50 عاما على وفاة توفيق السويدي.. حياة سياسية عاصفة.. ومحاكمة طريفة.. ودار جميلة

50 عاما على وفاة توفيق السويدي.. حياة سياسية عاصفة.. ومحاكمة طريفة.. ودار جميلة

اعداد : رفعة عبد الرزاق محمد
ولد توفيق السويدي في بغداد سنة 1892 وترجع أصوله إلى عشيرة البو مدلل من عشائر الدور ويرجع نسب هذه العشيرة إلى جدهم الأكبر العباس عم الرسول (صلى الله عليه وسلم). رحل جده من الدور إلى بغداد، وتتلقب عائلته بالسويدي نسبة إلى جده الأكبر عبد الله السويدي نسبة إلى خال عبد الله السويدي أحمد السويد ووثق نسب عبد الله السويدي أمام القاضي في بغداد والمفتي الشيخ عبد الرحمن الرحبي سنة 1567 م.

تولى السويدي مناصب رفيعة ومنها رئاسة الوزراء لثلاث مرات و مناصب حكومية أخرى عندما لم يكن رئيساً لوزراء كمناصب وزير التعليم ووزير الخارجية حيث شغل منصب وزير الخارجية في حكومةالاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن في عام 1958 علماً بأن الاتحاد الهاشمي دام لأشهر قليلة حيث أطاح عبد الكريم قاسم بالحكومة الملكية بالعراق عام 1958.

