كامل الجادرجي... مواقف وذكريات

كامل الجادرجي... مواقف وذكريات

نصير الجادرجي
بداية انتفاضة 1952
في العام 1952 توسعت هوّة الخلاف بين البلاط الملكي والأحزاب السياسية التي طالبت منذ أيام وزارتي السيد (توفيق السويدي) الثالثة، والسيد (نوري السعيد) الحادية عشرة، بضرورة تعديل قانون الانتخابات، بجعله انتخاباً مباشراً من مرحلة واحدة، وشددت حملتها مطالبة بالتعديل بعد تأليف وزارة السيد (مصطفى العمري).

وبمبادرة من السيد (كامل الچادرچي) قدمت الأحزاب الوطنية مذكرات (بدأ العمل عليها منذ شهر تموز/يوليو)، وقد وُجهت بشكل مباشر الى الوصي على عرش العراق (الامير عبد الاله)”في سابقة غير مألوفة»، رغم اعتراض بعضهم كونه لم يكن مسؤولا في الدولة، ويعدَه القانون مُصاناً من المسائلة، غير أن السيد (كامل الچادرچي) أصر على توجيه تلك المذكرات الى الوصي على عرش العراق الأمير (عبد الاله) موجهاً إليه المسؤولية المباشرة عما يحصل في البلد من أوضاع سيئة، كان ذلك في 28 تشرين الاول/ أكتوبر من عام 1952.وفعلاً تم تقديم المذكرة الى (الوصي) ونالت تأييداً جماهيرياً كبيراً.
وحين تأكد للأحزاب السياسية المعارضة أن فكرة تعديل قانون الانتخاب بمرسوم يجعلها على درجة واحدة مع ضمانات حريتها بعيدة المنال، قررت في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1952 مقاطعتها للانتخابات الجديدة داعية الشعب الى العمل على احباطها، أدى ذلك الأمر الى عرض قدمه رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي على الوصي، يقضي باجتماعه بالساسة ورؤساء الاحزاب ليقف بنفسه على الاراء التي وردت في هذه المذاكرات.عقد هذا الاجتماع الذي جاء بطلب من الوصي (الأمير عبد الاله) في البلاط الملكي، في مساء يوم الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 1952 وكان برئاسته، وقد حضره كل من السادة:
توفيق السويدي ونوري السعيد وجميل المدفعي وعلي جودت الأيوبي وحكمت سليمان وطه الهاشمي (رئيس وزراء سابق ورئيس حزب الجبهة الشعبية المتحدة)، وأرشد العمري وصالح جبر ومحمد الصدر من رؤساء الوزارات السابقين.
إضافة إلى كامل الچادرچي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي، ومحمد مهدي كبة رئيس حزب الاستقلال، واحمد مختار بابان رئيس الديوان الملكي.. لكن الاجتماع انفض دون الخروج منه بنتيجة ايجابية.
مارواه لنا والدي عن تلك الجلسة العاصفة، قائلاً:
قبل بدء الاجتماع اتفق رؤساء الاحزاب الثلاثة: (طه الهاشمي ومحمد مهدي كبة وكامل الچادرچي)، بأن تكون مذكرتهم هي محور النقاش فيه.
وقد كانت بدايته ودية، قدم فيها كل من حضر رؤيته عن الاوضاع بهدوء واتزان، لكن السيد(توفيق السويدي) بدأ بطرح قضايا جانبية تخص الخدمات العامة والبلدية، فتصديت له مقاطعاً إياه (والكلام لوالدي)، طالباً من المجتمعين التركيز على المسائل السياسية الحساسة التي اجتمعوا من أجلها، وقد أيدني الوصي بذلك، ليعود الحديث عن ما اجتمعوا لأجله.بعد ذلك تحدث السيد (طه الهاشمي)، مشيراً بأن الوزارات جميعاً لم تتشكل إلا بتأثير مباشر من البلاط، وقد خص بالذكر (الوصي) موجها الاتهام له مباشرة، الأمر الذي أدى الى تأزم الوضع في الاجتماع وساد اللغط، حينها خرج الأمير عبد الاله من القاعة ثم عاد، وقد تكرر ذلك الأمر عدة مرات.
