حكاية متظاهرة..طبيبة تتحدى تهديدات الاختطاف وتناضل في إسعاف المصابين بعد أن نفدت من إصابتها

حكاية متظاهرة..طبيبة تتحدى تهديدات الاختطاف وتناضل في إسعاف المصابين بعد أن نفدت من إصابتها

 ماس القيسي
نزيف دم متوصل وحالات اختناق يومية تشهدها شوارع بغداد والمحافظات الجنوبية المنتفضة عند مناطق وجسور اتسمت بطابع الاحتجاج السلمي لثوار تشرين المجيد، كيف لنا إيقاف سيل الدم وانقاذ ما تبقى من الضحايا من المدنيين والأبرياء ونحن نجد الكادر الطبي المختص بإسعافهم مَن لبى نداءهم معرض هو الآخر لتهديد قسري متعسف، من لدن قوات مكافحة (الشعب) وميليشيات الأحزاب الفاسدة؟!.

خيمة إسعافات أولية أسست للتضامن مع الثوار منذ بدء الحراك السلمي في 25 تشرين المنصرم، بدلاً من التزام الصمت الذي تمتهنه بعض المستشفيات الخاصة والحكومية على حد سواء ، إذ قالت الدكتورة المسعفة :" قررنا أنا وزميلي ولعدم تعاون المشفى الذي نعمل فيه مع جرحى التظاهرات في التحرير على أن نؤسس مفرزة طبية مستقلة قرب التحرير" وعن المواد اللازم توفرها في أي مفرزة تقول :" نحصل على دعم من خلال تبرعات يقدمها إلينا أطباء وغيرهم من خارج المشفى ومن الجالية العراقية المقيمة في الخارج". وتضيف بهذا الشأن :" نحن هنا مجموعة معارف وزملاء، نعمل بالتناوب على إدارة المفرزة وإسعاف حالات الاختناق والاصابات القابلة للعلاج هنا حسب ما يتوفر لدينا من مواد". وبعد غياب عشر أيام بسبب إصابة تكاد أن تكون قاتلة، تعود الدكتورة الثائرة الى ميادين التظاهر لإسعاف جرحى الخلاني والسنك قائلة :" لقد أصبت بطلق دخاني ومطاطي أثناء إسعافي لأحد الجرحى قرب جسر الأحرار، ولم استيقظ وأشعر بما يدور من حولي إلا وأنا في مستشفى الكرامة حيث انقذوني" مشيرة الى كونها تعرضت لإصابتين احدهما كانت قنبلة دخانية سقطت بالقرب منها، أصابتها بالشظايا المتطايرة، والأخرى طلقة مطاطية أصيبت بها مباشرة في منطقة الظهر.
وعن احتمالية تعرضها لنوع من التهديد والمضايقات في مستشفى الكرامة تقول :" حقيقة لم أتعرض لأي تهديد في المشفى ولكن أنا قمت بإعطاء اسم وهمي لي احترازاً وتجنباً لأي خطر قد يلاحقني، وأخبرتهم بأنني أصبت بالصدفة ولست مسعفة أو ما شابه" مؤكدة على أنها تعرضت لتهديدات خارج المشفى من قبل أحدهم عبر هاتفها الخاص بقولها:" قبل أيام وبعد عودتي وشفائي من الاصابات تتصل بي فتاة مجهولة الهوية تخبرني بمعلومات حقيقية عني وعن المفرزة، وتهددني بلغة واضحة، بأن علي مغادرة المفرزة حالاً وإلا هناك جهة ستقوم باختطافي". ومن باب الصدفة لجأنا إليها لننقل للراي العام قصة وحكاية أحد مسعفات جرحى التظاهر السلمي، حين تعرضت للتهديد، وبهذا الصدد تقول:" كنت خائفة منكم، فقد تزامن حضوركم وسؤالكم عني في اليوم الذي تعرضت فيه للتهديد المباشر". وعن أحداث مماثلة من عمليات ترهيب واختطاف تخبرنا :" قبل عدة أيام هناك طبيبة مسعفة تابعة لأحد المفارز الطبية المجاورة لنا قاموا بخطفها، وقد تعرضت لعملية ترهيب حيث حلقوا رأسها بشكل كامل وأعادوها كنوع من التهديد والردع لتتجنب مواصلة العمل في إسعاف المتظاهرين" ونوع سافر آخر من المناورات التي تحدث من جانب قوات مكافحة الشغب، إذ تقول :" هناك حالات اختطاف ترتبط بعمليات مساومة، فعلى سبيل المثال تم اختطاف أحد المسعفات من قبل القوات، وقد ساوموا عليها بفك أسرها مقابل سبع متظاهرين من الشباب! أو بديل عن مئات الدولارات !!". حكايات مرعبة تشير الى اختطاف مسعفين ونشطاء وتقييدهم عند الجسور لأيام وتركهم دون غذاء حتى إشعار آخر، إذ تقول :" يخطفوهم دون رحمة، وقد يلبي عطشهم عسكري شريف بتصرف فردي سري من قبله"!. أما عن الحالات الإسعافية التي تقوم المفرزة بعلاجها وانقاذها تقول :" كنا سابقاً في أول الأحداث في الخندق، حيث المناورات بين الطرفين إذ كنا نخسر الجرحى تحت الضغط المتواصل، فقد فقدنا أحدهم للأسف لم نتمكن من إسعافه و استشهد على الفور" وتعقب قائلة: " بينما، هنا قرب التحرير تصلنا حالات نحاول قدر الإمكان إسعافها".
طبيبة تضرب عن عملها الرئيس في أحد المستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة قائلة :" أنا وجميع الزملاء هنا في مفرزتنا مضربون عن الدوام، فإن داومنا، من سيسعف إخوتنا الجرحى وينقذهم ؟!" منوهة الى حدوث اشبه بمجزرة قبل أيام قرب السنك والأحرار قائلة :" بالكاد نملأ حقائبنا بمواد الإسعافات و نسرع لإنقاذ المصابين ثم نعود لملئها مرة أخرى". إذ تتضمن عمليات الإسعاف الانقاذ المبدئي من الاختناق والنزف بينما يتم نقل الإصابات الخطيرة الى المستشفيات القريبة بقولها:" لا يمكن لنا هنا ترميم وإجراء أي عمل جراحي ولو كان بسيطاً لأن الجو ملوث وهذا الأمر غاية في الخطورة، ونحن نتجنب ذلك ".
خطورة تلاحق الأطباء المسعفين أينما ومتى ما وجدوا بالقرب من ساحات الاحتجاج أو خطوة بخطوة مع المتظاهرين السلميين بقولها:" أصبحنا نمارس عملنا غالب الاحيان دون ارتداء الزي الخاص (الصدرية) وكذلك دون حمل (الباج) المعرف لهويتنا كأطباء خوفاً من اختطافنا إذ نلاحظ وجود مندسين يقومون بالتقاط الصور لنا ونشرها عبر وسائل التواصل". أي وطن ذاك الذي يهاب فيه الموت من الموت، وتتشبث فيه الحياة بالحياة، بينما يولد بين نزاعاته من يحارب الموت المطبق على أنفاس الأحرار الثائرين من أبطال ومسعفين مناصرين، بكل صمود وعزم وكبرياء. إنه وطن العراق الجديد الذي نبحث عنه من بين بقايا ركام الأمس بصدورنا العارية النازفة، لنراه حراً مستقلاً عزيزاً في الحاضر القريب بإذن الله.