صفحة مطوية من تاريخ الصحافة العراقية..يونس السبعاوي صحفياً

صفحة مطوية من تاريخ الصحافة العراقية..يونس السبعاوي صحفياً

د. عمر الطالب
تشاء الظروف ان يموت والد السبعاوي في اول يوم من امتحان الصف الرابع الثانوي عام(1928)، حاولت الام ان تكتم الخبر عن ولدها لكي يذهب للامتحان صبيحة ذلك اليوم المشؤوم ولكنه ما ان استبطأ يقظة والده في الصباح حتى أدرك الامر، ومع ذلك المصاب الأليم اسرع لاداء الامتحان،ولم ينقطع عن الامتحان على الرغم من الفاجعة التي ألمت به وجاء ترتيبه الاول في الامتحان.

وكانت اخته هي الاخرى تواصل دراستها.فعقد محمد يونس العزم على ايجاد عمل يكفل به معيشة اسرته فأصبح محرراً في جريدة (العالم العربي) التي كان يصدرها سليم حسون، كما قام بتدريس الطلاب الضعفاء مقابل أجر.
أنهت أُخته الدراسة المتوسطة ورغبت في الانضمام الى دار المعلمات،فقرروا السفر الى بغداد والسكن فيها، أجروا دارهم في الموصل،واستأجروا بدلاً عنها داراً صغيرة في بغداد وبحث السبعاوي عن عمل يطمئن معيشتهم خاصة بعد ان استغنى عن المساعدات البسيطة التي كان الحزب الوطني يقدمها له، ولم يوفق في ايجاد عمل،فعاش أياماً صعبة وهو يفكر في مستقبله ومستقبل اسرته. وفي صباح أحد الأيام وهو جالس في صفه في الثانوية المركزية في بغداد،دخل الصف مدير المدرسة (طالب مشتاق) ومعه المستشار الانكليزي لوزراء المعارف وعرض على الطلبة العمل في المدارس الابتدائية خارج بغداد، فوجد السبعاوي فرصته وذهب الى (عانة) لمزاولة عمله وعند قيام الامتحانات النهائية شارك فيها واجتازها بتفوق، ورشح لبعثة علمية خارج العراق، ولكن الظروف المادية لأسرته حالت دون تحقيق رغبته،وكان يرغب في دخول كلية الحقوق وعليه ان يبحث عن عمل يطمئن معيشته واستمراره في الدراسة،فاتجه الى الصحافة التي استهوته بتأثيرها وفعاليتها،وهو لايملك من مؤهلاتها غير ثقافته الادبية واتقانه اللغة الانكليزية وذكائه الحاد وحماسه الوطني الشديد، وقد عرف في بادىء الامر على صفحات الجرائد المحلية شاعراً حساساً تهزه المواقف البطولية، وقد وضحت قصيدته التي نظمها اثر انتحار السعدون مشاعره الوطنية العميقة وتحريضه للثأر من الانكليز الذين دفعوا السعدون الى الانتحار بأسالبيهم الملتوية. وجاء في هذه القصيدة قوله:
ياقوم لاتنثروا هذه الدموع على
من مات فالدمع من أدنى مراثيه
خير الرثاء اذا صحت عزيمتكم
الثأر ممن اماتته عواديه
لم يطلق المحسن السعدون طلقته
الا لينهض حياً من ثرا فيه
فان عزمتم فسلوا البيض وانتبهوا
وانقذوا القطر من أعدى عواديه
وان بغيتم فسحوا الدمع وانتحبوا
ويرحم الله من خابت مساعيه