يضيف (والدي) قائلاً: أثناءها همست بإذن (محمد مهدي كبة) بخصوص توقعه عن تبعات ما سيسفر عنه اتهام الهاشمي للوصي (وما هو موقفه ان حدث تماس بينهما)، لكن الأخير لم يُجب بأي شيء.
عاد الوصي الى الاجتماع متشنجاً فرفع صوته بوجه الهاشمي أمام الحضور قائلاً بأن الأسرة الهاشمية المالكة قد ضحت الكثير لأجل العراق وقد تركت ديارها في الحجاز من أجل شعبه وهي فوق الشبهات.. خاتماً حديثه بالقول بصوت مرتفع وجهه للهاشمي:
أنت تكذب!... وقد كرر ذلك عدة مرات.
أجابه السيد (طه الهاشمي) بالحدة ذاتها، قائلاً بأنني شخص شريف ولا أكذب.
هم (الهاشمي) بالخروج من غرفة الاجتماع، لكن الأمير نهره قائلاً: اجلس لا اسمح لك بالخروج دعني أكمل كلامي... لكن الچادرچي قال له أمام الجميع.. اخرج.. وفعلا خرج من الاجتماع.
بعد ذلك ساد الصمت الجلسة وقام والدي من مجلسه ليخرج، وحين وصوله الى الباب (وتداركاً لحراجة الموقف) الذي وضع فيه الوصي، صرخ عليه بصوت عالٍ قائلاً: أنت أيضاً اخرج.. وكأنه يوحي للاخرين بأنه قد أمره وليس هو من خرج بملء ارادته في احتجاج منه على هذا السلوك.
لحظتها عاد والدي ووقف أمام (الوصي)، الذي كان لايزال يتخذ وضع الجلوس، وهم بسدارته التي كان يمسكها بيده اليمنى، مُحركاً إياها، وقال:
ليس أنت من تأمرني، فأنا الذي خرجت بملء ارادتي.. وخرج!.
انفض الاجتماع على هذا الوضع المتشنج، وبعد ذلك جرى اجتماع طارىء بمنزل السيد (حسين جميل) أحد قادة الحزب الوطني الديمقراطي، ومن هناك اتصل بي والدي في المنزل، وأوصاني بعدم الحديث لكل من يسأل عنه بأنه في ذلك الاجتماع لكي لايتم الكشف عن مكان وجوده.
بعد فترة اتصل بنا هاتفيا السيد (مصطفى العمري) رئيس الوزراء طالباً مني التحدث مع والدي لكني اعتذرت له قائلاً بأن الوالد غير موجود في المنزل وأجهل مكانه حالياً.
اتصلت بوالدي لأبلغه بهذا الاتصال فرد عَليّ بأنه سيعود الى المنزل مسرعاً، موصياً إياي بإستقبال العمري في حال مجيئه الى المنزل قبله، وفعلا دخل الاثنان الى منزلنا سوية.
في تلك الجلسة تحدث والدي مع العمري عن خطورة الوضع في العراق، فعبر العمري عن مخاوفه من حصول (فرهود) قد يشمل الجميع، وحينئذ لن يفرق المهاجمون (منزلي عن منزلك!!).
أجابه والدي مازحاً وقال: أشكرك كثيراً على هذه الملاحظة كونك ذكرتني بأن أكتب على باب منزلي (كامل الچادرچي) ليفرق المهاجمون بين منزلي و منزلك!.
في ختام الجلسة نصح والدي العمري بالاستقالة لأن الوضع متأزم وقد يفوق المتوقع.
قدم مصطفى العمري استقالته بعد يومين من المظاهرة الاولى التي جرت يوم الخميس، فترك منصبه (يوم السبت الموافق 21/11/1952 حسبما أتذكر) بعد حادثة إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في منطقة الفضل.

محاكمة والدي وحبسه
بعد أيام قلائل من الافراج عني كان العدوان الثلاثي على مصر قد انتهى وتمت تسوية المسألة دولياً، وصل الوالد الى المنزل قادماً من مصر التي شهد أحداثها بالتفصيل لأنه كان في قلب الحدث.
