الملحن يحيى حمدي ونظارة رئيس الوزراء

الملحن يحيى حمدي ونظارة رئيس الوزراء

وسام الشالجي
لم يعرف عن الفنان يحيى حمدي انتمائه الى اي فئة سياسية او تنظيم حزبي , ويبدوا انه كان في قرارة نفسه عازما على ان يكون بعيدا عن السياسة ومتاعبها , وهو ان أفلح بأبعاد نفسه عن السياسة فأنه لم يفلح في ابعادها عن متاعبها. أول ما يلاحظ من متابعة سيرة حياة الفنان يحيى حمدي الاجتماعية والفنية أنه كان ذو حس وطني عميق وفي نفس الوقت ذو ميول يسارية بالرغم من عدم انتمائه الى اي جهة تسير بهذا الاتجاه.

ومما يدلل على حسه الوطني انه قدم بعد نكبة فلسطين عام 1948 مجموعة من الأغاني الوطنية من تلحينه غناها على الهواء من خلال ميكرفون دار الاذاعة العراقية التي كانت تبث برامجها على الهواء مباشرة من دون تسجيل , وللأسف لا يوجد اي تسجيل محفوظ لتلك الاغاني. ومما يذكر عنه في مطلع الخمسينات ايضا انه تشاجر مع أحد المسؤولين الامنيين في دار الاذاعة بسبب اغنية اداها مباشرة على الهواء اعتبرت كلماتها تمس النظام الملكي بذلك الوقت , ومرة اخرى لا يوجد للأسف اي معلومات عن تلك الاغنية ولا عن كلماتها لكن من المرجح انها اغنية ظاهرها العام عاطفي لكن مدلولاتها العميقة تشير الى الاحوال الصعبة التي كان يعيشها المواطن العراقي في ذلك الوقت. ان في هذا الحدث اشارة واضحة على ان الفنان يحيى حمدي كان ذو ميول يسارية لان اقوى الحركات التي كانت تنشط وتعمل ضد النظام الملكي بذلك الوقت هو الحزب الشيوعي العراقي.

وبعد قيام ثورة 14 تموز عام 1958 وأسقاط النظام الملكي تغيرت الاحوال بمعظم ارجاء البلاد وانتعشت الحركات اليسارية. ومن خلال متابعة حياة الفنان يحيى حمدي بتلك الفترة ونشاطه الفني الواضح فأن من المعتقد بان نوازع فناننا الكبير الداخلية كانت كما يبدوا منسجمة مع الوضع الجديد الذي ساد بالعراق في وقتها. ونتيجة لعمله الفني ووجوده في وسط مركز تسليط الضوء الاعلامي على الاحداث فقد تكونت له بذلك الوقت صداقات قوية مع بعض العاملين بالاذاعة ممن ينتمون للحزب الشيوعي العراق او من ذوي الأتجاهات اليسارية. من المؤكد بانه كانت ليحيى حمدي اغاني وطنية انتجها بتلك الفترة لان معظم فناني تلك المرحلة قدموا عطاءات كثيرة تمجد الواقع الجديد والتغيير الذي حصل بالبلد.

بعد انقلاب 8 شباط 1963 وانقلاب الدائرة على الحركات اليسارية عموما والحزب الشيوعي العراقي خصوصا واعتقال ومطاردة اعضائه ضاق الحال بكل من يحمل افكارا يسارية أو له علاقة بمن كان شيوعيا ومن بين هؤلاء فناننا الكبير يحيى حمدي. ومن سوء طالع الفنان يحيى حمدي انه قدم اواسط الستينات اغنية”عيونك حلوه وسحاره... حرام تلبس نظاره”وتم تسجيل الاغنية في تلفزيون بغداد حيث ظهر يحيى حمدي يغني وبجانبه أمرأة تلبس نظاره سوداء. وبعد ان شاهد الجمهور هذه الاغنية اخذت على ان المقصود بها هو (طاهر يحيى) رئيس الوزراء آنذاك الذي كان معتادا على أرتداء نظاره سوداء دائما لمرض في عينه. وقد أستاء البعض ممن يؤيدون النظام الحاكم بوقتها من هذه الاغنية ,فوشوا بمغنيها الى دائرة الامن التي قامت باعتقاله وضربه على أساس انه كان يقصد في الاغنية رئيس الوزراء (طاهر يحيى) , الا انه افرج عنه بعد مدة بسيطة لعدم ثبوت اي شيء ضده. وعند اندلاع الحرب العربية الاسرائيلية في حزيران عام 1967 لم يتأخر يحيى حمدي لنداءات حسه الوطني وقدم مجموعة من الاغاني الوطنية اهمها انشودة (تقدم يا عربي تقدم). وبعد قيام انقلاب17 تموز 1968 ومجيء حزب البعث مرة اخرى الى السلطة عادت الأوضاع لتتوتر بالنسبة للفنان يحيى حمدي , وبالفعل فقد اعتقل مرة اخرى في بداية السبعينات من قبل مديرية الامن العامة واتهم بالقيام بنشاطات معادية لنظام الحكم مما ادى الى احالته الى المحاكم. وقد ترافع مدافعا عنه المرحوم المحامي الاستاذ محمد الجميلي الذي استطاع الحصول على حكم باخلاء سبيله لعدم وجود ادلة تثبت ذلك , وكذلك لتوسط احد المسؤولين البارزين في حينها للافراج عنه.