كتب السبعاوي الى صديقه (صديق الشيخ علي) يصف له الظروف التي ساعدته للعمل في الصحافة يقول: "كنت اتردد صبيحة كل يوم على قهوة في شرقي بغداد على دجلة. اتمتع بمنظر النهر والماطورات والمراكب، اجد لذة غريبة في الجلوس في هذه القهوة الهادئة، وكان من المترددين عليها الاستاذ ابراهيم صالح شكر، وشاءت الصدف والاقدار ان نتتهز فرصة لتعارفنا بمناقشات بسيطة كانت نتيجتها ان يقول كما قلت انت قبل سنة، لقد تعارفنا روحياً ياأخي، فأجبت وأنا أيضاً،ومن هنا كانت صداقة وكان اشتراك في آلام البلاد وسؤال عن الاحوال، وبعد ان فهم غايتي قرر ان يبذل أقصى جهوده في مساعدتي، واخيراً قال لي ذات يوم لقد وجدت لك مهنة توافقك، فقلت له ماهي،قال: انها الصحافة، ومن هنا رأيت الاقدار كيف تسوقني الى الحرفة التي طالما احببتها واذاً سأدخل في رعوية صاحبة الجلالة كما يقولون"...
لااكتمك ان الرجل كما اظهره كاتب الكتاب-اميل لودفج-حبيب الي كثيراً وجعلني عظيم الشغف بحياته الباهرة، فما قرأت سطراً الا وفكرت في امره دقائق عديدة، وقد تذهب بي التصورات-وهذا بيني وبينك-الى ان اطمع أن أكون مثل هذا الرجل، او في مقام قوته في هذا العالم،فأحاول ان ألغي ما بين حقارتي وعظمته من فروق ويسوقني هذا الى البحث في ظروفه وحال بلادي وشعبي وبلاده وشعبه، وينتهي بي الامر بعد الذي علمته عن الرجل، انني لا أزال أحتاج الى نشاط جسمي كبير أقضيه في فهم الناس والحياة، واني بحاجة الى ان اطبق هذا الفهم على سلوكي، هذا سر نفسي أفضي به اليك وارجو ان تحتفظ به للزمن، فأما يكون كلام هاذر او تكهنات نبي ".وبعد ان نال شهادة الحقوق وعاد الى بغداد، أبت عليه السلطة مزاولة المحاماة الا بعد اداء امتحان خاص واجتيازه بنجاح،وقد تفوق في اداء الامتحان وزاول مهنة المحاماة، وتحسنت احوال اسرته الاقتصادية واصبحت اخته معلمة. وساعدته في تحمل اعباء الحياة.
وقد تراوح السبعاوي في مقالاته التي نشرها في تلك الفترة بين الدعوة الى اللاعنف والتفاوض السلمي كما دعا غاندي في الهند، وتارة يدعو الى العنف وترك المفاوضات واستند في تبرير رأيه على فشل المفاوضات الانكليزية المصرية من جهة، وعلى المساعي التي بذلها السعدون واسفرت عن انتحاره، ويبدي تارة اخرى اعجابه بالحركة الكمالية، ويقارن بين الحركتين الكمالية في تركيا والفاشية في ايطاليا، ويبدي اعجابه بالاولى تحت تأثير مشاعره القومية وتعصبه للمشرق وما ارتكبته الفاشية من قسوة واضطهاد في طرابلس الغرب، ومساندة منه لحركة المقاومة التي قادها عمر المختار ضد الفاشست،وكتب عن التجربة السوفيتة والتجربة اليابانية، وناصر اساليب المغامرة التي كان ينتهجها الحزب النازي، خاصة وان السبعاوي كان في تلك الفترة متأثراً بأفكار نيتشة وما سطره من آراء في كتابه (هكذا تكلم زرادشت)، ونتيجة لاعجابه الشديد بالمغامرة النازية سارع الى ترجمة (كفاحي) لهتلر ونشره بشكل متسلسل في جريدة العالم العربي ابتداء من 21مارت عام(1933)، وتعد هذه الترجمة اول ترجمة لكتاب كفاحي، وقد لاقت مقالاته التي نشرها في جريدة البلاد والعالم العربي اعجاباً كبيراً،مما دفع ياسين الهاشمي الى التعرف به عن طريق (رفائيل بطي).
عن: موسوعة اعلام الموصل