هكذا صدر العدد الاول من جريدة الزوراء

هكذا صدر العدد الاول من جريدة الزوراء

هاشم النعيمي
صحفي راحل
في يوم الثلاثاء الخامس من ربيع الاول 1286هـ الموافق 15 حزيران 1869م صدرت في بغداد اول صحيفة عراقية تحمل اسم الزوراء احد اسماء عاصمتها العتيدة.. ويعتبر هذا اليوم تاريخ ميلاد الصحافة العراقية التي نحتفل شعبا وحكما في هذا العام بالذكرى المئوية لها.

واليوم ونحن نلمس في صحفنا امكانيات فنية متطورة وفي صحفيينا دأبا وجهدا في خدمة الاهداف التي من اجلها خلقت الصحافة، يجدر بنا تسجيل بعض السطور عن تاريخ اول جريدة ولدت بميلادها صحافتنا العراقية، تعريفا لابناء هذا الجيل بما نهض به صحفيونا الاوائل من اعباء جسيمة وما تحملوه من متاعب في طريق انشائها وبنائها وتقدمها وتقديرا لما قدمه زملاؤنا في المهنة وما وضعوه من لبنات اساسية في صرح تاريخنا الصحفي واعترافا بما تركته افكارهم الطيبة وأياديهم البيضاء صدقا في التعبير وجرأة في القول وايمانا بالعقيدة عبر السنين المائة من عمر صحافة هذا الوطن.

واقعنا الفكري والاجتماعي في العهد العثماني
كان الظلام المطبق يلف العراق والبلاد العربية بصورة عامة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وكان السلاطين العثمانيون وولاتهم وصنائعهم يحكمون كافة الاقطار التي احتلوها حكما مطلقا فرديا، خيرات هذا الوطن نهب لهم يتصرفون بها كيفما شاؤوا وبلا خشية من رقيب او حسيب، يقمعون كل حركة تحررية او اصلاحية وكل مطالبة شعبية بالحديد والنار، كانوا اعداء للعلم والمعرفة ولكل حركة تقدمية في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية وجاءت الثورة الفرنسية والافكار والحركات الاشتراكية لتنشر في العالم مشاعل النور ولتبدد الكثير من دياجير الظلام، واخذت قيم الثورة الفرنسية تهتك حجب السلطة العثمانية ووصلت افكارها مختلف بقاع هذه الامبراطورية المترامية الاطراف، ومن هذه الافكار والقيم حرية ابداء الرأي والقول والاجتماع والمطالبة بالاصلاحات وكانت الصحافة هي اللسان الذي يمكن ان ينطق باسم الناس ويعبر عن مشاعرهم واحساساتهم ورضخ السلاطين الاتراك لفكرة اصدار الصحف واحترم بعضهم حرية الصحافة بينما راح الاخرون يحجبونها عندما تصطدم بمصالحهم ووجودهم الظالم.. وشعبنا من الشعوب التي رزحت تحت نير الحكم العثماني (1535ـ1917) كان يشعر بحاجته الى صحف تعبر عن امانيه في الاصلاح كما تعبر عن مشاعره القومية في التحرر والسيادة وكانت الصحف التي تصله من الاستانة كتقديم وقائع ومن البلاد العربية كالجوائب تحرك فيه الكثير من هذه المشاعر والاماني وكان نجاح الانقلاب العثماني في 23 تموز 1908 بقيادة الضابط العراقي الفريق محمود شوكت باشا (شقيق حكمت سليمان) واعلان الدستور العثماني (المشروطية) دافعا قويا ومحفزا لتحسس الوطنيين العراقيين باهمية الحرية وحرية الصحافة بوجه خاص عندها اصدروا العديد من الصحف في ذلك التاريخ ومن خلالها عبر وطنيونا عن شعاراتهم ومطاليبهم في الحرية والعدالة والتحرر والاصلاح.. وهنا يجدر بنا القول ان الصحافة العربية بوجه الاجمال كانت تتمتع في اواخر القرن الثامن عشر بنوع من الحرية البسيطة لاسيما في عهد السلطان عبد العزيز بن السلطان عبد المجيد الذي عرف عنه تنشيطه النسبي للاداب والعلوم والصحافة عندما شعر باهميتها في خدمة الدولة وذلك بعد زيارته لباريس عام 1867 حيث حضر معرضها الدولي الشهير بدعوة من نابليون الثالث وشهد بعينيه الفارق الحضاري بين فرنسا ودولة بني عثمان.
وبعد عامين من زيارة السلطان عبد العزيز للعاصمة الفرنسية صدر فرمان همايوني بتعيين مدحت باشا واليا على بغداد خلفا لتقي الدين باشا حيث وصلها في يوم الثلاثين من نيسان 1869 (1286هـ) وقد دلت الوقائع على ان نقل مدحت باشا من مكانه في اوربا الى بغداد جاء بقصد الاصلاح والتجديد في هذه الولاية المهملة..