في محكمة الشعب
في تشرين الاول من عام 1958 احيل السويدي الى المحكمة العسكرية العليا الخاصة (محكمة الشعب) التي ترأسها العقيد فاضل عباس المهداوي، والتي شكلتها قيادة ثورة 14 تموز. في الجلسة (40) في 1958/10/29 قرأ المدعي العام اتهامه ضد السويدي، قائلا انه شكل وزارته الثالثة التي سنت قانون اسقاط الجنسية الذي ساعد اليهود على الخروج من العراق الى اسرائيل وتهريب اموالهم لدعم الكيان الصهيوني بالمال والنفوس، موضحا امام المحكمة ان المتهم واعوانه كانوا يستوفونه عشرة دنانير عن كل يهودي، وقد انكر السويدي ذلك. على اعتبار ان اليهود العراقيين كانوا يسيطرون على معظم اقتصاديات العراق وثرواته. والغريب ان المهداوي لم يثر اسئلة كثيرة ودقيقة مع توفيق السويدي المتهم بولائه في هذه القضية الخطيرة،مكتفيا بسؤاله عن دوره في المؤامرة ضد سوريا، حيث أشار السويدي امام المهداوي انه استطاع بهذا القانون ان يتخلص من مشكلة اليهود في العراق لان اليهود - كما زعم، كانوا يسيطرون على اقتصاد العراق وتجارته!! شغل السويدي مناصب حكومية أخرى عندما لم يكن رئيساً لوزراء، كمناصب وزير التعليم ووزير الخارجية حيث شغل منصب وزير الخارجية في حكومة الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن الذي لم يدم اكثر من بضعة شهور قبل قيام ثورة 14 تموز 1958، وسجن توفيق السويدي بعد الإطاحة بالملكية في العراق، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، لكنه أعفي عنه عام 1961، وأنزوى بعدها نحو عام في منزله، ثم غادر العراق وعاش في لبنان ليبدا بتدوين مذكراته إلى أن توفى هناك عام 1968، ونقل الى مدفن اسرته في بغداد.
من اجمل الدور التراثية التي تزدان بها بغداد واكثرها اهمية معمارية وتاريخية، دار توفيق السويدي في شارع حيفا التي يشغلها اليوم المركز الوطني للوثائق.
مصمم الدارالمهندس نعمان منيب المتولي واسمه مركب، وهو ابن مصطفى افندي متولي جامع الامام الاعظم، وفي العهد العثماني نفي والده بعد شجار مع والي بغداد،
وقيل ان مصطفى افندي ضرب الوالي على رأسه بالارجيلة وشجه، فابعد الى الاستانة تقديرا لمكانة اسرته، وتزوج من تركية ومن اولادها نعمان منيب. وبعد انقضاء العهد التركي عاد الى العراق ونعمان في سن الثامنة عشر بعد ان اكمل الابتدائية والثانوية في الاستانة، ولما عاد الى بغداد عرف بثقافته الرفيعة وشغفه بفنون الموسيقى والرسم والخط. وفي عهد الاحتلال البريطاني عمل في احدى الهيئات الهندسية كرسام، فبرزت موهبته وقابلياته، وادخل دورات هندسية، فاصبح من رواد المهندسيين العراقيين.
كان له الفضل في تعريف المعماريين الانكليز على جمال الطابوق العراقي وصناعته، وعمل فيما بعد مهندسا في مديرية الاشغال في المنطقة الوسطى ثم امانة العاصمة، كما كان موضع اعتماد ارشد العمري ومحمود صبحي الدفتري لما اصبحا امينين للعاصمة. ومن اعمال نعمان منيب المعمارية تصميمه دار توفيق السويدي ودار ناجي الخضيري في الاعظمية ودار سلمان الشيخ احمد الداود في شارع ابي نواس، كما صمم سينما الزوراء التحفة المعمارية في شارع الرشيد، وسوق الامانة وفندق الامير وبناية جمعية الطيران العراقية التي تنسب اليها ساحة الطيران ببغداد. وقد توفاه الله سنة 1961.
من الدور التي تقررالحفاظ عليها في شارع حيفا دور ال السويدي، دار الدكتور توفيق محمود ودار عبد الهادي الظاهر ودار عبد الرزاق الظاهر ودار مارنكوز وكنا نسميه البيت الالماني لتميز عمارته ومشابهتها لدور الريف في بافاريا، ويقال ان الالماني هذا كان مهندسا في ممشروع قطار بغداد برلين وقد اصبح مكتبة عامة في الثمانينيات، وبجواره دار المهندس المعماري فهمي دولت، وهو من اوائل المهندسين العراقيين. كما اذكر من الدور الباقية في المنطقة نفسها دار سعدون الشاوي المطلة على دجلة، وهو من اجمل الدور الشرقية الباقية، وقد اتخذت مقرا لمعهد الموسيقى العربية. وقد سمعت من اهالي المحلة (الكريمات) ان الدار بناها اولا الثري اليهودي حسقيل شنطوب ثم اشتراها المرحوم سعدون الشاوي والد الصديقين احسان ووميض.
من اشهر اعمال نعمان منيب المتولي، تصميمه دار توفيق السويدي في الكرخ (شارع صلاح الدين او حيفا فيما بعد)، ونفذ عملية البناء احد اسطوات البناء المشهورين ببغداد، الاسطه الماز.يعد تصميم دار توفيق السويدي التي انشأت عام 1931، اعتمادا على ما خط اعلى واجهة الدار (1931 (اشارة لاسم توفيق السويدي، من التصاميم المستوردة للعراق، وهي المتأثرة كثيرا باتجاهات العمارة الاوربية الكلاسيكية، وهنا نذكر المعماري السوري بدري قدح الذي كان ايضا من هذا الاتجاه في اعماله ببغداد كدار كامل الجادرجي في الوزيرية ودار محمد حديد في السعدون.
لنتذكر جيل الاسطوات البغداديين الذين قدموا لفن العمارة والبناء في العراق خدمات جليلة وتتناثر اعمالهم الباقية هنا وهناك.. امثال الاسطة ابراهيم العبطة واسطة حمودي واسطة الماز الذي نفذ دار توفيق السويدي وداري اخويه عارف السويدي رئيس محكمة التمييز في العهد الملكي والدكتور شاكر السويدي الطبيب الرائد، وقد اصبحت داره مكتبة الكرخ العامة في اواخر الستينيات الى سنة 1981، سنة البدء باعمال تطوير شارع حيفا.
سكن توفيق السويدي هذه الدار عام 1932 وبقيت داره الى وفاته في بيروت في 15 تشرين الاول 1968. وفي صبيحة يوم الثورة في 14 تموز 1958 دوهم بيت السويدي بحثا عنه وعبث المداهمون بما في البيت ومنها مكتبته التي تعد من المكتبات الكبيرة ولاسيما بكتب القانون، اذ ان السويدي من اوائل رجال القضاء في العراق وقد تخرج في جامعة السوربون، وهو من اوائل الممدرسين في مدرسة الحقوق ببغداد التي تحولت فيما بعد الى كلية الحقوق. ومن كتبه القانونية التي كانت تدرس في معاهد الحقوق العربية كتابه (حقوق روما) وترجمته لكتاب (مباديء الاقتصاد السياسي) لشارل جيد وكلاهما طبع عام 1923. اقول عبث المداهمون بمكتبة توفيق السويدي وصادروا اوراقها ومنها وصية المرحوم عبد المحسن السعدون الشهيرة التي ااختفت الى يومنا، فقد كانت مودعة لدى توفيق السويدي، والمعروف ان لاسرة السويدي صلة عائلية بال السعدون الكرام،فتوفيق السويدي زوج السيدة فخرية ابنة عبد الكريم الفهد السعدون شقيق عبد المحسن السعدون، رئيس الوزراء المنتحر سنة 1929. وقد توفيت السيدة فخرية عام 1984، كما ان المرحوم ناجي السويدي الشقيق الاكبر لتوفيق ورئيس الوزراء متزوج من السيدة نبيهة ابراهيم شقيقة زوجة عبد الكريم السعدون.
ترك توفيق السويدي العراق بعد اطلاق سراحه سنة 1961 وقد ترك للاجيال التالية شيئين مهمين : داره الجميلة التي تحدثنا عنها ومذكراته المطبوعة باسم (مذكراتي في خدمة القضية العربية) وهي من اهم كتب المذكرات العربية صدرت ببيروت سنة 1969 بعناية الصحفي قدري الكيلاني، فضلا عن كتابه (وجوه عراقية) المطبوع بعناية الاستاذ نجدة فتحي صفوة.
توفي السويدي في بيروت يوم 15 تشرين الاول 1958 ونقل جثمانه الى بغداد، واتذكر في فتوتي كيف نقل الجثمان من مطار بغداد الى دار السويدي، ثم شيع بضع امتار في شارع صلاح الدين، وحمل بعدها بسيارة مكشوفة وقد وقف كبير الاسرة التي كانت تقوم بخدمة ال السويدي منذ ايام السيد يوسف السويدي اول رئيس لمجلس الاعيان، وهي اسرة افريقية الاصل، على الجنازة في السيارة الى ان وصلت الى مقبرة الشيخ معروف فالقيت الكلمات والقصائد التأبينية، ودفن في مقبرة الاسرة التي تولت اوقاف جامع وومرقد الكرخي منذ القدم. اما داره فقد بقيت مهجورة لسنوات، ثم شغلتها الجمعية التعاونية لوزارة التربية، واصبحت حديقتها الامامية محال تجارية، كما اصبجت حديقتها الخلفية الواسعة ابنية مختلفة، حتى سنة 1981، سنة البدء بتطوير شارع حيفا. وفي عام 1988 انتقلت اليها مكتبة المخطوطات في المتحف العراقي باسم دار (....) للمخطوطات، ثم المركز الوطني للمخطوطات ولم يزل.