مؤيد الراوي.. يرحل غاضبا

مؤيد الراوي.. يرحل غاضبا

عواد ناصر
مؤيد الراوي شاعر لم يأبه كثيرا بما تتركه قصيدته من"انطباع».
إنه يؤثر الكتابة التي أجادها، شعرا طبعا، على ما سواها من هوامش بلا أهمية، لأن حياته، كانت الوجه الثاني لقصيدته، فلا انفصال بين اشتغالاته اليومية: الصحافة والنضال والفن والشعر، لأنها اشتباكات مع بعضها بعضا، بكل ما تحمله من السخط والسخرية والضحك والحلم..

ولا أنسى أنه حكّاء بارع. وكم كان يحب الشاي.. فلو وضعت إبريقاً من الشاي بحجم رواية لقرأه كله في جلسة واحدة. ومنه تعلمت أن الشاي، الذي اعتبره مشروباً محرما، يمكن أن يكون ألذ المشروبات عندما"يحكي"مؤيد الراوي.
كم كان إنساناً حقيقياً، شغوفاً بالثقافة، غير عابئ بإكسسواراتها: نشراً وإعلاماً وضجيجاً ونشاطاً لا يمت بصلة إلى رسالة الشعر.
لم يطبع أكثر من ثلاث مجموعات شعرية:"نزهة في غواصة"و»احتمالات الوضوح"وأخيراً"ممالك»، وهو المفعم بالشعر.
تلويحة أخيرة يا صديقي وشاعري ورفيقي الذي علمني أن أترك القصيدة"تأخذ مجراها"بلا عكازات ولا سلالم عرجاء ولا مكافآت.
وعلمني أن الثقافة المشوهة لا تعبأ بالقصيدة الصحيحة.
وعلمني أن الشعر خارج البلاغة العامة وليس له غير بلاغته الشخصية.
وعلمني أن القصيدة الغربية تنطوي على حرية كبرى وجمالية تفتقدها القصيدة العربية، واللغة هي ابنة الثقافة لا البيئة المحلية، أو أن اللغة هي وطن بحجم العالم، وهي هوية بحجم الأحلام غير المحدودة أيضا، خارج الزمان والمكان، وإن حملت القصيدة أحزانا مغرقة في محليتها.
وأخيرا: الديمقراطية حلم عراقي مزمن.
أراك ترحل غاضباً، ولك الحق كله.
كنت ذلك الرجل الذي خاطبته بقصيدتك:
«رأيتُ رجلا يهيمُ بوجههِ في متاهة البراري حاجباً الشمسَ بكلتا يَديه عارياً ينتظر الليلَ يرفعُ رأسهُ عالياً فيطلقُ صرخةً موجوعةً بوجه السماء».