العلم للجميع

العلم للجميع

ريم قيس كبّة

كان العراقيون ذات سبعينات من القرن الماضي يجتمعون كل أربعاء أمام الشاشة الفضية في تمام التاسعة مساء بانتظار طلة الأستاذ القدير كامل الدباغ (رحمه الله) ليقدم لهم كل ما هو جديد ومثير من معلومات علمية واكتشافات ومنجزات حديثة..

فقد كان برنامجه ذائع الصيت “العلم للجميع مثار اهتمام الجميع أيام لم تكن القنوات التلفزيونية لتزيد عن قناتين فقط.. وأيام لم تكن المعلومة متاحة ولم يكن العلم للجميع مثلما هو اليوم.

لم يكن ذلك طبعا هو الشباك الوحيد الذي نتطلع منه إلى العالم.. فكانت الكتب والدوريات العلمية والمجلات والجرائد.. إلى آخره.. بيد أن كل ذلك يبدو محدودا قاصرا أمام ما يحصل الآن.. فاليوم وبفضل ثورة التكنولوجيا والمعلومات صار بإمكان أي امرئ أن يحصل على ما يشاء من معلومة أيا ما كانت ومهما كانت.. فيكفي أن نفكر في شيء ما أو أن نتساءل بشأن أمر ما حتى نفتح هاتفنا الذكي الصغير أو كمبيوترنا الشخصي.. لنجد ما نبحث عنه وبآلاف الصفحات.

وعلى الرغم من روعة هذا الأمر وأهميته.. إلا أن له من السلبيات أيضا ما يجعلنا نرتجف أحيانا لهول ما هو متاح للجميع من غث أو سمين ومن سيّء مفسد أو مفيد نافع.. فمثلما نستطيع أن نعرف ما نشاء..

يستطيع أولادنا أيضا بسبب هذا الثراء الهائل من المعلومات أن يعرفوا الكثير إلى حد الرعب.. فهم يأخذون المعلومة العلمية المفيدة مثلها مثل المعلومة التي قد تشرح لهم ببساطة ووضوح كيفية عمل قنبلة بيتية بأبسط المواد! ناهيك عن مواقع غسل الأدمغة التي ينشئُها المتطرفون باسم الدين.. فيجهزون بها على عقول أولادنا وأفكارهم.

وهنا تأتي أهمية التربية والنشء الصحيح الذي يتطلب متابعة واهتماما لا يمكن له أن يقارن بطبيعة اهتمام أهلنا بنا أيام كامل الدباغ وبرنامج العلم للجميع.. وهنا يكون للتوجيه والتحبيب والنصح دور دامغ في نوع الاهتمامات التي نستطيع تنميتها لدى أولادنا.. وإذ لا يمكننا بأي حال من الأحوال مراقبتهم والتجسس على ما يفعلون ولا يمكننا حرمانهم من تلك الأجهزة الذكية التي أصبحت بيد الجميع.. فإن ما يمكننا أن نفعله إزاء ذلك هو الاهتمام أكثر بهم.. ومعرفة ما يثيرهم ويهمهم لعلنا نستطيع أيضا أن ندخل عالمهم ونشاركهم فيه.. فلا يضيعون منا بسبب معلومة خاطئة.

ومن جانب آخر.. نستطيع نحن أيضا أن نتعلم مثلهم ومعهم.. وأن ننمي خبراتنا ومعلوماتنا.. فمن أهم فوائد التكنولوجيا اليوم أننا نستطيع أن نتعلم ما نشاء وأن نطور أنفسنا عبر مواقع لا تحصى ولا تعد تمكننا من إتقان مهارات جديدة وتحقيق أحلام قديمة مجانا ونحن في أي مكان.. وغالبا دون حتى أن نغادر كرسينا المفضل.

وكل ما سنكون بحاجة إليه سنجده في متناول أصابعنا التي ما إن تضغط على لوحة المفاتيح بكلمة السر المراد معرفة تفاصيلها حتى يتبدى لنا غوغل بعبارة شبيك لبيك.. ليسطر لنا كل ما نريد أو نحلم به من معلومة أو صورة أو صوت أو تسجيل أو أغنية أو لعبة أو طرفة.. فقد أصبح العلم للجميع.. دون أي استثناء.صباحكم ثراء معرفي..