اصلاحات مدحت باشا في العراق
وحقيق بنا ان نعطي للقارئ بعض اللمحات عن اصلاحات مدحت باشا الذي يقترن باسمه تأسيس الزوراء اول صحيفة عراقية تثمينا لما خلفه هذا الرجل من جلائل الاعمال في بلادنا في حين عبث اقرانه الولاة العثمانيون الاخرون بمقدراتنا واساؤوا الينا كثيرا.
كان مدحت باشا رجلا عصاميا وصل الى اعلى مراتب الدولة بجده وخلقه وصدقه وصلابة عقيدته وجرأته في الرأي، شغف باللغة العربية وآدابها ودرس بها البلاغة والمنطق والفقه والحكمة على يدي استاذه عارف بك المشهور بشيخ الاسلام المعروف بانه من الزعماء المصلحين الميالين الى المبادئ الدستورية الحرة..
قام مدحت باشا بجولات في مدن اوربية كثيرة رأى فيها رأي العين ما كان قد قرأه من نظم دستورية وما سمع به من تقدم حضاري وقارن بين هذا النظام وما تتخبط به بلاده والبلاد الاسلامية عامة في ظلمات الجهل والجور والفقر، كان مشبعا بالافكار الاصلاحية عمل جاهدا طيلة مدة خدمته الدولة للمساواة بين الناس والضرب على ايدي المستبدين الذين ينهبون الاموال الاميرية ويعتدون على حقوق الرعية.. وفي بغداد حيث وصلها بادر فورا الى توطيد دعائم الامن واصلح ادارة الحكومة، عاقب الحكام الظالمين وفتح ابوابه للمتظلمين وقام بالكثير من المشاريع العمرانية بعد ان وجد العراق وقد نضبت موارده وساء حال ساكنيه وتعطلت طرقه وكثرت فيه الثورات، بادر الى بناء السدود وردم المستنقعات وتحويل الاراضي المهملة الى اراض زراعية واهتم بتبليط الطرق العامة والشوارع وتنظيم الحدائق والمتنزهات وانشأ مدرسة صناعية ومستشفى للغرباء ودارا للاصلاح الاجتماعي ومدرسة رشدية مدنية وعسكرية ومعملا للحديد ومعملا لتصفية النفط في مندلي ومعملا للنسيج كما انشأ ترامواي الكاظمية وبنى مدينة الناصرية وبنى العشار في البصرة ومشاريع عديدة لسنا في مجال ذكرها الان..

