في ذكرى الصحفي حميد رشيد

في ذكرى الصحفي حميد رشيد

يوسف عويد

في حوالي الساعة السادسة من مساء يوم (18) شباط 1969 ، تلقيت عبر الهاتف نبأ فجيعتنا بوفاة العزيز حميد رشيد ، ولم اصدق في بادئ الأمر وكيف أصدقه .. إننا افترقنا ظهر نفس اليوم ، أيمكن أن يرحل عنا أبو رياض بهذه السرعة الخاطفة غير المتوقعة .. هل جرى له حادث ما ؟

انه لما يزل في أوج حيويته ونشاطه ، لم يشك يوماَ من مرض أو الم طيلة مدة صداقتنا منذ سنة ( 1946) ..أغلقت الهاتف وأسرعت خارج المطبعة كالمجنون وبين مصدق ومكذب ورجعت وأنا اردد انه الآن في المستشفى ما لعمل ؟ اندفعت إلى الخارج مرة ثانية قاصداً المستشفى ، دخلتها وأنا أتطلع في الوجوه بذهول لعلي أجد أحدا من الزملاء ، وإذا بصوت ام رياض يناديني بعبارات متقطعة ، أنهم منعوني من الدخول ، اذهب لتستجلي الحقيقة عن أخيك وما خطبه ،وهناك في إحدى غرف المستشفى رأيت مصيره الفاجع .

أن حميداً وقع شهيداً في ميدان الصحافة وهو يؤدي واجبه في أدارة جريدة الثورة التي كان يعمل فيها رئيساً لقسم الترجمة وبوفاته خسرت الصحافة العراقية جندياً من ابرز جنودها كفاءة وخلقاً ونزاهة ، لقد رحل حميد رشيد قبل أوانه وهو في مرحلة النضج والنبوغ والإبداع في كل المجالات العلمية ، والأدبية والسياسية ، وكان يمتلك قدرة هائلة على تعلم اللغات ، حيث أتقن اللغة الانكليزية بمفرده وكان أول مذيع فيها بعد ثورة 14 تموز من إذاعة بغداد ، وكذلك تعلم اللغة الفرنسية في ظرف ستة اشهر قضاها في سجن الكوت عن طريق بعض الكتب الفرنسية سنة 1962 ، والى جانب ذاك كان راسخ العقيدة بمبادئه الإنسانية الحقة ، وعزمته السجون أكثر من مرة ، وكان يخرج في كل مرة ليستأنف مسيرته في الحياة بعزيمة أقوى وأيمان ارسخ ، انه لم يفقد ثقته المطلقة بالشعب الكادح وفي المستقبل ، كانت لوفاته رنة حزن وأسى بين جميع معارفه وزملاءه تجلت بشكل بارز على صفحات الصحف وأثناء تشييع جثمانه الطاهر الى مثواه الأخير قبل عام مضى ، والآن فان الواجب على كافة الصحفيين أحياء ذكراه وفاءاً للصحفي التقدمي والصديق الصدوق ، وتثميناً لخدماته الجليلة في حقلي الصحافة والأدب ، وخدمته للحرف وتقديسه للكلمة النيرة الطيبة والتي أفنى حياته من اجلها ، وليبقى خالداً بيننا إلى الأبد .

أن الكلمة الشريفة التي التزم بها الصديق الراحل يجب أن تنهض اليوم لتحيي فيه إصرار الإنسان وقدرة الصحفي والتزامه بقضايا شعبه ومبادئ مهنته فقد قدم الزميل الراحل الكثير منذ أن دخل ميدان الصحافة في سنوات شبابه الأولى ، وقد تعرض خلال رحلته الحياتية إلى الكثير من ظروف الضغط والتشرد والبطالة ، ولكنها لم تعمل الا على زيادة إصراره في المضي على نفس الطريق الذي انتهجه لنفسه .

لقد كان حميد رشيد من النماذج الصحفية والإنسانية والتقدمية الأصيلة وقد كان الكفاح المستمر شارة مضيئة في طريق حياته ونضاله ومهنته ، فقد كان رجلاً عصامياً علم نفسه بنفسه ، وكان انساناً شريفاً دخل السجن أكثر من مرة التزاماً منه بنضال وتطلعات شعبه ، وكان فناناً موهوباً قدم لتطور الصحافة العراقية الكثير من الجهد والإبداعات ،.

مات الصحفي الإنسان مبكراً وبعد أن قدم أعصابه وحياته هدية للكلمة الحرة الشريفة وللطيبين من أبناء شعبه ولكنه سيظل حياً مادامت الكلمة الحرة الشريفة حية مع كل نبضة حياة ، وسيظل باقياً مادام الطيبون من أبناء الشعب باقين يملاؤن كل زمان ومكان .

تحية إلى الصحفي الراحل في ذكراه ... وتحية إلى كل صحفي وإنسان أعطى أكثر مما اخذ.