لماذا أخلفت موعدنا يا بندر؟

لماذا أخلفت موعدنا يا بندر؟

راسم المدهون
حين يستعيد المثقف العربي في دمشق صداقاته سرعان ما يكتشف أن صديقه الأول الذي عرفه واستمرت صداقاته هو بندر عبد الحميد حتما. جمعتني مع الراحل بندر عبد الحميد سهرة أوائل السبعينيات، ومضى كلٌ منا في سبيله.. ذهبت إلى بيروت حيث كنت أعمل وحين عدت الى دمشق قابلته صدفة في الطريق، تحدثنا قليلا ودعوته الى قهوة في الفندق الذي كنت أقيم فيه.

فجأة رأيت الدهشة والغضب معا: أنت في فندق؟
سألني بلغة فيها الكثير من التأنيب، وقبل أن أحاول الإجابة طلب أن نذهب للفندق معا ليس لنشرب القهوة هناك ولكن لإحضار حقيبتي والعودة معه الى بيته "الاحتياطي" حسب "الأصول" كما قال لي يومها حرفيا.
بندر عبد الحميد غزال صحراوي حار القلب، بارد الانفعالات، أو لنقل إنه يعلي شأن المحبة إلى الحد الذي يجعل قلبه "المضافة" الأهم والأوسع والأجمل التي زرتها يوما ما في السبعينيات وبقيت من نزلائها العمر كله. ذلك البيت الصغير في أحد الأزقة المتفرعة من "شارع العابد" كان مفتوحا دائما حتى في غياب بندر عنه، وقد تصادف أن أحضر وأجد أشخاصا لا أعرفهم وكالعادة نتعارف ونصبح أصدقاء ونقضي السهرة معا.
كل من عرفتهم مرَت بعلاقتي معهم بمحطات اختلاف وحتى غضب إلا بندر الذي لم تسمح لي سجيته المنسوجة من الحب والتسامح أن أغضب مع أنني ظللت طيلة كل تلك العقود أنتظر لحظة ما نطلق عليها عادة لحظة "غضب الحليم" التي "ينفجر" فيها ويطلق لصوته العنان كي يرعد والتي لم ألتق بها ولو مرَة واحدة وإن كنت سمعت من أحد أصدقائي أنه رأى بندر فيها غاضبا ومتوترا قبل أن يهدأ فعرف كما قال لي الصديق يومها أن المغضوب منه ارتكب أمرا جللا لم يفعله أحد مع بندر من قبل.
هو شيء من روح سورية وجمالها، أو لأقل هو شيء أيضا من بداوتنا جميعا إذ نركض في "صحارينا الكبرى" بكل ما أوتينا من قوَة حتى ونحن لا نعرف – في أغلب الأحيان – وجهتنا المقصودة وهدفنا الذي نتوجه نحوه. كان يحلو لي أن أقرأ عليه قصائدي (وهي عادة لم أفعلها سوى معه ومع الراحل سعيد حورانية) وكنت أعرف أن بندر الهادئ والعذب كنبع سيقول لي رأيا صائبا في أغلب الأحيان.
هاتفته قبل مدَة وكان بعيدا عن بيته واتفقنا أن أهاتفه في أسبوع لاحق كي نلتقي ونسهر ولكننا لم نفعل.
بندر يا صديقي لماذا أخلفت موعدنا ومضيت؟