كيف اصدر مدحت باشا الزوراء؟
اثر صدور الفرمان الهمايوني بتعيين مدحت باشا واليا على بغداد عزم هذا الوالي الجديد على القيام باول عمل اصلاحي وهو انشاء جريدة يستطيع من خلالها ان ينشر افكاره الاصلاحية بين الناس كما يستطيع ان يفهم ما يرجوه الناس من الاصلاحات وما يعرضونه من مطاليب. وفي باريس حيث كان، عندما عين واليا على بغداد، اشترى مطبعة آلية حديثة نقلها معه الى بغداد كما أحضر معه في نفس الوقت مهندسا للطباعة ومديرا للمطبعة وكان بمعيته الكاتب الصحفي التركي احمد مدحت افندي جاء به مدحت باشا كأول رئيس لتحرير جريدة الزوراء، واحمد مدحت افندي كما عرفناه كان مرافقا لمدحت باشا اينما حل وارتحل وكان من البارزين في حزب تركيا الفتاة الا انه خان مدحت باشا عندما اصطدم بالسلطان عبد الحميد وانضم هذا الصحفي النهاز الى زمرة عبد الحميد عدو الحرية ليسب بعد بضع سنوات أبا الاحرار مدحت باشا ولي نعمته وذلك في جريدته ترجمان حقيقت التي تولى تحريرها في الاستانة. وصدر العدد الاول من الزوراء كما قلنا في 15 حزيران 1869 بثماني صفحات اربع منها باللغة التركية واربع باللغة العربية وفي صدر الجريدة كتبت العبارة التالية (هذه الفزته) تطبع في الاسبوع مرة يوم الثلاثاء وهي حاوية لكل نوع من الاخبار والحوادث الداخلية والخارجية) كما نشر في هذا العدد نص الفرمان العالي بتعيين مدحت باشا واليا على بغداد وكذلك نشر خطاب الوالي مدحت باشا الذي القاه في الاحتفال بقراءة ذلك الفرمان وفيه يعلن رأيه في الادارة ويذكر الاهلين بحالة اوربا وتقدمها..
واشارت الزوراء في عددها الاول وفي الاعداد التي تلته الى شؤون الولاية واحوالها والقوانين والانباء الرسمية والبراءات السلطانية ونصوص المعاهدات والوثائق واخبار السلطنة والدول الاخرى كما كانت الزوراء بالاضافة الى ذلك تنشر الرسائل التي يبعث بها مراسلوها الدائميون في مختلف انحاء الولاية واوضحت هذه الرسائل اسباب تدني العراق ورسائل ترقيته والاصلاحات التي تطالب الامة بتحقيقها، ورأي بعض المؤرخين ان الزوراء بادارة مدحت باشا كانت صريحة اللهجة تدون الوقائع بحرية وتصدع بالحق ولكنها بعد ذهابه وقد عاشت خلفه خمسة واربعين عاما تغيرت لهجتها واصابها ما أصاب الصحافة العثمانية في العهد الحميدي من الضغط والتشديد عليها وخنق حريتها وعلى كل ففي سنواتها الاربعين الاولى احتوت صفحاتها من اخبار البلاد العراقية وسكانها ما لا يعثر عليه او على أكثره في أي مرجع تاريخي آخر. وفي سنواتها الثلاث الاولى سجلت الزوراء بدقة ما قام به مدحت باشا من اعمال واصلاحات بحيث تعد خير مرجع لتاريخه في العراق.

