غالي شكري يكشف أقنعة الإرهاب ويبحث عن علمانية جديدة

غالي شكري يكشف أقنعة الإرهاب ويبحث عن علمانية جديدة

عرض: المدى
"ليس من شك في أن العرب جميعاً لديهم رصيد ضخم من الإرهاب، سواء اكانوا في الحكم أم المعارضة".. عبارة تلخص فكر الدكتور غالي شكري الثاقب وبعد نظره في تحليله لظاهرة الإرهاب، والكشف عن جذوره والبيئات الخصبة التي ينمو في ظلها، وهي عبارة أوردها في كتابه"أقنعة الإرهاب"..

البحث عن علمانية جديدة"الصادر عن دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع بالقاهرة في مئتين وسبع وثمانين صفحة من القطع المتوسط، والذي قسمه المؤلف إلى ثلاثة أقسام بالإضافة للمقدمة والمدخل والخاتمة، وفيه يعتمد على رصد وتقييم العينة النموذجية للإشكاليات المثارة كتطبيق الشريعة والعلمانية والتطبيع مع إسرائيل وقيام أحزاب دينية، وجدير بالذكر أن الكتاب يستمد أهميته القصوى في ظل الظروف العالمية والإقليمية التي تعاني من تنامي الإرهاب وتعاظمه.

أقنعة الإرهاب
اهتم الدكتور غالي شكري في هذا الكتاب بمناقشة آراء وأفكار العديد من المفكرين وأصحاب الرؤى المختلفة، أمثال الدكتور كمال أبو المجد، وطارق البشري وفهمي هويدي والدكتور لويس عوض وفرج فودة وسيد قطب وحسن البنا وغيرهم ؛ حيث قام بتحليل الأطر المرجعية للسلفية المعاصرة من خلال تلك الآراء، بالإضافة لتقويم العناصر التاريخية والثقافية التي شكلت دائرة العنف المغلقة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، والتي شهدت أحداثاً غيرت كثيراً من ملامح الحياة مثل الثورة النفطية والانفتاح الاقتصادي وكامب ديفيد والحرب الأهلية في لبنان، وحرب الخليج وصولاً لأحداثنا الحالية، والتي يرى المؤلف أنها تسببت في تعدد أقنعة الإرهاب الطائفي والعنصري، وفي تهديد المنطقة العربية بالتحول إلى دويلات عرقية ومذهبية، وهو التحول الذي يقيم حزاماً أمنياً لإسرائيل وامتداداً استراتيجياً لإيران على حد قوله.

العلمانية
وعبر الصفحات بحث الكاتب عن علمانية جديدة، يمكن أن تحتوي وتستوعب ما يحدث على الساحة العربية، حيث وضح أن العالم العربي الحديث لم يعرف العلمانية كجزء من مشروع حضاري أشمل، وإنما عرفها حيناً كثقافة عقلانية تنويرية أو كمجموعة من القوانين المنقولة عن الغرب، ويصل المؤلف في تحليله إلى أن نشأة معادلة النهضة العربية الحديثة، هي نشأة عربية الثقافة ولكنها قطرية المجتمع في ظل الاحتلال أو التبعية غير المباشرة، وهي معادلة تقوم على الجمع بين الإسلام والغرب، في توفيق براجماتي يحقق النفع للبرجوازيات الممسوخة والاحتكارات الأجنبية في وقت واحد، ونتيجة لذلك كانت العلمانية في أغلب الوقت مجموعة من النصوص القانونية أو الهياكل الدستورية دون مضمون علماني حقيقي يرتبط أساساً بمشروع للديمقراطية الاجتماعية والسياسية والثقافية، مشيراً إلى أن التداخل المعقد بين قوانين الشريعة والقوانين الوضعية، أوهم البعض بأننا دول علمانية، بينما أوحى للبعض الآخر بأننا دول ثيوقراطية، ومن ثم ـ وفقاً لتحليل المؤلف ـ فإننا نكون أمام كيان هلامي مشوه ؛ لأن برجوازياتنا العربية كلها لم تعرف ثورة الوحدة القومية ولا الثورة الوطنية الديمقراطية.

التجربة الناصرية
وفي الكتاب أشار المؤلف إلى أنه كان من الممكن أن تتحقق ثورة الوحدة القومية تلك، في ظل التجربة الناصرية ؛ حيث كان الأمل هو إبداع تركيب نوعي جديد لثورة ثقافية شاملة، من عناصر الهوية القومية والحضارة الإنسانية، وليس الغرب وحده، ولكن تراكمات سقوط النهضة الناصرية حالت دون اكتمال التجربة بسبب نكسة 1967 التي دمرت الأحلام والآمال، فأخفقت الناصرية والنظام العربي المعاصر في تحقيق الثورة الثقافية الشاملة ؛ لأن أهم متطلباتها الاعتراف بالتعدد والتنوع في الأصول البيئية والعرقية والمذهبية، ومن ثم الوصول للديمقراطية التي تعد العلمانية أحد بنودها الأساسية، وهو ما لم يتحقق في التجربة الناصرية ؛ حيث حكم الديكتاتورية الفردية، وما وقع من تفريق وتمزيق إنما يعود ـ في رأي الكاتب ـ إلى النشأة الممسوخة والمشوهة لبرجوازياتنا غير القومية، ومن ثم يرى المؤلف، أن سبب الفشل في تحقيق الثورة الثقافية الشاملة هو انتهاء معادلة التوفيق بين التراث والعصر، أو بين الإسلام والغرب ؛ فالهزيمة لم تكن لنظام ناصر فقط، بل لرؤية وطبقة اجتماعية بأكملها.

