لماذا أختير يوم 8 شباط 1963 لتنفيذ الموآمرة ؟

لماذا أختير يوم 8 شباط 1963 لتنفيذ الموآمرة ؟

نـزار علـوان عبـد الله

على الرغم من الواجهة الحزبية التي أصبغت على انقلاب 1963, الا انه كان في صلبه من عمل الضباط الذين قرروا ان يختلقوا أو يقيموا ما هو في حقيقته نظام سياسي عسكري رغم ما تظهر به امام الرأي العام من مظاره عقائدية.

فبعد الانفصال الذي حصل في اللجنة القومية العليا للضباط الاحرار في أيلول 1961 وأنقسامها الى كتلة قومية , وكتلة بعثية , أقترح المقدم الركن صالح مهدي عماش عضو المكتب العسكري لحزب البعث أن تشكل

من ضباط المجموعة البعثية (المنشقة) ومن الضباط من ذوي الرتب العالية في الجيش من الذين سيتم كسبهم لاحقاً للحزب بما يسمي ( اللجنة الاستشارية) , توضع على عاتقها مهمة التخطيط والاعداد لانقلاب عسكري من الناحية الفنية والعسكرية ويكون ارتباطها بقيادة حزب البعث مباشرة.

اقتصرت اللجنة الاستشارية في بداية تكوينها على العناصر البعثية التي خرجت من اللجنة القومية العليا وهم العقيد احمد حسن البكر والمقدم الركن صالح مهدي عماش والمقدم الركن عبد الستار عبد اللطيف

والمقدم الركن خالد مكي الهاشمي والرئيس أول ركن طيار حردان التكريتي,ثم أضيف الى عضويتها في وقت لاحق كل من العقيد الركن عبد الكريم مصطفى نصرت والعقيد ذياب العلكاوي والرئيس الركن انور عبد القادرالحديثي والرئيس الطيار منذر الونداوي.

تولى المقدم الركن صالح مهدي عماش قيادة اللجنة الاستشاريةومهمة التنسيق بينهما وبين قيادة حزب البعث , وكانت اجتماعات اللجنة الاستشارية والاشراف عليها تتم من قبل امانة سر القطر بزعامة علي صالح السعدي وعضويته كل من حازم جواد وطالب شبيب غير ان اللجنة الاستشارية لم يكن لها اية علاقة بالمكتب العسكري , فقد كتم عنها وجود المكتب العسكري, اما المكتب العسكري فكان له علم عن وجود اللجنة الاستشارية ومهمتها الاساسية في التخطيط لانقلاب عسكري, وقد اشرك حزب البعث المقدم الركن صالح مهدي عماش في عضوية المكتب العسكرية واللجنة الاستشارية معاَ.

ومنذ اواسط عام 1962 بدأ عمل اللجنة الاستشارية يأخذ طابعاً اكثر جدية عندما أقرت القيادة القطرية في اجتماع استثنائي لها عقد في نيسان عام 1962 في دار فائق البزاز عضو قيادة فرع بغداد مسالة تسلم الحزب للسلطة واجراء التغيرات السياسية المطلوبة(4), وكلفت لذلك اللجنة الاستشارية لتأخذ على عاتقها وضع الخطط اللازمة لتنفيذ انقلاب عسكري يقوده حزب البعث, ومنذ ذلك الحين كانت اللجنة الاستشارية بمثابة القيادة العسكرية للتحرك العسكري والسياسي وضعت تحت تصرفها كل امكانات الحزب السياسية والعسكرية. أعد خطة الانقلاب كل من المقدم الركن صالح مهدي عماش والمقدم الركن عبد الستار عبد اللطيف والمقدم الركن خالد مكي الهاشمي, وكانت الخطة الاولى تعتمد على القوات الارضية المدرعة والمحمولة فضلاً عن ضباط الحزب ومؤيديه في مقر وزارة الدفاع دون اشراك القوة الجوية. بعدها عدلت الخطة وادخلت القوة الجوية كعامل من عوامل نجاحها, عندما اقترح الرئيس الطيار منذر الونداوي استخدام قاعدة كركوك الجوية في توجيه الضربة الاولى الامر الذي سيعطي قاعدة الحبانية الجوية وضباطها وقتاً كافياً للدخول في المعركة.

