ابو كاطع والاحتجاج وحكايات خلف الدواح

ابو كاطع والاحتجاج وحكايات خلف الدواح

اعداد / عراقيون
الازدواجية في المعايير وعدم المساواة، واحدة من القضايا التي ظل ابو كاطع يؤشرها في الصحافة وفي مجالسه.. وقد استخدمها للتعبير عن الاحتجاج الذي لازَمْه طوال حياته ، ليعيش منسجماً مع نفسه. وهو مستعد لأن يضرب مثلاً بنفسه، أو بصديقه خلف: «زارني خلف الدواح ضحى، في إدارة الجريدة، وجلس كعادته دون كلفة. قدمت له سيكارة وأشعلت واحدة لنفسي، ثم انصرفتُ للكتابة غير متحرّج من إعراضي عنه.

وبعد قليل رفعت عيني عن الورقة وابتسمت له، لكسر حدّة الصمت، فحرّك رأسه حركة مألوفة لي، وأجاب عن ابتسامتي بأحسن منها، ثم نفض سيكارته دون عناية فسقط رمادها على المقعد..
اغتنمتها فرصة لمناكدته وقلت: والله مشكله.. المعيدي ما اتصيرله چاره ! غير حاطين جِدّامك نفّاضه، ليش تنفض رماد جكارتك على القنفه؟!
ضحك خلف وقال: من أول ما ورّثت جكارتك لهسه، فاطنلك، واشوفك كلما تجذب نِفَس تنفضها على اچتافك، هم موش على السكـملي! وانت جدّامك نفّاضه أكبر.. ردت اكلك.. وتالي شاورت روحي وكلت خايب يخلف اتظل طول عمرك شرّاي طلايب؟!هسّه ما دام انت بديتها وعاتبتني، لازم اكلك: علّم روحك يالله تحچي على الوادم !
قلت متصنّعا الجد!: آنه وحّد وانت وحّد.. آنه اكتب ومشغول فكري بالكتابه.. انت شنهو عذرك؟
قهقه خلف الدواح منتشياً وقال: سالفتك مثل سالفة شيخ جعلوط.. يوم من الايام، كِطع عكله ايسوي سناين للعشيرة.. جمع كل رؤساء الافخاذ ومذاريب العشيرة.. كاللهم: كثرت طلايب العشيرة ومشاكلها، واريد اسوي سناين مكتوبة، حتى تنضبط. صيحوا للملا يكتب المضبطه..
بدأ شيخ جعلوط يملي على الملا بنود المضبطه: أول شي، اليبوك كرايبه ترجع البوكه امربّعه. ثاني شي اليصوّب ابن عمه هيچ عقوبته.. واللي.. واللي. ما أطوّلها عليك، سوّاها سير وسريده.
وآخر شي التفت جعلوط للملا وكال: اكتب ياملا.. اكتب: اولادي واولاد اخوي ما تشملهم هاي الشروط!
* * *
منذ مئة عام تقريباً، وفي مكان منعزل من هور الچبايش عاش الرجل المُسمّى (شيخ دبس) في سَلَفٍ عامر برعاة الجاموس والصيادين.. وقد جمع شيخ دبس كل السلطات بين يديه، يساعده في ذلك (مذروب السَلَف).
وقد وضع الشيخ قواعد لحياة السلف غدت أشبه بالقوانين فيما بعد، واختار لها صياغات مُحكمة، حتى يسهـل استظهارها وتداولها.
أذكر منها قوله حول ميراث الميت: (ثلث لشيخ دبس. وثلث لمذروب السلف.. وثلث للقُصّر الأيتام !)
ومنها قوله في الصيد: (لو صدت بُنّية وشبّوط، الخيار لشيخ دبس. ولو صدت حُرّة وچوشمه كلمن يندل اهلـه الحرة للحر! والچوشمه للصياد).
ومن حين لآخر يبيع بضعة أذرع في الجنة، لبعض العجائز، والشيوخ مقابل (طاسة روبه) أو (دالوچة) زبد.. وعلى العموم فقد كان الشيـخ، الذي لا يقرأ ولا يكتب.. ولا يفقه من أمور دينه شيئا، يعيش في بحبوحة ونعيم.. حتى حَمَلتْ إليه ريح لعينة، شيخاً حقيقياً اسمه شيخ علي، لا يدري كيـف أو مَنْ ذا الذي دلّه على هذا المكان المنعزل..
وقدّر شيخ دبس، أن أيام النعيم توشك على الانتهاء.. وأن أمره سيُفتضح على يد هذا (الطويرني) الذي يقرأ ويكتب ويعرف الكثير من أمور الدنيا. وفكّر الشيخ مع نفسه: إذا لم اتغدَّ به، سيتعشى بي. وأجهد فكره بحثاً عن وسيلة.. ثم بعد جهد هتف لنفسه (لكيتها) ونصب الفخ، جيداً، لاصطياد خصمه، والتخلّص منه.. وحالما اكتمل عقد الديوان في ربعة (مذروب) السلف. توجّه شيخ دبس إلى شيخ علي قائلا: شيخنا سوعال!
- تفضّل مولانا..
- تكدر تكتب (حيّه)؟
فسارع شيخ علي يكتب (حيّه): حاء.. ياء.. هاء.. فتناول القلم (شيخ دبس) من يد صاحبه ورسم إزاء كلمة (حيّه) صورة حيّه بلسانها الأسود، وذيلها الطويل!..
ثم حمل الورقة، ودار بها على الحاضرين، مصوّتاً:
- سامع الصوت عليكم.. بحظكم وبختكم.. يا هي الحيه الصدك؟ اللّي سواها هذا المومن يو اللي آنه كتبتها؟
فدقّق الحاضرون النظر (وكلّهم أميّون) وأعلنوا: الحچايه للبخت.. الحيّه الصدك اللّي كتبها شيخ دبس!
وهنا التفت إلى خصمه مزهوّاً، وجمع السبابة والإبهام، وحرّك ذراعه بقوة وقال: اشحسبالك؟ هذا العلم!