عبد المسيح وزير  بين الشرود والخلاف مع الكرملي

عبد المسيح وزير بين الشرود والخلاف مع الكرملي

سالم الالوسي
الف عبد المسيح وزير رسالة باسم (نوادر المطرنين) وقد نسب تاليفها الى (طرن يشار له بالبنان) ، ورد فيها جملة من حكايات الشرود الذهني لبعض المشاهير في العراق والعالم . وما ينبئك مثل خبير ، فقد كانت له بدوات معروفة وتغفل في بعض الاحيان لتعبه العقلي لانشغاله بموضوعات علمية وادبية مختلفة . وتروى عنه في ذلك العديد من الطرائف النادرة ،

ومنها انه نزل يوما من العربة ( الربل) ودخل صيدلية كامل عيسى في شارع الرشيد ببغداد وجلس على كرسي طويل وصاح : سوق ! ،وكان يطلب من الحوذي بيسوق الخيل .
وكان الكاتب الهزلي ميخائيل تيسي يروي هذه النوادر وينشرها في الصحف والمجلات الفكاهية التي اصدرها او عمل فيها . وذكر الامر الكاتب العربي علي الطنطاوي في مقال له في مجلة ( الرسالة ) المصرية ، في مقال له بعنوان ( مجانين) سنة 1946
فمن النوادر التي تروى عنه في هذا السبيل انه وقف صباح احد أام الجمعة على باب داره، وهو في مباذله، فرأى عربة تمر في الشارع، فيما كان منه إلا ان استوقفها وركب مشيراً الى الحوذي بالذهاب الى وزارة الدفاع. ونظر الحوذي اليه ملياً، ثم قال ضاحكاً: "وماذا نفعل في وزارة الدفاع، يا استاذ، واليوم جمعة، وانت لم ترتد ملابسك؟..".
وانقض اجتماع نادي لقلم ذات مساء، وكان يعقد في دار بعض اعضائه، فقام عبد المسيح وزير يهم بالخروج ورأى كتباً على الاريكة، فقال ضاحكاً: من نسي كتبه، يا سادة؟ وظهر بعد التحقيق انها كتبه، ولم يفطن انها له.
وروى خيري العمري انه دخل ذات مرة الى وزارة الدفاع قاصداً مكتبه، لكنه دخل الى الغرفة المجاورة، وكانت غرفة مدير الأمور الطبية، فجلس الى المنضدة. واستغرب وجود الآلات الطبية والادوية، فاستدعى الحاجب وصرخ في وجهه يساله عن كتبه وقواميسه.

دبت المنافسة والتنابز بين عبد المسيح وزير والأب انستاس ماري الكرملي، فكانت موضوع حديث المحافل الادبية سنين طوالا. وقال الأب ان عبد المسيح وزير لا يحسن الترجمة وهجاه هجاء مقذعا مرا حتى في بعض الفهارس السنوية لمجلة لغة العرب في عهدها الأخير. اما وزير فقد عرض بالأب في محاضرة له ألقاها في نادي القلم العراقي فقال:
"وقبل سنوات نشرت مجلة في بغداد اشتهر صاحبها ومنشئها في العالم العربي بكونه علما من اعلام اللغة العربية واشتقاق مفرداتها مقالا طويلا يبحث في ضرورة الالعاب الرياضية للأمة . وفي معرض البحث استشهد الكاتب بولع الانكليز بالرياضة البدنية، فقال ان شغف الأمة الانكليزية بالالعاب الرياضية حملها على تخصيص يوم جعلته (Boxing day) ولكن المسكين فانه ان المراد بهذا اليوم ليس "يوم الملاكمة" بل "يوم الهدايا" وهو عند الانكليز اول يوم في الاسبوع بعد عيد الميلاد يقدم فيه اصحاب البيوت الهدايا الى مستخدميهم وسعاة البريد وغيرهم. فنبهت حينئذ صاحب تلك المجلة على غلطته الفاحشة، فاصلحها معتذرا في العدد التالي من مجلته".
ذكر رفائيل بطي ان عبد المسيح وزير نشأ في جو مشبع بتعاليم الكتاب المقدس فكان ذلك سبب خلقه الوادع اللطيف. إلا ان إدمانه قراءة اصحاب العقول الثائرة والمتشككة من الفلاسفة وسع افاق ذهنه وانشأ في رأسه هذا الصراع المشبوب بين الشك واليقين.
يقول الاستاذ مير بصري عن ذكرياته مع عبد المسيح وزير : عرفت عبد المسيح وزير، وانا في مطلع الشباب، وافدت منه فوائد جمة. وقد اطلعته على ترجمة لي عن الانكليزية، فنبهني الى امور تتعلق بصميم نقل اسماء الاعلام ومعاني الجمل الخاصة بكل لغة. من ذلك انني كتبت اسم حاكم فلسطين الروماني في عهد السيد المسيح "ابونطيوس بيلاطس" كما جاء في اللغة الانكليزية، فقال لي: اسمه في العربية: بيلاطس البنطي نسبة الى بنط بالضم (او بونط) وهو الجسر.
وحدث بعد عدة اعوام، قبيل وفاته، انني وجدت منه شيئا من الجفوة، فاستغربت الامر لانني لم اعلم بصدور اي تفريط في حقه من جانبي. ثم عرفت السبب: كان مدير الانواء الجوية الانكليزي قد رغب في ترجمة كتاب في هذا الموضوع الى العربية، فكلم الاب انستاس ماري الكرملي الذي قال له: ان خير من يقوم بهذه الترجمة مير بصري، اما عبد المسيح وزير فلا يفقه شيئاً لا من العربية ولا الانكليزية. وقد راجعني هذا الانكليزي في غرفة تجارة بغداد، فاعتذرت عن ترجمة الكتاب لكثرة مشاغلي، وقلت له: إن عبد المسيح وزير شيخ المترجمين، فاذا وافق على تولي الترجمة فقد ربحتم ربحا عظيماً.
وافهمت عبد المسيح وزير بما جرى، فسر بما كان وعادت صلاتنا الى الصفاء لا يعروها كدر.
من اوراق سالم الالوسي المخطوطة