بعيدة عن الضوضاء كما أنها أكسبت المدينة مظاهر جمالية. وكانت من هذه الحدائق حديقة الوصي عبد الإله عند مدخل شارع الكفاح مقابل سينما الفردوس وكانت مركز نزهة وترفيه جذبت الأهالي في بغداد إليها، إذ كان سكان بغداد بأمس الحاجة إليها للترفيه عن أنفسهم وذلك لان الإنسان ككائن اجتماعي تؤثر فيه نواحي الحياة المختلفة بعد بذل جهد عضلي وفكري فتظهر لديه حاجة ملحة إلى اللهو كما هو بحاجة إلى الأكل والشرب والملبس.وقامت أمانة العاصمة بتنويع وسائل التسلية واعتنت في تطويرها وأنشأت عدداً من الحدائق وإعادة تنظيم وتجميل. حديقة الملك غازي في الباب الشرقي (التي تم افتتاحها في نهاية الثلاثينيات)، ووضعت فيها مقاعد للجلوس عليها وزودتها بوسائل التسلية البريئة في بداية الأربعينيات، فاخذ السكان يتوافدون إليها للنزهة وهم يحملون مستلزمات سفرهم ونزهتهم ولاسيما الأطعمة وسماورات الشاي. وكانت مثار إعجابهم اذ تميزت بنافوراتها وأشجارها المزروعة على شكل مدرجات تشبه الجنائن المعلقة. فهي مزيج من الحديقة الجبلية والمائية والبسيطة مساحتها (50) ألف متر مربع وفيها أحواض رخامية وكانت أمانة العاصمة تزرعها سنوياً بمختلف الزهور الموسمية واستعملت في سياجها الخارجي أشجار الكالبتوس والحمضيات ثم أقامت فيها النافورات على شكل شذروان.
وسعت أمانة العاصمة إلى إقامة المتنزهات والحدائق في بغداد. بعد أن فقد البغداديون أجمل متنزهاتهم في جانب الكرخ اثر إنشاء جسر الملك فيصل ونقل الجسر الخشبي عام 1940، انتشر سكان الكرخ في متنزهات بغداد القليلة فقد اهتمت بإنشاء متنزه ياسين الهاشمي الذي عرف بمتنزه الهاشمي. بعد أن صدرت لائحة قانونية سمحت للأمانة بامتلاك عرصتين لإقامة المتنزه بمساحة (6) دونمات، فقامت الأمانة بتجفيف المستنقعات الموجودة في محلات (البوشبل والخالدية) وحولتها إلى متنزهاً وجعلته مباحاً بدون أجر.
وقامت أمانة العاصمة عام 1945 بتشجير بعض الساحات الرئيسة والمتنزهات ومنها حديقة النعمان والسفينة في الأعظمية وبعض الأماكن في شارع الرشيد وشارع الإمام الأعظم وساحة زبيدة وساحة السويدي (جسر الشهداء حالياً).
شجعت أمانة العاصمة أصحاب البساتين على العناية بها وتحويلها إلى مشاتل. فانتشرت المشاتل في بعض جهات المدينة في نهاية الأربعينيات، وقاموا بزراعة وبيع الشجيرات والأزهار. ولم تغفل أهمية تنظيم الحدائق والساحات والمتنزهات عند دراستها لتخطيطات المدينة قبل وضع التصاميم الأساسية لها، وعملت على إحاطة المدينة بالحزام الأخضر ومنعت في عام 1956 فرز الأراضي الزراعية التي تقع ضمن حدود ذلك الحزام التي تقل مساحتها عن (2500) متر مربع.
وفي عام 1957 ظهرت فكرة إنشاء حديقة للحيوانات في بغداد فاتخذت المنطقة المجاورة لسكك الحديد في منطقة العلاوي الحلة كنواة لحديقة الحيوانات، وضمت هذه الحديقة الصغيرة بعض أنواع الغزلان والطيور المتنوعة عراقية وغير عراقية وبعض أنواع (الضباع، والثعالب، والذئاب، والنمور) ومعظم الحيوانات جلبت على شكل هدايا من أشخاص كانوا يحتفظون بها في بيوتهم وحدائقهم وحصلوا عليها عن طريق الصيد أو الشراء.
يتضح لنا مما تقدم أن أمانة العاصمة قد قامت بجهد كبير في تنظيم المدينة وتطويرها وتنويع الخدمات العامة فيها بشكل يتلاءم مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المجتمع البغدادي خلال الاربعينيات والخمسينيات، لكن جهودها المشار إليها لم تكن منتظمة وبالمستوى نفسه من التقدم بين حكومة وأخرى.

عن رسالة (الحياة الاجتماعية ببغداد 1939 ــ 1958)