كان قد روى لنا ما جرى من أحداث وتفاصيل لقائه بالقيادة المصرية وعلى رأسها الرئيس (جمال عبد الناصر) وزيارته قبل العدوان بأيام قلائل الى قناة السويس ونقلهم من قبل المصريين الى مقر إقامة آمن، خوفاً على حياتهم من استهداف طائرات الحلف الثلاثي.بعد يومين من وصوله صدر أمر القاء القبض عليه بتاريخ 29/11/1956، حيث وصلت الى منزلنا بعد منتصف الليل. قوة من الشرطة. قمت بمرافقته وهم يقتادونه، فقاموا بإيداعه في (مركز شرطة جسر الخر) (بالقرب من ساحة النسور حالياً).
في أثناء دخولي الى المركز، طلب مني والدي جلب جهاز (الراديو) له مع بعض الحاجيات، فعدت الى البيت لتلبية طلبه، وبعد ذلك وصل الى المركز السيد (فائق السامرائي) (القيادي في حزب الاستقلال) مقتاداً من الشرطة، فطلب مني أن اجلب له من منزله الواقع في شارع طه، عباءة لتقيه من البرد.كان الوقت حينها يشير الى الواحدة بعد منتصف الليل، فذهبت بسيارتي الى منزل السامرائي وطلبت من ذويه تزويدي بأغراضه، وبعد ان اعطوني اياها عدت الى المركز وسلمته ماطلب.
وصلت الى المركز مرة أخرى حاملا الأغراض لأصادف مجيء الشرطة مقتادين القيادي في حزب الاستقلال السيد (صديق شنشل) الذي ما أن شاهدني حتى طلب مني الذهاب الى منزلهم بالاعظمية لجلب أغراض له الى المعتقل، فذهبت مرة أخرى على الفور تلبية لطلبه.
ثم عدت الى المركز لتسليم أغراض السيد (صديق شنشل)، فشاهدت رئيس غرفة تجارة بغداد الشخصية المعروفة السيد (جعفر الشبيبي) مقبوضاً عليه بسبب مساهمته بإضراب الأسواق رداً على العدوان الثلاثي على مصر.
وعلى ذلك الحال استمر ذهابي وإيابي من والى مركز الشرطة حتى فجر ذلك اليوم.
كنت من خلال زيارات الأهل والاصدقاء المستمرة لي أتابع أخبار الوالد وظروف اعتقاله، وعلمت بأنه ورفاقه قد تم نقلهم من مركز شرطة الخر، الى مدارس الشرطة في الباب الشرقي (وزارة الصناعة الحالية) تمهيداً لمحاكمتهم. كان قد تسرب الخبر الى الاعلام العربي حينها، وكنَا نستمع من خلال الاذاعات العربية، وبالأخص (صوت العرب)، نداءات تطالب بالأعلان عن اضراب عام، يعم كل الدول العربية احتجاجاً على محاكمة الشخصية الوطنية العراقية (كامل الچادرچي) ورفاقه.
بعد أن تمت محاكمتهم من قبل الحاكم العسكري الذي حاكمني نفسه، ليحكم عليه بالحبس لمدة ثلاث سنوات، بتهمة إرساله برقية احتجاجية من مصر يتهم فيها الحكومة العراقية بتصدير النفط الى اسرائيل، وكانت موقعة من كبار الشخصيات الوطنية العربية (أعضاء لجنة الاتصال الشعبي) وهم:
معروف الدواليبي”رئيس وزراء سوريا السابق»، وأكرم الحوراني، وصلاح البيطار، والمحامي الاردني شفيق رشيدات”الأمين العام لاتحاد المحامين العرب»، والسيد محمد فؤاد جلال نائب رئيس المجلس النيابي المصري، والنائب الاردني عبد الله الريماوي”الذي أصبح فيما بعد وزيراً لخارجية بلاده»، والسيد حميد فرنجية”مرشح رئاسة الجمهورية اللبنانية».
من غرفتنا في معتقل السعدية، استمعت مساءً الى قرار الحكم عبر الراديو من خلال اذاعة (صوت العرب) المصرية وصادف ذلك اليوم (19/12/1956)، وأثار استهجاننا جميعا، وقد تابعنا موقف الاعلام العربي عبر الاذاعات العربية التي أبدت استنكارها لهذا الحكم.