مدحت باشا يحترم حرية الصحافة
من خلال قراءاتي لتاريخ واعمال مدحت باشا عرفت انه كان مشبعا بالافكار الاشتراكية كما كان متحمسا للميول الجمهورية في الحكم.. كان يقول «سوف يأتي زمن تيسر للدولة فيه ان تعادل بين العمل والاجرة اما الان فالاجحاف ظاهر كاننا نحن انفسنا نأذن بالرشوة لذوي الرواتب الزهيدة بل نأمرهم امرا» وكان كثير الصلة بالشعب يتحسس مطاليب الناس عن كثب وكان يعنى بالتنظيمات الادارية والشعبية كثيرا وكان الى جانب ذلك نظيفا نزيها حتى ذكر انه لما ترك منصبه في بغداد في اوائل عام 1872 باع ساعته لدفع نفقات سفره الى الاستانة، وكان يحترم الصحافة ويعمل جهده على تلبية طلباتها ويعارض فكرة تقليص حريتها يؤيد هذا ما ذكره المؤرخون من انه عندما عين صدرا اعظما اي رئيسا للوزراء في 19 تشرين الاول 1876 راح يعمل لاسناد الصحف الصادرة انذاك في الاستانة مثل الاستقبال وبصيرت وحقيقت ووقت وهي من الصحف الحرة التي دأبت في حينها على نشر الافكار التحررية وعملت لتحقيق النظام الدستوري، كان يدعم هذه الصحف ماديا ومعنويا برغم ان هذا الدعم وما كانت تكتبه هذه الصحف يثير حفيظة السلطان عبد الحميد، وكان مدحت باشا ابا الاحرار كما كان يطلق عليه لا يعير لشكاوى السلطان ومطالبته الملحة بغلقها ومعاقبة اصحابها اذنا صاغية، كان يقول له ان الدستور خول الصحافة حق الكتابة في المواضيع التي تريدها وانتقاد ما ترى انتقاده من شؤون الحكومة والدولة فهي ممثلة الرأي العام ولسانه المعبر عن حقوقه ورغباته..

تدني الزوراء بعد نقل مدحت باشا
فقدت الزوراء بعد نقل مدحت باشا من ولاية بغداد كثيرا من حريتها وتبدلت لهجتها ولا سيما عندما شدد العهد الحميدي الخناق على الصحف وأخرس ألسنتها وحطم اقلام الكتاب وفرض الحظر على نشر الظلامات التي يرفعها الناس للحكومة كما حرم نشر الانتقادات التي توجهها الصحف للمسؤولين الحكام وبدت في هذه الجريدة الركاكة الفاضحة واضحة تعج بالاغلاط المزرية بعد ان تولى ادارتها اشخاص لا يحسنون العربية فضلا عن الكتابة الفصيحة بها.. والمتتبع لاعداد الزوراء في خلال عدة سنوات يجد التباين في الاسلوب واللغة صعودا وهبوطا مما يدلل على اهمال الولاة هذه الجريدة حتى قال فيها الاب انستاس ماري الكرملي «واما مواضيع الزوراء فلا تستحق الذكر واأسفا على ولاية بغداد ان تكون جريدتها الرسمية بهذه الصورة الدنيئة»..

إلغاء القسم العربي
وفي عام 1908 عندما اعلن الدستور وظهرت في بغداد صحف شعبية مثل (بغداد) لصاحبها مراد سليمان و(الرقيب) لصاحبها عبد اللطيف ثنيان و(صدى بابل) للمعلم داود صليوة الغى الوالي التركي نجم الدين ملا القسم العربي في الزوراء بحجة وجود صحف عربية بينما كان الواقع هو منع نشر الرسائل والمطاليب الشعبية على صفحات الزوراء الجريدة الرسمية وفعلا فقد اكتفى الوالي المذكور بالقسم التركي من الجريدة وهذا سبب احتجاج فريق من الاهلين من ذوي النزعة القومية حيث طالبوا بعودة القسم العربي، وفعلا عادت الزوراء لتنشر باللغتين العربية والتركية اعتبارا من عددها 2418 الصادر في 7 شعبان 1331 الموافق ليوم السبت 12 تموز 1913 في عهد الوالي محمد زكي باشا..

