في ذكرى ولادته في 22 كانون الاول 1914..عبد الكريم قاسم في سنوات نشأته الاولى

في ذكرى ولادته في 22 كانون الاول 1914..عبد الكريم قاسم في سنوات نشأته الاولى

د. عقيل الناصري
تكونت عائلة قاسم محمد البكر، حسب تاريخ الميلاد، من الأبناء : حامد أكبر الأشقاء الذي تزوج من بنت عمه الرئيس علي محمد البكر، وكان حامد يشتغل دلالاَ للحبوب ؛ وتأتي بعده أمينة زوجة ياسين محمد صالح القيسي ؛ ثم عبد اللطيف نائب الضابط في القوة الجوية والذي بقى على رتبته العسكرية لحين تقاعده ، وكان ساكنا في إحدى الدور الحكومية الصغيرة في منطقة (تل محمد) التي استلمها قبل ثورة14 تموز، وبقي فيها إلى أخر حياته؛ ثم نجية زوجة ابن عمتها الزعيم الركن عبد الجبار جواد، وأخيراً عبد الكريم.

ولعبد الكريم قاسم خالتان هما:عكاب حسن اليعقوب ، والدة العقيد فاضل عباس المهداوي والثانية وصف حسن اليعقوب التي تولت العناية بالمهداوي بعد وفاة والدته المبكر. كما ولعبد الكريم قاسم خالان هما : محمد حسن اليعقوب، وكان من أبطال المصارعة آنذاك وقد توفى في عمر مبكر ، ومطلك حسن اليعقوب ، الذي أستشهد في إحدى الحملات العسكرية عندما كان مجنداً قسرياً في الجيش العثماني (السفر بر) كما أطلق عليه العراقيون آنذاك. ولعبد الكريم عم واحد هو علي محمد البكر ،الذي كان ضابطاً في الجيش العثماني برتبة الرئيس (النقيب). وقد أستشهد أثناء دفاعه عن بغداد أمام الاحتلال البريطاني عام 1917، ولم يخلف سوى بنت واحدة تزوجها حامد قاسم. كما كان جد عبد الكريم قاسم يملك محلاَ للجلود في بغداد، كما تقول بعض المصادر.
ولد عبد الكريم قاسم في1914.11.21، في محلة المهدية من رصافة بغداد، من أبوين عربيين هما : قاسم محمد البكر الزبيدي، وكيفية حسن يعقوب الساكني (عشيرة السواجن) التي يرجع نسبها إلى عشيرة تميم العدنانية..
أكثر الدلائل المادية المتوفرة تشير إلى وضع العائلة الاقتصادي البائس ، حيث ولد الطفل عبد الكريم وعاش فترة شبابه، في بيت لازمته الحاجة والعوز المادي ولفترة طويلة نسبيًا، إذ كان أبوه يعمل في النجارة و يستمد المعونة المادية من أخيه علي محمد البكر، الذي كان ،آنذاك، يخدم في مقر الجيش العثماني السادس عشر في بغداد. كما يمكن الاستدلال على وضعه المادي السيئ من واقع المنزلة الاجتماعية لمحلة سكناه، إذ كانت محلة المهدية، ولا تزال، إحدى المناطق الشعبية التي تقطنها العوائل الفقيرة والكادحة ،وتجاورها محلات النازحين إلى بغداد من أرياف العراق برمته وخاصةً من شمال بغداد القريبة.
لقد كان الطفل عبد الكريم مرهف الحس منذ طفولته ، وكان دائم التفكير في وضعه الذاتي ووضع العائلة المادي والاجتماعي. وكان يحاول منذ نعومة أظفاره البحث جاهداً عن مبررات مقنعة لذلك الوضع الذي أثر في نفسيته بقوة جعلته [ قليل الاختلاط بزملائه في المدرسة … وكان صبوراً جداً، فإن أراد أو اشتهى شراء شئٌ يلزمه ورأى ظروف أبينا المالية لا تسمح .. ينتظر .. وقد يطول به الانتظار دون أن يضج أو يشكو …]