تم ايداع والدي في سجن بغداد المركزي في الباب المعظم (سجن الموقف)”وزارة الصحة حالياً»، وكان فيه جناح خاص للمعتقلين الشيوعيين، مع جناح آخر للمتهمين بجنح أخرى، وقد كان مكوناً من ست غرف، أفرغت جميعها ليقيم فيها والدي لوحده (لأجل عزله عن المساجين الاخرين)، ثم تم ترتيبها من قبله مع تخصيص أحد المساجين من قبل مدير السجن لمساعدته.

تهنئة بسلامة عبد الكريم قاسم
في أوائل شهر تشرين الأول/ اكتوبر من عام 1959 تعرض الزعيم عبد الكريم قاسم الى محاولة اغتيال نفذتها عناصر بعثية أثناء مرور سيارته في منطقة رأس القرية في شارع الرشيد كان قد نجا منها رغم اصابته بعدة رصاصات اخترقت جسده.
كنت حينها في زيارة للمحامي (عبد الرحمن الصفار) في مكتبه الواقع في شارع المتنبي. كان أثناء إجرائه لإتصال هاتفي مع أحد معارفه قد بدا الارتباك على صوت (المُتصل) وأبلغ الصفار بأنه يستمع لأصوات رصاص تدوي بالقرب منه في شارع الرشيد، وأغلق الهاتف دون أن يعطي أية تفاصيل.
بعدها بدقائق وصلنا خبر ما تعرض له الزعيم، فخرجت من مكتب الصفار متوجهاً إلى مكان الحادث، لاشاهد العربات العسكرية تحيط بمكان الحادث. فوجدت زجاج السيارة محطما وبقايا الرصاص متناثرة من كل جانب.. وحينئذ خرج الناس بتظاهرات صاخبة عمت المكان هاتفين بحياة الزعيم شاجبين المحاولة ومن قام بها.
قدّرت حينها بأن عناصر حزب البعث هم من قاموا بتلك العملية.. وحال وصولي للمنزل سألني والدي عما اذا كان ما يُشاع عن استهداف الزعيم حقيقة، فأكدت له الأمر ولم أكد أروي له ما شاهدت حتى أعلنت إذاعة بغداد خبر العملية، معلنة بأن الزعيم يرقد”الان”في المستشفى بصحة جيدة.
جلست مع والدي نستمع عبر المذياع الى برقيات التهاني بسلامة الزعيم، وهي تعبر عن التأييد والولاء له، وقد كانت جلها قادمة من (أفراد الجيش) من القادة.
قطعت لحظات صمت الاستماع التي سادت الغرفة، لأقترح على والدي أن يقوم بإرسال برقية تهنئة بسلامة الزعيم.
فوجىء بما سمع مني، وبعد لحظات صمت وتأمل طلب مني التريث.. لكنني أصررت على مقترحي، قائلاً له بأنه أمر سيكون ذا وقع معنوي كبير لو حصل.
رد علي قائلاً: سأرسلها..... لكن يوم غد!.
قلت له:
وقعها سيكون أشد لو أرسلتها الان.. أما غداً فلا داعٍ لها، مبدياً إصراري على تنفيذه للفكرة.
بنبرة هادئة طلب مني الخروج من الغرفة، (لم يكن طرداً بقدر ماكان إبداءً لإنزعاجه تجاه إلحاحي على أمر لايرغب بتنفيذه).
لم يكن قد مضى وقت طويل على خروجي من الغرفة حتى ناداني للمجيء اليه مرة أخرى..
ناولني برقية كان قد كتبها بخط يده، طالباً مني إبداء رأيي بفحواها..
قرأتها سريعاً فعبرت له عن إعجابي بمحتواها في هذا الوقت الحرج، فقال لي.. سأرسلها غداً.
قلت له: لافائدة من إرسالها بالغد!.
فقال: كيف إذا نرسلها في هذا الوقت المتأزم؟.
أجبته قائلاً: من خلالي!.