محررو الزوراء
قلنا ان مدحت باشا عندما نقل الى ولاية بغداد اصطحب معه الصحفي التركي احمد مدحت افندي ليشغل رئاسة تحرير الزوراء وبقي احمد مدحت في منصبه هذا مدة ولاية مدحت باشا (1869ـ1872) في بغداد ومما يؤسف له ان القيود القديمة لجريدة الزوراء قد احترقت ولهذا لم يستطع المؤرخون معرفة محرري الزوراء الا انه عرف من بين مسؤولي تحرير القسم العربي في هذه الجريدة حسن ازوم 1294ـ1299هـ وزهيد افندي 1296-1313هـ واسماعيل افندي 1313-1317هـ واحمد فهمي 1317-1319هـ وفهمي افندي 1319-1321هـ وعباس حمدي 1321ـ 1323هـ وفهمي افندي 1323ـ 1326هـ وعبد الوهاب افندي 1326، وتولى تحرير هذا القسم وحتى توقف الزوراء نهائيا في 11 آذار 1917 عند انسحاب الجيش العثماني من بغداد، عدد من الكتاب والادباء والصحفيين العراقيين ذكر من بينهم الشاعر احمد عزت باشا محمود العمري الموصلي واخوه علي رضا محمود العمري كما حرر فيه الشاعران الشاويان عبد الحميد واحمد ثم طه الشواف فمحمود شكري الالوسي وكان آخر من عمل في الزوراء الصحفي المعروف محمود فهمي المدرس وذكر ان الرصافي والزهاوي عملا فترة في هذه الجريدة الرسمية.

الزوراء تصدر 48 عاما
ومنذ صدور عددها الاول في 15 حزيران وحتى صدور عددها الاخير في 11 آذار 1917 تكون جريدة الزوراء قد ثابرت على الصدور مدة 48 عاما ظهر منها 2606 اعداد كانت خلال سنتها الاولى كما قلت تصدر يوم الثلاثاء من كل اسبوع بينما اظهرت اعدادها في السنة الثالثة انها تصدر في الاسبوع مرتين ففي صدر احد اعدادها الصادرة في 1289هـ قرأنا ما يلي (هذه الجريدة تصدر في الاسبوع مرتين يوم السبت ويوم الثلاثاء وهي حاوية لكل نوع من الاخبار والحوادث الداخلية والخارجية وثمنها عن سنة 100 غرشا وعن ستة اشهر 55 غرشا اجرة البوستة فالذي يرغب في أخذها وشرائها فليراجع مطبعة مركز الولاية).

اين توجد جريدة الزوراء
تضم مكتبة المتحف العراقي في الوقت الحاضر ثلاثة مجلدات من جريدة الزوراء اهديت لها من المكتبة الشرقية للاباء المرسلين الكرمليين في بغداد في 1918 وتحوي هذه المجلدات ما يلي: المجلد الاول من العدد 126-248 في الفترة 21 ذي الحجة 1287 اول ربيع الاول 1289هـ والمجلد الثاني من العدد 426-521هـ في الفترة 26 محرم 1291-2 صفر 1292هـ والمجلد الثالث من العدد 522 -608 في الفترة من 6 صفر 1292-11 صفر 1293هـ والعدد 2207. اما المكتبة المركزية لجامعة بغداد ففيها مجلد واحد يضم الاعداد 56-152 في الفترة من ربيع الاخر 1287ـ 27 ربيع الاول 1289هـ ولدى المؤرخ عباس العزاوي مؤلف تاريخ العراق بين احتلالين حوالي 750 عددا من اعداد سني الفترة الاخيرة لصدور الزوراء وفي مكتبة آل باش اعيان في البصرة ومكتبة هاشم الالوسي مفتش المعارف العام السابق في بغداد اعداد غير قليلة من هذه الجريدة وفي مكتبة محمد اسعد العينتباوي بحلب وجدت اعداد الزوراء التالية 146 و 1200 و 1450و 1516و 2187و 2194 وفي مكتبة جامعة الحكمة مجلد لسنة كاملة اهديت لها ضمن مجموعة كتب البحاثة العراقي يعقوب سركيس.
ومن خلال ملاحظتنا لاعداد الزوراء الموجودة حاليا ندرك اي تأخر فني وطباعي كانت تعيشه الصحافة في ذلك الوقت فالجريدة وهي بقياس 43×28 وهو حجم متوسط قريب من حجم جريدة الثورة البغدادية في السبعينيات وتضم صفحة الجريدة ثلاثة اعمدة عرض العمود الواحد 8 سم ولم نشهد في هذه الجريدة عملا من اعمال الزنكوغراف غير (الزوراء) اسم الجريدة كما لم نشهد فيها صورة او خطا او حروفا متباينة الاشكال والاحجام او اعمالا فنية صحفية اخرى مما نشهده في أيامنا الحاضرة.
وطبيعي اننا لم ننس ونحن نتحدث عن الزوراء ان واقع الصحافة في البلاد العربية كان في وقت ظهور الزوراء واقعا متأخرا الا ان الجرائد العربية التي صدرت قبل وفي ايام جريدة الزوراء كانت اقدر منها نسبيا على متابعة فن التطور الصحفي.