السلفية والعلمانية

و يمضي بنا المؤلف في الحديث عن علاقة العرب بالدين والسياسة، وصراع السلفية والعلمانية على السلطة مستعيناً ومستشهداً بآراء وشهادات كبار المفكرين والكتاب المعاصرين ممن كتبوا عن الدين والسياسة والفكر العلماني، حيث ينتهي إلى أن أحد وجوه الأزمة أن السلفيات الجديدة تعبر عن مشكلة ولا تقدم لها حلاً حتى أصبحت هي نفسها جزءاً من المشكلة، ومن ثم ـ وبحسب وجهة نظر الكاتب ـ فإنه لا مفر للعلمانية في هذه الحال من أن تكون همزة الوصل الرئيسية بين الذات القومية والعالم، وأن البحث عن علمانية جديدة للعالم الثالث عموماً والوطن العربي خصوصاً يبدأ من الوعي القومي لعالمنا المعاصر وعياً نقدياً وشريكاً في صنع المستقبل البشري.
إرهاب التطبيع
وتحت هذا العنوان يكشف الدكتور غالي شكري عن تفاصيل مهمة تمتد آثارها وترتبط بما يحدث اليوم في عالمنا العربي، بسبب النعرة الطائفية أو العنصرية، وذلك من خلال مناقشته لمفاهيم العروبة في الفكر المعاصر، والبحث عن هوية، والتعرض لمسألة الأحزاب الدينية، ثم ينتقل بنا للحديث عن تطبيع الإرهاب وإرهاب التطبيع، مشيراً إلى أن التطبيع ليس مقصوراً على مصر وحدها، بل تتسرب الكلمة الإسرائيلية والسلعة الإسرائيلية إلى البلاد العربية دون أن يتكلم أحد عن ذلك، موضحاً ان التطبيع ظاهرة لا يمكن تجاهلها وليست جامدة، بل حية، تؤثر وتتأثر وتتفاعل مع غيرها من الظواهر والمتغيرات المحلية والإقليمية، كما تتفاعل مع الموقف الاقتصادي الضاغط والمشهد الاجتماعي المتوتر في صمت في عالمنا العربي.

إبداع وقمع
وفي القسم الأخير من الكتاب، تناول المؤلف ما أطلق عليه"محاكم التفتيش"للمبدعين والمثقفين، متوقفاً عند بعض حالات مطاردة الإبداع والمبدعين، والتي أسماها وأطلق عليها"قمع الإبداع"مستعرضاً هنا أيضاً آراء كبار الكتاب والمفكرين الذين كتبوا عن الإرهاب الفكري مثل صلاح منتصر وسلامة أحمد سلامة والدكتور يوسف إدريس ورجاء النقاش، منتهياً إلى أن أغلبهم ينطلقون من رؤية ثقافية اجتماعية بدرجات متفاوتة تركز جميعها على الغرب وموقفه من العرب والمسلمين، ثم يعرض إلى أنماط فكرية أخرى لنجيب محفوظ وأنيس منصور وغيرهما بالتركيز على تناولهم جميعاً لقضية"آيات شيطانية"لـ"سلمان رشدي مقارناً إياها بقضية"أولاد حارتنا"لـ"نجيب محفوظ"وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى ظاهرة"مصادرة الإبداع"حيث يرى أن مثل هذه الظاهرة لا يهتم بها سوى الرأي العام المثقف، أما الغالبية العظمى من القراء فإنهم لا يتبعون الحماس الراديكالي في طلب المصادرة لأحد الكتب، ويفضلون الهامش الديمقراطي الذي يسمح بالآراء والأفكار المتناقضة أن تعبر عن نفسها بحرية، وينتهي المؤلف إلى أن الردة السلفية لا تشكل بحد ذاتها المناخ الإرهابي، ولكنها تنجح غالباً في استغلال الخلل الاجتماعي الفادح والإحباطات التي تطارد الناس في حياتهم اليومية، والمعاناة الهائلة التي تحطم أعصاب المواطنين، ومن هذه الثغرات ينفذ الإرهاب، وهنا يؤكد المؤلف أن السلفية الراديكالية ستبقى بقاء العنصرية النفطية والوحدة الانفصالية، ولكن في نفس الوقت، فإن قوة تغيير العقلاني العلماني الديمقراطي، باقية هي الأخرى بقاء المشروع والحلم الحضاري الذي ننتسب به إلى الإنسانية المعاصرة، ونشارك من داخله في بناء المستقبل البشري، وهذا هو الصراع الذي يتوقع الكاتب أن يستمر للأبد.
عن جريدة الأهرام