وثبة تشرين تجسيد ميداني  فاعل لصرخة الاحتجاجات

وثبة تشرين تجسيد ميداني فاعل لصرخة الاحتجاجات

 حسان عاكف
ايار ٢٠١٨ وتشرين ٢٠١٩ مشهدان تاريخيان مهيبان لعبتهما الجماهير الغاضبة على مسرح الحياة بكل اباء وكبرياء، حفرا اسميهما عميقا في ذاكرة التاريخ العراقي المعاصر، صفحتان استثنائيتان لانتفاضة جماهيرية واحدة أكملت إحداهما الاخرى.

في الصفحة الاولى قاطع لعبة الانتخابات النيابية المفصلة على مزاج المهيمنين المتسلطين ومقاساتهم قرابة ٧٥% من الناخبين الذين يحق لهم التصويت، باحتجاج جماهيري مليوني، لا يكتفي بالادانة والاستنكار، على قانون ومفوضية وعمليات تزوير واسعة، رافقت كل الانتخابات منذ عام ٢٠٠٣، مقاطعة كانت صامتة لكنها مدوية، عبرت عن الإدانة والفضح الواسعين للفساد المستشري ونهج المحاصصة سيئ الصيت، وعن خيبة أمل كبيرة ورفض لعموم الأحزاب والقوى السياسية وعرت خذلانها للشعب.
اليوم ونحن نعيش اجواء انتفاضة التشرينين بات واضحا أن الكتلة "التاريخية" التي كثر الحديث عنها عشية انتخابات أيار، لم تكن سوى تلك الجماهير المليونية الغاضبة التي قاطعت الانتخابات، وهي ذاتها التي كان ينبغي الانتباه اليها والوقوف أمام صرختها الغاضبة، لفتح ما يمكن من قنوات ومسالك اتصال بها ومعها، هي ذاتها التي تؤدي دورها اليوم في مشهد تاريخي جلل قلما يتكرر في العقد الواحد من السنين، هي ذاتها هذه الجموع الشبابية الوثابة التي حولت موقفها السلبي من الانتخابات في العام الماضي الى فعل إيجابي جبار جسدته بانتفاضة باسلة عمدتها بالدم الطاهر للمئات من ابنائها واصابات الآلاف منهم..
هذا الواقع يفرض علينا نحن الذين بقينا على الدوام متحمسين للمشاركة في الانتخابات، مهما كان التشويه والغش الذي يلازمها (ولا اعفي نفسي كوني واحدا من هؤلاء "الذين")، الذين أخطأنا في قراءة مشهد مقاطعة الانتخابات البرلمانية الاخيرة، وتعاملنا معه باستهانة ولا مبالاة، واهملنا دراسته وتفكيك الغازه والتنبؤ بالطريقة التي ستتفجر بها شحنة الغضب التي يحملها، واكتفينا بالتعبير عن الاسف لما حصل من مقاطعة عادين اياها موقفا سلبيا خاطئا خدم الآخرين، بعد أن جردنا الموقف من أبعاده ومعانيه الاعتبارية والروحية والسياسية الإيجابية، علينا أن نتحلى بالشجاعة ونعيد حساباتنا ونعترف بخطئنا وقصورنا لتخلفنا عن قراءة حدث بهذا الحجم الكبير واستشراف تداعياته اللاحقة..
آن الاوان كي ننفض غبار الرتابة والكسل الذي تراكم على ادائنا الفكري والسياسي والتنظيمي والتعبوي وانعكس سلبا على مواقفنا وحضورنا في محطات هامة.