غرفة تجارة بغداد في عهدها الأول في العشرينيات

غرفة تجارة بغداد في عهدها الأول في العشرينيات

د . صــلاح عريبي العبيدي

بعد قيام الحكم الوطني في العراق ، أصبحت الضرورة ملحة لتأسيس غرف التجارة ، وقد صدرت العديد من الدعوات في صحف البلاد المحلية تطالب الحكومة بتأسيس الغرف التجارية، لذلك سنت الحكومة العراقية ، بعد حصول موافقة مجلسي النواب والأعيان ،

قانون غرف التجارة ذي الرقم (40) لسنة 1926 حيث أعدت وزارة العدل مسودة لائحة هذا القانون في عهد حكومة عبد المحسن السعدون (26حزيران 1925 ـ تشرين الثاني 1926) ، وقد عرضت على مجلس النواب الذي استغرق بدراستها عدة جلسات في دورته الانتخابية الأولى وعرضت بعدها على مجلس الأعيان في دورته الأولى في الجلسة (28) في حزيران 1926 ليخرج بعدها بصيغته النهائية ،

وبموجب هذا القانون جرت في 28 ايلول 1926 انتخابات اللجنة الإدارية لغرفة تجارة بغداد عن طريق الاقتراع السري، وبنتيجة الانتخابات فاز (15) عضوا. جرت الانتخابات في رويال سينما وحضرها وزير المالية صبيح نشأت الذي دعا الى تشكيل ادارة من (15) عضوا يكون أحد المصارف عضوا في أدارتها وثلاث شركات أجنبية كبيرة وخمسة من التجار المسلمين على ان يكون أحدهم إيرانيا ، وخمسة من التجار اليهود وواحد من التجار المسيحيين ، وربما كان يقف وراء دعوة الوزير ضغوط أجنبية ويهودية للسيطرة على غرفة تجارة بغداد. فاز في الانتخابات ح كل من : محمود الاطرقجي (ايراني ،مسلم) ، وايتWight (بريطاني ، مسيحي) ، قاسم باشا الخضيري (عراقي ، مسلم) ، باتي G.r.Battay (بريطاني ، مسيحي) ، نوري فتاح ( عراقي مسلم )يعقوب يوسف عاني(عراقي ، يهودي) ، يهودا ازلوف (عراقي ، يهودي) ، عبد المجيد حمودي (عراقي ، مسلم) ، خضوري شماس (عراقي ، يهودي) ، سرزا فرج (ايراني ،مسلم) ، وينل داود ساسون (بريطاني ، يهودي) ، صهيون عبودي (عراقي ،يهودي) ، كرجي عبودي (عراقي ، يهودي) ، الياهو العاني (عراقي ، يهودي) ، محمد الحاج خالد (عراقي ، مسلم) .

في عام 1936 أرسلت وزارة الداخلية كتابا الى الغرفة يشير الى اختلاف مواعيد العطلات الأسبوعية المتبعة لدى المحلات التجارية ، الأمر الذي يؤدي الى عدم التنسيق ، وعرقلة المعاملات التجارية ، ويوضح ضرورة القيام بتشريع موحد يعين فيه يوم الغلق الأسبوعي أسوة بالدول الغربية ، وفي الوقت نفسه طلبت وزارة المالية من الغرفة تحديد يوم العطلة الأسبوعية ، وساعات العمل لمستخدمي المحال التجارية ، وللنظر بهذا الموضوع عقدت غرفة تجارة بغداد عدة جلسات تميزت بحرص الأعضاء اليهود على جعل يوم الأحد يوما للعطلة ، وحرص عضو الغرقة الصناعي والتاجر العراقي نوري فتاح على ان تكون العطلة التجارية الأسبوعية يوم الجمعة وهو يوم العطلة الرسمية ، غير ان ما عرضته الغرفة من آراء حول عطلة يوم الجمعة لم يؤخذ به ، وربما كان ذلك بسبب ضغط اليهود وقوة نفوذهم في الحياة التجارية انذاك ، وفي العام نفسه اختلفت دائرة الكمارك والمكوس مع الآسرة التجارية بسبب الاختلاف في أطوال القماش المستورد ، فاقترح نوري فتاح جلب الة ذراع على غرار الآلة المستخدمة في المصانع واستخدامها لتزول بذلك أسباب الاختلاف في ذراع المنسوجات .

