المرأة في ساحات الاحتجاج تكسر حواجز الخوف وتجابه العنف

المرأة في ساحات الاحتجاج تكسر حواجز الخوف وتجابه العنف

 غفران يونس
صورة وجود المرأة من مختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية باتت مألوفة في ساحة التحرير، والعديد من ساحات الاحتجاج في المحافظات، فاعتاد المحتجون على رؤية أم سلوان وهي تغسل ملابس المتظاهرين،

وأم يوسف التي تفتخر بكونها اكتشفت وصفة ورثتها عن جدتها للتخفيف من آثار الاختناق الذي تسببه الغازات المسيلة للدموع، وهي بخلط الخميرة مع الماء وتقديمها إلى الشباب للتخفيف من آثار القنابل التي تُرمى عليهم. وتُعد في اليوم الواحد ألف قنينة من تلك الوصفة بمساعدة زوجها.
قصص كثيرة تسردها لنا المشارِكات في تظاهرات أكتوبر، عن تهديدات مباشرة تعرضن لها داخل ساحة التحرير وخارجها، إلا أنهن لم يتوقفن عن دعم التظاهرات والحضور المستمر في الساحات. وتتحدث سهيلة عبد الحسين عن "روتينها" اليومي في ساحة التحرير، فهي تسعف الجرحى وتشارك في إعداد الطعام في ساحة التحرير ونقله بواسطة "التوك توك" إلى المتظاهرين الموجودين في منطقة السنك. وتقول سهيلة إن قوات مكافحة الشغب أصابتها في منطقة الكتف، إذ استهدفتها بقنبلة دخانية أثناء تقديمها الطعام في السنك. وتضيف سهيلة أن "قوات مكافحة الشغب تستهدف المرأة التي تقدم الخدمات بشكل مباشر لأنها (أي قوات مكافحة الشغب) تدرك أن أحد أسباب استمرار هذه التظاهرات هو وجود المرأة في الساحة. وتؤكد أنها ستكمل طريقها على الرغم من إصابتها، موضحة أن "وجود المرأة سيعزز من معنويات الشباب لأنه سيجد أمه واخته وهذا ما يُشعره بالأمان".
أما ندى علي التي تشارك في حراك أكتوبر منذ بداياته فتقول إنها تركت الخطوط الأمامية لمدة يومين بسبب تهديدات بالخطف تعرضت لها من قبل جهات مجهولة، إلا أنها عادت إلى الساحة. وتقول "لا يهمني ما أسمع من تهديدات ولا أبالي لكل هذه المخاوف، ما يهمني وجودي هنا وتقديم الدعم لهؤلاء الثوار".
وترى انتصار الفتلاوي أن "الحكومات المتعاقبة لم تقدم إلى العراق سوى الوعود الزائفة، فلا يمكننا أن نقف أمام أكاذيبهم من دون الدفاع عن حقوقنا". وتقول الفتلاوي التي تعرضت إلى إصابة في قدمها في بداية التظاهرات وتعرضت للاعتقال لمدة خمسة أيام، إن "هذه الساحة تمثل الوطن بالنسبة لي، ولا بُد من الوقوف مع هذا الجيل الذي ضحى بنفسه من أجل استرداد الحقوق".
أما بلقيس نصر فتوضح أن التهديدات لم تمنعها من الاستمرار بدعم الثورة. وتقول "واجهنا الموت من أجل قضيتنا، وكنا متوقعين منذ اليوم الأول للثورة أننا سنمرّ بكل هذه المحن والتهديدات كوننا نواجه سلطة فاسدة".
ويصعب العثور على إحصاءات دقيقة حول أعداد القتلى من النساء والمختطفات والمعتقلات، إذ أوضحت الناشطة المدنية جبرة الطائي في ندوة أقيمت في منبر ساحة التحرير، أن أعداد الضحايا من النساء بلغت 6 قتيلات، موضحةً أن هناك مخطوفات لم يُعرف مصيرهن إلى حد الآن. وتابعت الطائي أن وزارة الصحة لا تنشر الإحصاءات الصحيحة بل تحاول التلاعب بأسباب الوفاة كي تخفي الأعداد الحقيقية للقتلى.
ترفض نساء كثيرات في ساحة التحرير حصر دورهن إعلامياً في إعداد الطبخ والتنظيف في ساحات الاعتصام، فهن يؤكدن أن هذه الثورة هي ثورة مجتمعية أيضاً تعدت المطالب السياسية في اتجاه تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة.
وتوضح رانيا علي أن "حراك أكتوبر ساهم بالفعل في خلق المساواة بين الجنسين، فالمرأة الآن تمثل صورة القوة، فهي كسرت القيود الاجتماعية وساهمت في تحقيق نقلة حقيقية للمجتمع". وتلفت علي إلى أن المتظاهرات لم يهدمن "تقاليد صحيحة بل ساهمن في بناء مفاهيم جديدة صحيحة".
من ناحية أخرى، تقول ديانا فرج إنها تساهم مع والدتها بشكل مستمر في دعم الثورة، وتوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي وفّرت فرصة للتعرف إلى حاجات الساحة من مواد الطبخ والتنظيف، وهي تشارك بكل أشكال الدعم هذه عندما يتم الإعلان عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
أما الممرضة بنين هاشم، ففضلاً عن كونها مسعفة في إحدى المفارز الطبية، تقوم أيضاً بجمع التبرعات من الأهالي لتوفير مواد الطبخ الضرورية لتقديمها إلى المتظاهرين في ساحة التحرير.
وتذهب الممثلة والمخرجة زهراء غندور إلى أبعد من ذلك عندما توضح أن وجودها في الساحة ضروري لوجودها كإنسانة. وتقول "إذا تنازلت وانسحبت لن أرى نفسي بالطريقة التي أرغب في أن أراها، فالتذمر والجلوس في البيت لا يكفيان لخلق الأوطان بل لا بد من إيصال المطالب عبر هذه الساحات". وترى غندور أن "هذه الثورة هي بداية النهاية للطبقة السياسية وانتصار للجيل الذي نشأ على ظروف القتل والفساد التي أنتجتها الطبقة السياسية بعد عام 2003".
وتبدي إخلاص حميد، وهي إحدى المشاركات في التظاهرة، استغرابها من محاولة بعض الجهات الحزبية الطعن بأخلاق نساء العراق، موضحةً أن "دول العالم تمجد دور نسائها وعندنا تتم محاولة تحطيم أو توجيه الإساءة إلى دور المرأة الفعال في هذا الحراك".