عبّر عن دهشته بما سمع مني، فقال بأن (الدنيا مقلوبة رأسا على عقب الان) وتريد أن تخرج لإرسال البرقية.. أعرف إنك (مجنون)، لكن ليس الى هذا الحد.. وفي هذا الوقت بالتحديد!.
شعرت حينها بأن الوقت يضيع في النقاش والمداولة، فاقترحت عليه الاتصال بالإذاعة وقراءة البرقية عليهم.. فوافق على العرض، لكن (على مضض)!.
حاولت مراراً الاتصال بالاذاعة لكن دون جدوى، حيث كان هاتفهم مشغولاً على الدوام.. وكان يجلس قبالتي يراقب ما أفعل دون أن يقول شيئاً.
لم أكف عن محاولاتي، فقد كنت أعرف رقم هاتف (بدالة الغرب)، وعند اتصالي بهم قدمت لهم نفسي بأنني (كامل الچادرچي) ما أثار دهشة والدي حيث بدت على ملامحه علامات الذهول والانزعاج على هذه”الوقاحة”مني!.
أبدى موظف البدالة ترحيباً كبيراً بمتحدثه (كامل الچادرچي)، وأبلغني بأنهم قطعوا كافة الاتصالات بالاذاعة وخصصوها للجيش فقط، لكنه سيقطع جميع المكالمات ويوصل (مكالمتي للاذاعة)..
بعد لحظات انتظار اوصلني بالاذاعة حيث قدمت نفسي لمن تحدث معي على أنني (كامل الچادرچي).
بعد إبدائه لعظيم الترحيب قال: سأعطيك مدير الاذاعة لتتحدث معه. ولم تمضي من الوقت عدة ثوانٍ حتى تحدث معي شخص بصوت بدت عليه الحماسة قدم نفسه بأنه (ذنون أيوب)، فأخبرته بأنني (نصير الچادرچي)، وبعد تبادل التحايا بيننا ناولت سماعة الهاتف للوالد للتحدث معه.
بعد ترحيب شديد به، قرأ الوالد البرقية لمدير الاذاعة، ولم تمضِ دقائق على إنهاء المكالمة حتى أعلنت الاذاعة باسترعائها لانتباه المستمعين بأن برقية هامة ستذاع بعد قليل.. وبعد دقيقتين أعيد الاعلان من جديد.
بعد ذلك اذيعت البرقية التي عنونها المذيع (من كامل الچادرچي الى الزعيم عبد الكريم قاسم) وتم تكرارها لأكثر من مرتين.

في المستشفى
عند رقود الزعيم عبد الكريم قاسم في المستشفى، كانت الوفود تتوالى عليه، وبعد مضي ما يقارب العشرة أيام على اصابته اقترحت على الوالد زيارته في المستشفى.
بدا غير متحمس لهذا الأمر، ولم ألح عليه للقيام بتلك الخطوة مثلما فعلت بموضوع البرقية.
لكنه في اليوم التالي أخبرني عن اعتزامه الزيارة.
ذهبت برفقته الى مستشفى (دار السلام) في ساحة الاندلس التي كان يرقد فيها الزعيم، وفي الطابق الثاني شاهدنا عدداً من الوزراء مجتمعين ينتظرون اللقاء به. كان من بينهم السادة: (وزير الدولة فؤاد عارف ومصطفى علي وزير العدل والدكتور محمد الشواف وزير الصحة) وبعض قادة الجيش.
ولم تكن دقيقة قد مضت على جلوسنا معهم، حتى خرج الينا مرافقه طالبا مِنا الدخول عليه لوحدنا في غرفته دوناً عن البقية.
حال دخولنا رأيناه راقدا بالفراش، فبادرناه بعبارات التهنئة بسلامته ونجاته من الحادث، فوجه كلامه الى والدي قائلاً:
هل شاهدت يا استاذ كامل كيف اعتدوا على الشعب العراقي والديمقراطية في البلد، باعتدائهم عَلَيّ.. ثم استرسل بكلامه عن تفاصيل المحاولة وكيفية نجاته منها.
عبّر له والدي عن تمنياته بالسلامة وعودته الى ممارسة مهامه من جديد..

عن كتاب (مذكرات نصير الجادرجي،
المدى 2017)