المطرب العراقي المنسي داود العاني

المطرب العراقي المنسي داود العاني

سلام نوري الربيعي
في تاريخ الغناء العراقي الكثير من المحطات المنسية ، وقد دأب العراقيون على نسيان من كانوا ملأ العين والاذن ، ولا يذكروهم الا لماما او في مناسبات طارئة ، والقائمة تطول .. ولكن هل تذكرتم صاحب اغنية : احبه واطيعة ، التي كنا نرددها بكل ود وفرح ؟ داود العاني الذي كنا نسميه العندليب العراقي تيمنا بالعندليب الاسمر عبد الحليم حافظ اود ان انقل لكم في هذه الاضمامة بعض ما قيل عنه ؟

يقول الاستاذ خالد جبر مستذكرا العاني:
أحببت المطرب الفنان دواد العاني منذ صباي وكنت متابعاً لأخباره الفنية واغنياته الجميلة وقد يكون هذا الاعجاب هو ما دفعني في شتاء عام 1961 الى الاستماع بشغف عبر المذياع الى لقاء اجراه معه المذيع المعروف مال الله الخشاب ، تحدث فيه عن حكاية اول اغنية له وهي اغنية (احبه واطيعه) حيث قال : بعد نجاحي في برنامج ركن الهواة والذي كان يعده ويقدمه الفنان كمال عاكف تم اعطائي كلمات اغنية (احبه واطيعه) وهو ما يعد فرصة كبيرة وقتها,وحفظت اللحن بدقة وانا سعيد جداً بأني سأصبح مطرباً معروفاُ متشوقا ليوم الخميس المحدد لتسجيل الاغنية..ولكن في منتصف ليلة الاربعاء توفي اخي الكبير رحمه الله وتحول بيتنا الى حزن وبكاء ونواح وكنت معهم من الباكين وعندما الصباح حل وجاءت معه حيرتي .. هل ساذهب لتسجيل الاغنية؟ ام ابقى في موكب العزاء وتذهب مني فرصة العمر الذهبية التي عشت انتظرها..كانت لحظات صراع صعبة جداً واخيراً قررت ان اذهب خلسة لتسجيل الاغنية بعد ان تركت العزاء وفعلاً وجدت الفرقة الموسيقية والمخرج وأديت الاغنية بصوت حزين والدموع تتساقط من عيني وظن المخرج والموسيقيون انني ابكي على كلمات الاغنية لانهم لم يكونوا يعلمون انني ابكي على اخي الذي توفاه الله. بقيت هذه الحكاية في ذهني كما ذكرت عام 1961. وتشاء الصدفة ان التقي هذا الفنان الكبير عام 1992 في كافيتريا دائرة الاذاعة والتلفزيون وكانت فرصة لأن استعيد معه حكاية اغنية (احبه واطيعه) فسردها لي مثلما تحدث بها عام 1961 وكان صادقاً صدوقاً ولم يضف كلمة واحدة مما جعلني احبه كثيراً ، وبعدها كثرت لقاءاتنا وفي احدى المرات سألته عن اعتزاله الغناء وهو صاحب الصوت الرائع فأجابني : تم منع عرض اغنياتي في الاذاعة والتلفزيون لانني غنيت اغنية عن الزعيم عبد الكريم قاسم وعند قيام مؤامرة 8 شباط 1963 تم اعتقالي من قبل الحرس القومي ، وهذا الاعتقال سبب لي كثيراً من الاحباط كما انا الان لا استطيع ان اشارك مع المجاميع التي تنشد : (من عمرنا على عمرك ياصدام) (ويا حوم اتبع لو جرينا) (ويمة البارود من اشتمه ريحة هيل)فانا كنت وما زلت محسوباً على الزعيم عبد الكريم قاسم..وبعد فترة من الزمن, وفي احدى لقاءاتنا , طلبت منه شريطاً صوتيا لاغنياته النادرة لانها غير موجودة في التسجيلات ووعدني قائلا: عند لقائنا في الاسبوع القادم سوف اهديك شريطاً مع صورتي الشخصية الملونة.. وفعلاً فرحت بهذه الهدية وجاء الاسبوع ولكنه لم يأت ورحت التمس الاعذار لتأخره واتخيل انه ربما كان مشغولاً ولكنني بعد ساعة من الانتظار شاهدت عامل الديكور يحمل لافتة سوداء فيها بخط عريض (انتقل أمس الفنان داود العاني الى رحمة الله) ووقفت أمام تلك اللافتة لأذرف الدموع على فنان عراقي كبير عاش بصمت ومات بصمت .
ويذكر الاستاذ عبد اللطيف المعاضيدي:
قلت خدماته الى فرقة الرشيد التي اصبحت الفرقة القومية للفنون الشعبية مع زملائه الاخرين، عبدالرحمن خضر، سعدي الحلي، جبار عكار، رحمهم الله جميعا.وبقى في هذه الفرقة تقريبا بلا عمل وبقى صامتا هادئا لا يُطالب ولا يطالب كان توجهه وانصرافه الى عائلته واولاده يؤدي الفرائض الدينية ولم يطالب بسفرات وايفادات مع الفرقة القومية التي كانت تجوب العالم واخيرا تم الاستغناء عنه في الفرقة مع زملائه سعدي الحلي وجبار عكار حيث تم نقلهم الى استعلامات الدائرة وكانوا يتقاسمون الوجبات (وجبات العمل) في الصباح حتى العاشرة ليلا اي ان استعلامات دائرة السينما والمسرح كان يديرها فنانون معروفون جماهيريا ولا ادري سبب وضع هؤلاء بهذا الموقع وهذه الواجهة.
يوم 10/11/2010 التقيت السيدة ام محمد زوجة المرحوم داود العاني في نقابة الفنانين وحدثتني عن آخر يوم في حياة الفنان قائلة: كنا ننام داخل البيت وينام المرحوم في سطح الدار لإصابته بداء الربو نزل الساعة 5.00 صباحا وكان مجهدا للغاية وقد ضاق صدره وطلب الدواء المعتاد وعند جلب الدواء وهي حبة مع قدح ماء. قال لي لا يمكنني بلع الحبة وشرب الماء لأني احس بان كل حواسي شلت عندها نلقناه للمستشفى وكنا نعتقد بانه قد اغميّ عليه كما يحدث كل مرة ولكن نتيجة الفحص تبين بانه فارق الحياة. رحم الله ابو محمد داود سلمان عبداللطيف العاني صاحب الخلق الكريم والنفس المهذبة.