في ذكرى احتلال بغداد في 11 آذار 1917..حقيقة بيان الجنرال مود الى اهالي بغداد

في ذكرى احتلال بغداد في 11 آذار 1917..حقيقة بيان الجنرال مود الى اهالي بغداد

باسم وحيد الربيعي
عندما تمكنت القوات البريطانية من احتلال مدينة بغداد في 11 آذار 1917بقيادة الجنرال ستانلي مود(S.MOOD) أتخذ البريطانيون أسلوباً يعتمد على التطمين المبني على الود تجاه العرب والمسلمين . حيث أصدرت وزارة الخارجية البريطانية اوامرها الى السير برسي كوكس بأعداد مسودة بيان لنشرها في بغداد.

وعلى أثر ذلك قام السير برسي كوكس بأعداد مسودة بيان وذلك في 18 آذار 1917، أكد فيها على إن بريطانيا تكن مشاعر ودية للغاية تجاه رجال الدين وسكان الاماكن المقدسة، وان القوات البريطانية ستعمل جاهدة على اتخاذ كافة التدابير والاحتياطات اللازمة للمحافظة على حرمة الاماكن المقدسة وحمايتها . فضلاً عن ذلك حماية كافة المراقد والمزارات المقدسة في جميع أنحاء العراق من أي ضرر خلال العمليات العسكرية.
ونتيجة للوضع الجديد الذي حصل بعد سيطرة القوات البريطانية المحتلة على مدينة بغداد، عملت هذه القوات على إهمال البيان السابق الذكر وتم اصدار اوامر الى الجنرال مود بأن يعلن للعراقيين إن القوات البريطانية جاءت الى العراق محررة وليست فاتحة. وقد أُعدَّ بيان من قبل السير مارك سايكس(MARK SAYX) وتم ارسالـه من لنـدن الى بغداد
لقد استاء الجنرال مود من هذا البيان حيث عده غير ملائم من كل الوجوه إذ إنه سوف ينعش آمال العراقيين ويجعلهم يطالبون بالحرية والاستقلال، في وقت يجب أن تبقى فيه سلطة الجيش البريطاني في الاراضي المحتلة هي السائدة وغير متنازع عليها. غير إن الحكومة البريطانيـة أهملت هـذا الاحتجاج ولم تستجب له.إذ وجه الجنرال مود بيانه للعراقيين في 19 آذار 1917.
وجاء في بيانه :
الغرض من معاركنا الحربية دحر العدو واخراجه من هذه الاصقاع واتماماً لهذه المهمة وجهت اليّ السلطة العليا المطلقة على جميع الأطراف التي تحارب فيها جنودنا، إلا إن جيوشنا لم تدخل مدنكم وأراضيكم بمنزلة قاهرين بل بمنزلة محررين، فقد خضع مواطنوكم منذ أيام هولاكو لمظالم الغرباء، فتخريب قصوركم وتجريد حدائقكم ومعاناة اشخاصكم وأسلافكم الاستعباد. ولقد سيق أبناؤكم الى حرب لم تنشدوها وجردكم القوم الظلمة من ثروتكم وبددوها في أصقاع شاسعة.
ومما يلاحظ على بيان الجنرال مود، تركيزه المستمر على الماضي الأليم وخضوع العراقيين الى السيطرة المغولية منذ عهد هولاكو حيث وصفهم بأنهم كانوا عبيداً لهم، وان العرب قد ضحوا بالكثير من أشرافهم في سبيل انتزاع الحرية من أيدي العثمانيين، مذكراً إياهم بأنهم خضعوا لمدة ستة وعشرين جيلاً سادها الشقاق الذي زرعه العثمانيين في سبيل مصلحتهم، وبين إن العثمانيين والالمان قد اتخذوا بغداد ولمدة عشرين عاماً مركزاً لمهاجمة نفوذ بريطانيا وحلفائها في ايران والبلاد العربية . وأشار البيان الى إن اطلاق كلمة اصلاحات على الاعمال البسيطة التي قام بها مدحت باشا هي باطلة وبدون جدوى تذكر.
وقد علل البيان بأن الغرض من المعارك الحربية في العراق هو دحر العدو (العثمانيين) واخراجهم من العراق، وان القوات البريطانية لم تدخل للعراق فاتحة وإنما محررة.
وأضاف البيان عزم بريطانيا والامم المتحالفة معها على أن تسمو الامة العربية من جديد عظمة وضياءً وأن تسعى وراء هذه الغاية بالاتحاد والوئام، وتلك هي أمنية جلالة ملك بريطانيا والدول العظمى المتحالفة معها .
