سيادة تنتظر برهاناً: وزارة الخارجية إذ تدافع عن حياض وطن مُنتَهَكْ..!

سيادة تنتظر برهاناً: وزارة الخارجية إذ تدافع عن حياض وطن مُنتَهَكْ..!

 يكتبها متظاهر
المواثيق الاممية المُقَرّة، تُحرِّم انتهاك سيادة أية دولة مستقلة والتدخل في شؤونها الداخلية واختراق حدودها، والعدوان عليها، وتحديد خياراتها في التطور والتقدم السياسي والاجتماعي والحفاظ على ثرواتها وتنميتها.

واذا كان ميثاق الامم المتحدة يُعنى بتنظيم العلاقات بين الدول والحفاظ على السلم العالمي، فإن في مواثيقها التي تعالج جوانب عديدة مما يتعلق بمصالحها وسلامتها تندرج في مواثيق ومعاهدات عديدة. ومن بينها ما يندرج في باب حقوق الانسان وحمايته من الانتهاكات أياً كان مصدرها وفي أي إطارٍ وضع.
وفي هذا الباب الخاص بالحقوق والحريات، ميّزت المواثيق المُقَرّة أممياً بين التدخل بأي شكل كان، بوسائل الحرب والعدوان والاختراق، والتضامن الأممي بالوسائل الدبلوماسية والسياسية التي لا تتعارض مع مفاهيم ومحددات السيادة والاستقلال الوطني. ولم تغفل المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الامم المتحدة عن الحالات الاستثنائية التي تتطلب تدخلاً بوسائل الزجر المتدرج وما تنطوي عليه من عقوبات اقتصادية وعزلٍ سياسي، وصولاً الى ادراج الدولة المعنية تحت الفصل السابع من الميثاق الأممي، الذي يسمح بالتدخل العسكري عند اندلاع الحروب الاهلية والإبادة الجماعية لأعراقٍ ومكوناتٍ وشعوب. وتهديدٍ للأمن والسلم الإقليمي والعالمي.
إن من حق كل شعب مطالبة الرأي العام بدعمه والتضامن معه حين يتعرض لأشكال من العنف المفرط والتصفيات الجسدية والاعتقالات التعسفية وعمليات الاغتيال والتهجير القسري وسوى ذلك مما يكفله الدستور والشرائع الاممية. ويصبح مثل هذا التضامن تجسيداً للقيم الانسانية ومبادئ حقوق الانسان وحرياته وخياراته في التقدم، اذا ما ارتبط كل هذا العسف والاستبداد بممارسة حقه في التظاهر والاعتصام ومطالبته بالاصلاح والتغيير والتداول السلمي للسلطة.
وما يحصل في العراق اليوم تجاوز كل حدٍ في القمع والانتهاك والتصفية والقتل المتعمد لا لسببٍ سوى لاستخدام الحق في التظاهر السلمي والمطالبة بتغيير منظومة النهب والفساد واغتصاب الحريات العامة والخاصة واغتصاب ارادة الوطن. وقد أثارت اوساط الرأي العام والدول المتحضرة، واستفزت ضميرها الجرائم والمجازر التي تنفذها ضد المتظاهرين السلميين ادواتها القمعية والميليشيات المنفلتة التي تشكل الأذرعة المسلحة لاحزاب الطبقة السياسية المهيمنة الفاسدة. ورغم كل هذا الترويع لم تجر المطالبة بـ "التدخل"، بل بالتضامن والتنديد بكل الاساليب الممكنة ضد الطغمة الحاكمة وردعها عن مواصلة استهداف حياة المنتفضين بالرصاص الحي والمجازر الدموية.
لكن وزارة الخارجية بعد ان سكتت عن التدخلات السافرة والعبث العلني بسيادة العراق وارادة العراقيين، رأت في بيانٍ لسفراء اعضاء في مجلس الامن ما يعتبر تدخلاً في الشأن الداخلي، مع ان البيان عبر عن رفضه للقمع المفرط بحق المتظاهرين السلميين ومطالبة الحكومة العراقية بضرورة حماية مواطنيها من رصاصها وقمعها وقيام ميليشيات مسلحة خارجة على القانون بارتكاب مجازر بحقهم، دون ان تطالهم المساءلة ويوضع لهم حد. وظلت القيادة العامة للقوات المسلحة والناطقين باسمها يعلنون انها "طرف ثالث" لا معرفة لهم به.!
نسيت وزارة الخارجية ما يتواصل من افتضاضٍ لحرمة الحدود المفتوحة، والتصريحات الوقحة التي تصل حد النيل من وطنية العراقيين، واتهام المتظاهرين بالعمالة والتآمر، وأنهم دخلاء من "شيعة الإنكليز" وما يعلنه البعض من قادة العصابات المسلحة من انتماء وولاءٍ لغير وطنهم وسوى ذلك مما يعتبر انتهاكاً فظاً لسيادة البلاد واعتداءً سافراً على كرامة الشعب العراقي المُبتلى.
ويبدو ان وزارة الخارجية نسيت صولات وزيرها السابق في اطلاق المواقف والتصريحات الشائنة بحق دول شقيقة والتحريض عليها، كما فاتها أن البرلمان الرث اعلن الحداد على شهداء في بلد "عربي" رغم ما في القتل والقمع الذين قامت بهما اجهزة ذاك البلد يعتبر هو الآخر تعدياً وانتهاكاً لحرية وحقوق مواطنيه. وتنسى وزارة الخارجية تحلل عشرات المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين من اي التزامٍ ادبي ودبلوماسي ازاء دول عربية شقيقة.
ان العراقيين وهم يدفعون حياتهم ثمناً لاستعادة وطنهم المنتهكة سيادته، وتحقيق اهدافهم في تصفية ركائز الطبقة السياسية الفاسدة ومنظومتها الطائفية المحاصصية فاقدة الصلاحية ونافذة المفعول، سيشعرون بالفخر الوطني حين تتحول وزارة الخارجية كما الوزارات والقيادات العراقية الى رافعة تدافع عن سيادة واستقلال العراق والمصالح الوطنية العليا.
والى ان يحين ذلك على وزارة الخارجية ان تعود الى صمتها وتعيد التفكير بمفاهيم السيادة والاستقلال، وان تتجنب ان تنطق كفراً.