هذه الوضعية الاجتماعية وواقع عمقها القاسي ستؤثر لاحقاً في ماهيات منظومة أفكار الشاب عبد الكريم قاسم، إذ تأثر منذ ريعان شبابه بفكرة المساواة وتبناها كحلقة مركزية في مشروعه اللاحق وأصبحت تمثل المبدأ الأول من منظومة أفكاره. لذلك انصب اهتمامه على كيفية محاربة الفقر واجتثاث مقوماته المادية ما أمكن ذلك. كما انعكست حتى في شعوره الداخلي وفي ممارساته الحياتية، التي تعمقت بصورة خاصة بعد أن تفهم مسببات الفقر والتفاوت الطبقي من الناحية النظرية ، الذي أقترن بالإدراك السياسي الحسي لواقع البلد بعد احتلاله وما نجم عنه من مؤسسات ونظم وقواعد للحكم تأسست على أسس خاطئة ومن ممارسات عملية عمقت هذه الأخطاء وذات التفاوت ، وما رافقها من انتفاضات شعبية عبرت عن رفضها وسخطها لهذه السلطة وأسس تكوينها وتوجهاتها الاجتماعية /الاقتصادية والسياسية وعلى ارتباطاتها الغربية( بريطانيا) .
في الخامسة من العمر يدخل الطفل كرومي (أسم التدليل الذي يطلقه العراقيون على كل من يحمل أسم كريم) إلى أحد الكتاتيب مقابل جامع الفضل بن ربيع ، ليتعلم القراءة والكتابة ويحفظ ما تيسر له من القرآن الكريم التي كانت تديره [ الملاية فاطمة الحاج مصطفى عبد الله الجبوري) ابنة إمام وخطيب جامع الفضل. هذه الدراسة مكنته من الولوج المبكر في عالم القراءة، التي سيشغف بها في مراحل عمره القادمة، كما مكنته من امتلاك أسس اللغة العربية.
وتحت وطأة الحاجة والفقر التي أصابت الطبقات الفقيرة بعد الاحتلال البريطاني وتغير نمط الحياة الاقتصادية وسرعة إيقاعها وما نجم عنها من تضخم اقتصادي ، تسافر العائلة عام 1921 إلى مدينة الصويرة، ليعمل رب الأسرة في أرض تعود ملكيتها إلى أخيه الضابط المستشهد. آنذاك يدخل الصبي عبد الكريم المدرسة الابتدائية ويدرس فيها لمدة أربع سنوات، قبل أن تعود العائلة إلى بغداد ثانيةً عام 1926، وتسكن هذه المرة في محلة[ قمبر علي] ، المجاورة لمحلته السابقة، والمعروفة أيضاً بفقر ساكنيها وتعدد انتماءاتهم ألا ثنية والطائفية..من عرب وكرد، يهود ومسيحيين، مسلمون ، سنة وشيعة، بغداديون و متريفيين نزحوا من القصبات والقرى. بمعنى أخر عاش في وسط اجتماعي خليط، عكس أغلب مكونات الواقع الاجتماعي/ الاثني للمجتمع العراقي.
ينهي الصبي عبد الكريم دراسته الابتدائية من مدرسة الرصافة عام 1926 ، ويتخرج منها في العام التالي ليدخل الثانوية المركزية -الفرع الأدبي وينتهي منها بتفوق في عام 1931. وقد أشار العديد من أساتذته وزملائه الطلبة إلى حالة تفوقه العلمي، مقارنةً بأقرانه الطلبة، وما كان يتمتع به من سرعة البديهة والذكاء. كما رصد أساتذته أثناء دراسته تذوق الطالب عبد الكريم قاسم للأدب العربي ، إذ كان يحفظ الكم الوفير من جماليات الكنوز الشعرية العربية. لقد كان معجباً، من شعراء تلك المرحلة بالشاعر معروف الرصافي حسب قول أستاذه في اللغة العربية آنذاك محمد بهجت الأثرى. ويفسر في بعض جوانبه لأنه كان متأثراً بمواقفه السياسية المناهضة للمشروع البريطاني في العراق وفلسطين.
تحت وطأة حاجة العائلة و تحسين وضعها الاجتماعي و توفير حدود معقولة لها من العيش والخروج من ضرورات العوز المادي المزمن، يحسم الشاب عبد الكريم الصراع الداخلي الذي كان يعاني منه في الاختيار بين تحقيق طموح الذات الفردية ، لإكمال الدراسة الجامعية الطامح إليها ، أو العمل ومساعدة الأهل. لقد أخذ بالرأي الأخير وتم تعينه في وزارة المعارف بتاريخ1931.10.22 بوظيفة معلم وينسب إلى إحدى المدارس الابتدائية في قضاء الشامية.
عن: كتاب (من ماهيات سيرة عبد الكريم قاسم)