صور من كتابات جريدة الزوراء
ومن اجل ان نعرف المستوى الفني واسلوب الكتابة الذي مارسه محررو الزوراء نورد هنا بعض الفقرات من الكتابات التي ظهرت في الجريدة:
ضمن اخبارها المحلية كتبت الزوراء في 13 ربيع الاول 1289 ما يلي (على العادة الجارية المستحسنة من قرأة المولد الشريف النبوي في جامع رئيس مذاهب اهل السنة والجماعة حضرة الامام الاعظم والهمام الاقدم في كل شهر ربيع الاول من كل سنة فكذلك نهار امس وهو يوم الاثنين دعيت كافة مأموري الملكية والعسكرية وتعطلت الدواير في اليوم المذكور وقد قرأ المولد الشريف بكمال الادب والاحترام فتنورت قلوب الناس المجتمعة وانجلت مرايا ابصارها وبعد القرأة اجريت الضيافة المكتملة من دائرة الاوقاف على المعتاد)..
ومن الاخبار الخارجية ما جاء في عدد الزوراء 145 في 8 مايس 187م قولها (نظرا للاخبار المأخوذة بواسطة التلغراف ان الماسكين طرف الحكومة في باريس قد غلبوا على الجمعية الاشتراكية والنفوس التي قبض عليها منهم اليوم وهم في السجن مغلولين يتجاوز عددهم عن ستين الف نفس فاذا كانت هذه الاخبار صحيحة فيكون امن فرنسا قد عاد الاحتلال الظاهر قد اندفع وارتفع).
وبمناسبة ظهور الكوليرا في العراق كتبت الزوراء في العدد 158 في 22 حزيران ما يلي (بمناسبة ظهور القوليرا ـ الكوليرا ـ في بندر أبو شهر كانت قد اتخذت التدابير المقتضية حسب القاعدة التحفظية بحق من يأتي من هناك الى البصرة لكنها كيف ما كان ظهرت احيانا في المحل المسمى القورنة وبعد الدوام بها ـ مكافحتا ـ كم يوم زالت واندفعت فقط مقتضى ما أخذناه من الاشعارات التلغرافية انه بهذا الدفعة ظهرت ايضا في البصرة بصورة شديد حتى ان يوم الثامن من شهر مارت توفي من الذين عرض لهم هذا الداء اربعة عشر نفرا وثاني يوم سبعة عشر نفرا وهؤلاء الذين قد توفوا اكثرهم من الاعجام.. بناء على ذلك فقد لزم.. اجراء التدابير الاحتياطية واعطيت الاوامر المقتضية من جانب الحكومة الى المأمورين بان علة القوليرا هذه مادامت باقية ان لا يدعوا وابورا وسفينة تمر لذلك الطرف وكل من يأتي يوقفونه في القورنة لاجل اجراء القرنتينة).
ومما جاء في اخبارها المحلية ايضا قولها في العدد 130 في 16 اذار 1870م (لا يخفى ان تنظيف محلات مدينة بغداد هو محول الى بعض الخدمة والمأمورين والمعاش الذي يعطى لهم في كل شهر يبلغ الى ستة او سبعة الاف غرشا ومع ذلك فالنظافة المطلوبة غير صالحة وهذا الامر انما هو حاصل من عدم دقة المأمورين).