أول مؤتمر عقدته غرف التجارة العراقية في بغداد في 23 حزيران 1930 ، والذي عقد بمشاركة الغرف التجارية الثلاث في بغداد والموصل والبصرة ومثل غرفـة تجارة بغداد نوري فتاح كل من : قاسم الخضيري (رئيس الغرفة) ، محمد جعفر ابو التمن (نائب الرئيس) ، الياهو العاني (سكرتير الغرفة) وبقية أعضاء اللجنة الإدارية ،اما ممثلوا غرفة تجارة البصرة فهم : عبد الله جلبي (رئيس الغرفة) ، مصطفى الحاج طه جلبي السلمان (سكرتير الغرفة) ، يوسف عبيد (عضو) ، فـي حين مثل غرفة تجارة الموصل حمدي جلميران (سكرتير الغرفة) . ا) ، وكان العراق وقت انعقاد المؤتمر يمر بظروف مالية صعبة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية (1929ـ1933) وتأثيرها على الاقتصاد العراقي ، لذلك ركز أعضاء المؤتمر اهتمامهم حول مخاطرة هذه الأزمة ، وكيفية أيجاد السبل الكفيلة لتجاوزها ، وقد رفع المؤتمرون في ختام جلساتهم تقريرا الى رئيس الوزراء نوري السعيد (23اذار1930 ـ تشرين الاول1930) تضمن تأثير الأزمة وطرق معالجتها .

وعقدت في المؤتمر الاقتصادي الثاني لغرف التجارة العراقية الذي عقد في 5 تشرين الثاني 1941 في ظل ظروف الحرب العالمية الثانية التي عانى من آثارها العراق كثيرا منذ النصف الثاني من عام 1941 بسبب المتغيرات الدولية التي نتج عنها ظاهرتا ارتفاع الأسعار ، وشحة المواد المستوردة. بدأ الاجتماع بحضور رئيس وأعضاء غرفة تجارة بغداد ، وحضر الاجتماع محمد فريد الجادر عن غرفة تجارة الموصل ، ومحمد سلمان العقيل عن غرفة تجارة البصرة ، وقد افتتح الاجتماع محمد كامل الخضيري رئيس غرفة تجارة بغداد ، ثم تحدث الجادر بشأن أسعار الحنطة ، وأشار الى تحديد الأسعار في الموصل أثناء الحرب العالمية الأولى ، وكيف أدى ذلك الى خلاف الغاية المقصودة ، فاختفت كميات الحنطة وجرى البيع سرا بأضعاف السعر المقرر ، وارتأى ان تنشئ الحكومة مخابز كافية لتجهيز الأهالي بالخبز ، وقد ايده في ذلك السكرتير عزرا العاني ، لكنه عارض فكرة التوصية بتحديد أسعار الحنطة الا اذا وجدت ضرورة لذلك ، واشار مندوب غرفة تجارة البصرة الى ما تقوم بنشرة الصحف من المعلومات غير الدقيقة والمبالغ فيها عن الموضوع الأمر الذي احدث تشويشا في الراي العام العراقي ، وبعد عدة مناقشات في الموضوع طرح نوري فتاح مسألة الاتفاق مع بريطانيا بشأن تأمين حاجات الاستهلاك المحلي للعراق ، وتشجيعا للمطاحن الوطنية عارض نوري ما أوصت اللجنة الفرعية المشكلة والمتضمن إلغاء رسم الوارد الكمركي على الطحين ، لكن رد عليه ابو التمن قائلا :” ان راي اللجنة الفرعية هو وجوب التضحية بمصالح عدد من المطاحن في سبيل تيسير أسباب العيش الضرورية ، وتخفيض أسعار الطحين ، لان الطحين المستورد ارخص كلفة من الطحين المحلي ، وفي ختام الاجتماع قدم المجتمعون تقريرا الى وزارة الاقتصاد يتضمن السبل الكفيلة بمعالجة ظاهرة ارتفاع الأسعار .

اما على المستوى الدولي ، فقد ترأس نوري فتاح وفد غرفة تجارة بغداد المشارك في المؤتمر الدولي للتجارة ، الذي عقد في مدينة اتلانتيك الامريكية للفترة من 10 ـ 8 تشرين الثاني 1944 ، وكان جدول الأعمال يتضمن مناقشة امور عديدة منها : سياسة العالم التجارية بعد الحرب ، والتشبث الفردي في التجارة ، والعلاقات النقدية بين الأمم ، وسياسة النقل الجوي والبحري ، وتشجيع استثمار النقود.

عن رسالة :الدور الاقتصادي للبرجوازيين الوطنيين في المشرق العربي حتى ستينات القرن العشرين .