درست الخطة ردود الفعل المحتملة من عبد الكريم قاسم , واتفقت على حتمية توجهه الى مقر وزارة الدفاع حال تنفيذ الانقلاب بسبب كونه مقراً لقيادة الحكومة, الامر الذي يسهل عليه الاتصال بجميع القطعات العسكرية, كما ركزت الخطة على كتيبة الدبابات الرابعة التي تبعد عن بغداد مسافة (20) كم في معسكر ابي غريب والتي كانت بأمرة المقدم الركن خالد مكي الهاشمي عضو اللجنة الاستشارية الذي نجح في حشد عدد لا بأس به من الضباط وضباط الصف والجنود الى جانب حزب البعث من كتيبته بالتعاون مع مديرية الحركات العسكرية.

ركزت الخطة ايضاً على عقد الصلات مع العناصر العسكرية من الضباط ذوي التوجه القومي المناهضين لسياسة عبد الكريم قاسم من الذين هم في مواقع عسكرية مؤثرة للاستفادة منهم في مساندة الانقلاب وانجاحه ومن هؤلاء العقيد طاهر يحيى التكريتي والعقيد رشيد مصلح التكريتي والعقيد عبد الغني الراوي والعقيد الركن الطيار عارف عبد الرزاق والمقدم عبد اللطيف حسن الحديثي والمقدم سعيد صليبي والمقدم حسن النقيب والرئيس اول حميد التكريتي.

بقيت تلك الخطة تحضى بالمراجعة الدائمة والاغناء المستمر على مستوى القيادة العسكرية- التي كانت تضم الى جانب اعضاء اللجنة الاستشارية علي صالح السعدي وحازم جواد وطالب شبيب- الى ان حددت ساعة الصفر لتنفيذها يوم 18 كانون الثاني 1963.

وعلى الرغم من التكتم الشديد على موعد تنفيذ الانقلاب العسكري, الا أن ثمة تقارير من مديرية الاستخبارات العسكرية رفعت الى عبد الكريم قاسم تحدثت عن مؤامرة وشيكة ستقع في شهر كانون الثاني من عام 1963, الا انه لم يتمكن من معرفة غير بعض اسماء الضالعين فيها. فأمر بأحالتهم على التقاعد في 6 كانون الثاني بمن فيهم المقدم جابر حداد والمقدم صبري خلف من كتيبة المدرعات. ومع ذلك فأن قلب المؤامرة لم يمس واجل موعد التنفيذ الى 26 شباط ثاني أيام عيد الفطر, لكن عبد الكريم قاسم عاد ليحيل (80) ضابطاً على التقاعد من ذوي التوجه القومي يومي 3 و 4 شباط , وفي 2 شباط اعتقل المقدم الركن صالح مهدي عماش الذي كان حلقة الاتصال بين اللجنة الاستشارية وبين القيادة القطرية لحزب البعث.

وفي ضوء تلك المستجدات وخوفاً من مزيد الاعتقالات قررت القيادة العسكرية تقديم موعد الانقلاب الى يوم 8 شباط. جاء ذلك في اجتماعها المنعقد في 4 شباط 1963 في دار طالب شبيب في العطيفية بحضور كل من العقيد احمد حسن البكر والعقيد الركن عبد الكريم مصطفى نصرت والعقيد ذياب العلكاوي والمقدم الركن عبد الستارعبد اللطيف وعلي صالح السعدي وحازم جواد وطالب شبيب.

غير ان الامور باتت اكثر تعقيداً لحزب البعث بعد اعتقال أمينه العام علي صالح السعدي يوم 5 شباط , مما حمل اعضاء اللجنة الاستشارية على استلام المسؤوليات الكاملة لتنفيذ الانقلاب بقيادة العقيد احمد حسن البكر الذي استلم قيادة اللجنة الاستشارية بعد اعتقال المقدم الركن صالح مهدي عماش.

وضع احمد حسن البكر خطة التحرك الكاملة ضد عبد الكريم قاسم وقام بتوزيع الواجبات والمهام الاساسية على الضباط المنفذين في الاجتماع الاخير للقيادة العسكرية المنعقد يوم 7 شباط في دار المقدم عبد اللطيف الحديثي وضم كل من العقيد احمد حسن البكر والعقيد الركن عبد الكريم مصطفى نصرت والعقيد ذياب العلكاوي والرئيس الركن أنور عبد القادر الحديثي والرئيس الطيار منذر الونداوي وطالب شبيب.

أنطلقت العناصر العسكرية المبلغة بالتنفيذ الى مقر كتيبة الدبابات الرابعة في أبي غريب في الساعة السابعة صباح اليوم الثامن من شباط 1963, ليبدأ من هناك فصل جديد في تاريخ العراق السياسي المعاصر.

عن رسالة ( الدور السياسي للنخبة العسكرية في العراق1958 ــ 1963)