الأديبة العراقية الرائدة ديزي الأمير  ترحل بعيداً عن بلادها

الأديبة العراقية الرائدة ديزي الأمير ترحل بعيداً عن بلادها

علي عبد الأمير
تكاد سيرة القاصة والكاتبة العراقية الرائدة ديزي الأمير التي رحلت في مدينة هيوستن الأميركية قبل أيام عن 83 عاماً، تتضمن جوانب مهمة من سيرة الحداثة العراقية ثقافياً واجتماعياً، فهي تلقت دراستها الابتدائية في مدرسة البتاويين ببغداد والإعدادية والثانوية في المدرسة المركزية للبنات، ثم دخلت دار المعلمين العالية في جامعة بغداد، فنالت منها بكالوريوس اللغة العربية وآدابها عام 1955، كما نالت الدبلوم في اللغة الإنكليزية من جامعة كمبردج البريطانية العريقة.

مسارها هذا، كان انعكاسا طبيعيا لمسار دولة كانت تسعى نحو الحداثة، بعد أن اسقطت الأسوار امام تعليم البنات وتحريرهن، بل في دفعهن للعمل في المؤسسات الحكومية والعامة، فعلمت بعد تخرجها في التعليم الثانوي، فدرّست عشر سنوات في إحدى المدارس الإعدادية للبنات، ثم في دار المعلمات، بالبصرة. وتحولت لاحقاً إلى المؤسسة الدبلوماسية العراقية، فعملت سكرتيرة للسفير العراقي في بيروت من عام 1964 حتى عام 1969 ثم معاونة للمستشار الصحفي، فمديرة للمركز الثقافي العراقي في بيروت.
وما إن تعرض مسار الحداثة العراقية للتعثر تارة والتوقف تارة أخرى بدءاً من ستينيات القرن الماضي، تعرضت ديزي الأمير المولودة عام 1935 لأب عراقي هو الطبيب ميرزا الأمير، وأمّ لبنانية هي وداد تبشراني، إلى عثرات نفسية واجتماعية، فقد تبددت أحلامها بنهاية سعيدة لقصة حب جمعتها مع الشاعر اللبناني خليل حاوي (انتحر 1982)، ثم فشل زواجها من الأديب حبيب صادق رئيس المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، فهي لم تجد غير الضغوط والألم، بل التهديد والخطر الجدي كما في عيشها ببيروت طوال سنوات الحرب اللبنانية.
تقول الشاعرة والناشطة العراقية في مجال الحريات والعمل الإنساني، أمل الجبوري، إن الراحلة الأمير، كانت مثالاً رفيعاً على حيوية ثقافية واجتماعية للمرأة العراقية، بعيداً عن كل ألوان التعصب والتشدد والهويات الفرعية القاتلة فقلة قليلة تعرف إن ديزي الأمير هي مسيحية من البصرة.
وأوضحت الجبوري في حديث إلى موقع"إرفع صوتك"إن صاحبة كتاب"في دوامة الحب والكراهية"نالت مكانةً مميزة عبر سيرة من العمل الثقافي والإنساني الرفيع عراقياً وعربياً، و"هو ما دفعني إلى تنظيم حفل تكريم لها ببيروت عام 2009 حين كنت أتولى إدارة مركز"ديوان- حوار الشرق والغرب»، وفيه كشفت الأمير عن إحساس بالحزن والمرارة فقد باحت بمشاعر الألم نتيجة النسيان والإهمال الذي قوبلت به من المؤسسات الرسمية العراقية، رغم خدمتها الطويلة للبلاد».
تستدرك الجبوري"لا غريب أن يموت المبدع العراقي غريباً ومنسياً فقد سبق ديزي الأمير كثيرون، وسيكون هناك غيرها كثيرون أيضا».
وإذا كانت أول مجموعة قصصية للراحلة ديزي الأمير حملت عنوان"البلد البعيد الذي تحب"وصدرت العام 1964، فهي تبدو قبيل موتها وقد تطابقت مع ذلك العنوان، فبلدها الذي تحب قد صار بعيداً، ومدينتها البصرة التي شهدت حيويتها الثقافية والتربوية وهي شابة، قد صارت بعيدة جداً.