مطبعة جريدة الزوراء
مطبعة الزوراء او مطبعة الولاية كما هو اسمها المثبت في صدر جريدة الزوراء تم جلبها من باريس كما استصحب معها مهندسا فنيا لادامتها باعتبار ان العراقيين لم يكونوا قد شهدوا في ذلك الوقت مطبعة البتة بل كان الكثيرون في بغداد في اواسط القرن التاسع عشر لا يعرفون شيئا عن المطابع وفن الطباعة وكان العراقي لا يصدق ما يقال له عن طابعة الكتب في يوم او بعض يوم ويعتبر هذا عملا مستحيلا كما اعتبره البعض من فنون السحر، ولم يجرأ احد على جلب مطبعة الى بغداد الى بعد ان شهد البغداديون مطبعة الولاية هذ الامر الذي دفعهم بعد ذلك الى التهافت على شراء المطابع..
كانت مطبعة الولاية راقية جدا بل اعجوبة زمانها وفريدة اوانها كانت تدار بالبخار وبقيت هذه المطبعة قوية نشطة حتى عام 1323هـ (1950) عندما جاء الى بغداد وال جديد هو حازم بك حيث جلب معه مطبعة جديدة كما قام باصلاح مطبعة الزوراء الى جانب ذلك وبسبب الاهمال وعدم وجود فنيين لتصليحها فقد تركت هذه المطبعة وانتهى امرها كمطبعة تطبع بعض منشورات وبيانات واوامر الوالي وكان اخر من تولى ادارتها محمود فهمي المدرس.

هل ظهرت صحيفة عراقية قبل الزوراء؟
يقول روفائيل بطي في كتابه الصحافة في العراق: ان الثابت ان الوالي مدحت باشا هو مؤسس اول مطبعة بالحروف في بغداد ومنشئ اول جريدة باسم الزوراء سنة 1869 وقد ظلت الجريدة الرسمية لولاية بغداد الى يوم احتل الجيش البريطاني بغداد سنة 1917 غير ان باحثا عراقيا هو رزوق عيسى صاحب مجلة المؤرخ كتب مقالة في مجلة النجم الموصلية (1934) تعليقا على ما ورد في تاريخ الصحافة العربية الذي المعت اليه من ان جريدة الزوراء اول جريدة عراقية ورد فيها بقوله (بيد انه وردت في بعض اسفار رجال الافرنج ومنهم الانجليز تلميحات واشارات الى ان اول صحيفة ظهرت في بغداد كانت تعرف باسم جرنال العراق انشأها داود باشا الكرجي الوالي الشهير عندما تسلم منصب الولاية سنة 1816 وكانت تطبع في مطبعة حجرية وتنشر باللغتين العربية والتركية وتذاع منها وقائع القبائل وانباء القطر العراقي واخبار الدولة العثمانية وقوانين البلاد واوامر الوالي ونواهيه والاصلاحات الواجب اجراؤها واسماء الموظفين مع غيرها من الحوادث الخارجية وكانت توزع على قواد الجيش وكبار الموظفين وأعيان المدينة واشرافها وتعلق منها نسخ على جدران دار اجارة ليطلع عليها من يهمه امر الوقوف على اخبار الدولة وتقدمها هذا ما عثرت عليه في كتب الرحالين ومنهم غروفس وفريزر وتيلر وزاد عليهم سجل اليوت المخطوط وحشر معهم اسفار رتش وبكنكهام وبورتر وروسو) فاذا صح هذا النبأ الذي اورد هنا اسماء جانب منها فأني آمل في العودة الى كتابة بحث خاص عن هذه الصحف.


من البحوث التي قدمت في الذكرى المئوية
لصدور الزوراء عام 1969