وأشار البيان الى انه يجب على العرب أن لا يظنوا بأن بريطانيا تسعى لفرض أنظمة أجنبية عليهم وإنما تعمل جاهدة ضد سياسة التفرقة والشقاق).
لقد عرج البيان على الشريف (حسين بن علي) الذي استطاع طرد العثمانيين من الجزيرة العربية بالتعاون مع عرب الجزيرة وبالأخص الحجاز، وهو الآن حليف الأمم المحاربة ضد الدولة العثمانية وألمانيا، ويحكم بالاستقلال والحرية، واشار الى إن هناك عرباً آخرين في الجزيرة هم حلفاء لبريطانيا من أمراء نجد وعسير، كما أشار البيان الى إن هناك روابط تجارية ومصالح متبادلة ما بين العرب وبريطانيا منذ (مائتي سنة). وان بريطانيا تبذل أقصى جهدها من أجل الاهتمام بحرفكم التجارية، وتأمينكم من الظلم والجور العثماني) .
وقد دعا البيان المواطنين العراقيين الى المشاركة في إدارة مصالحهم الملكية بواسطة أشرافهم وكبار السن، من أجل معاضدة ممثلي بريطانيا السياسيين المرافقين للجيش بالانضمام الى أبناء جلدتهم شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً لتحقيق طموحهم القومي.
في حين نرى ان الادارة البريطانية مارست سياسة عسكرية تجاه العراقيين خلال سنوات الحرب العالمية الاولى، فقد فرضت حصاراً شمل جميع المناطق لكنه تركز على أهالي بغداد .
ففي الاول من أيلول 1917 أصدر القائد العسكري الجنرال مود بياناً آخر حدد فيه واجبات يجب أتباعها من أهالي بغداد، مشيراً الى إن القوات العثمانية قد اندحرت من جميع المناطق باستثناء الموصل ولقد تم استبدال تلك الحكومة بسلطة القائد العام في تولية أمرة قيادة القوات البريطانية، وبيّن الجنرال مود في بيانه بأن هناك جماعة من أهالي بغداد يجهلون ما عليهم من التزامات تجاه القوات البريطانية مما يؤثر على سمعتهم، وأشار البيان الى إن السكان المسالمين يتمتعون بحريتهم بشكل كامل في متابعة أعمالهم ووظائفهم الاعتيادية طالما يكون ذلك متلائماً مع الضرورات العسكرية لجيش الاحتلال البريطاني، وأضاف البيان بأنه يجب على العراقيين أن يكونوا طوعاً للمسؤولين البريطانيين وأن لا يشاركوا في الأعمال العدائية ضدهم.
كما حدد البيان عدة أعمال تعد ضارة لأمن القوات البريطانية وفعالياتها محذراً المواطنين من الوقوع فيها، وأشار الى منع حمل السلاح أو امتلاكه إلا بموافقة القوات المسلحة في أي منطقة تجري فيها الفعاليات العسكرية في كل من مدينة بغداد ونواحيها والبصرة ونواحيها، وحذر البيان من تزويد أو نقل المعلومات مهما كان نوعها الى القوات العثمانية، أو حمل الرسائل بين العدو والاشخاص الموجودين في المنطقة المحتلة. وحذر كذلك من تدمير الآلات الحربية ووسائل الاتصال مثل سكك الحديد والتلغراف والوسائل الاخرى بأي طريقة كانت، ومن التآمر على الجيش البريطاني أو أي عضواً فيه أو ضد الحكومة البريطانية، وشدد العقوبة على كل من يضلل القوات العسكرية عمداً ويرشدهم الى جهة مغايرة ومن يقدم العون للقوات العثمانية كتسهيل عملياتها ضد القوات البريطانية أو من يعمل لدى العثمانيين كمرشد أو تزويدهم بالامدادات والاموال وتوفير الماوى لهم .
وفي 2 تشرين الثاني 1918 كشف القائد العام للقوات البريطانية في العراق الجنرال وليم رين مارشال(MARSHAL) في خطابه الذي القاه، اثناء الاحتفال الذي أقيـم في بغداد لمساعدة جمعية الصليب الاحمر، عن مدى المعاناة التي عاشها أهالي بغداد والضغط النفسي الذي مرّ به البغداديون جراء سياسة الحكومة العسكرية تجاههم، وعبر في خطابه عن حسن نوايا بريطانيا تجاه العراقيون وانها سوف تقوم بتحقيق ما يصبو اليه العراقيون.
عن: رسالة (بيانات واعلانات الادارة البريطانية في العراق 1914-1921)