حديث الذكريات مع الراحل حميد رشيد

حديث الذكريات مع الراحل حميد رشيد

معاذ عبد الرحيم

الحديث عن الراحل الصحفي والكاتب والمترجم حميد رشيد والنقابي السياسي حديث طويل ، فقد رافقته كمدير تحرير جريدة الجمهورية بعد ثورة 14 تموز بعد أن كانت من قبل جريدة الشعب ليحي قاسم ،آنذاك وبتوجيه من قيادة الثورة خاصة من قبل عبد السلام عارف وفؤاد ألركابي استلمنا مطبعة جريدة الشعب وقد أصدرنا مكانها جريدة الجمهورية لسان حال ثورة 14 تموز ،

فوجدنا أمامنا صحفيين عمالقة مثل المرحوم حميد رشيد ومحمد حامد ومنير رزوق وزهير القيسي وصحفيين آخرين ، فصرنا أمام حالتين ، الأولى إن هناك بعض المتحمسين الذين اعتبروا جريدة الشعب هي جزء من النظام الملكي المباد وعليه فيجب أن لا نفتح المجال لصحفييها باعتبارهم من النظام السابق ، ولكني وقفت موقفاً مهنياً تشبثت ببقاء هؤلاء الصحفيين في مكانهم يمارسون العمل نفسه الذي كانوا يمارسونه عند عملهم في جريدة الشعب ، وتمسكت ببقائهم لسببين في الواقع ، السبب الأول سبب مهني ونقابي أنهم مهما اختلفنا فهم زملاء ، وعندما كانوا يعملون في جريدة الشعب ليحيى قاسم لم يكونوا على علاقة سياسية به بقدر ما كانوا صحفيين مهنيين يمتهنون عملهم الصحفي بجدية ، وآزرني في موقفي الدكتور سعدون حمادي.

وهكذا بقي الصحفيون العاملون في جريدة الشعب في جريدة الجمهورية التي كان رئيس تحريرها سعدون حمادي وكان أستاذا في كلية الزراعة في أبو غريب في النهار وفي المساء يأتي إلى الجريدة ليكتب المقال الافتتاحي ، وأنا كنت وبعض زملائي ومنهم سجاد الغازي مثابرين لإصدار الجريدة وتهيئة موادها وكان الاعتماد الكبير على الراحل حميد رشيد وزملائه ، في الواقع كان كل واحد من هؤلاء الزملاء الأعمدة العالية في الصحافة العراقية ، محمد حامد يأخذ الأخبار المحلية تحريرا وتبويبا ، ومنير رزوق الصفحة الأولى ، وحميد رشيد رحمه الله الكتابة والترجمة ، فأستطيع أن أقول انه كان ملما بجميع مضامين الصحافة إضافة إلى الترجمة ، وبقينا نعمل إلى حين إغلاق الجريدة من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم ،و اعتقالي مع فيصل حبيب الخيزران وعلي صالح السعدي وستار الدوري ، وبعد إطلاق سراحي عدت للعمل الصحفي ، وفي عام 1967 صار اتجاه لدى كثير من الزملاء الصحفيين بان أرشح نقيبا للصحفيين مقابل المرحوم عزيز بركات تحت اسم ( قائمة الصحفيين المهنيين ) وكان اجتماعنا في بيت المرحوم حميد رشيد في منطقة القادسية ورتبنا وضعنا من حيث الاتصال بزملائنا الصحفيين والدعوة لانتخابي نقيباً للصحفيين .

وحدثت آنذاك تدخلات من أجهزة الأمن بالضغط على عناصرنا بشتى التهم الشيوعية وغيرها حتى يروجون لإسقاطي وانتخاب صديقنا المرحوم عزيز بركات ، ولما وجدت أن الأمن سيتوسعون باعتقال وإزعاج عناصر مهنية من المؤيدين لانتخابي والمؤيدين لقائمتنا المهنية فضلت مع بعض الأخوان أن ننسحب ونترك الموضوع لانتخاب عزيز بركات حتى لا نعطي تضحيات لأجل أن يكون معاذ عبد الرحيم نقيباً ، وأعلنا قرارنا باجتماع في بيت المرحوم حميد رشيد ، وقسم من الأخوان لم يلتزموا بذلك القرار ، ذهبت أنا أمام الحاكم بنفس يوم الانتخابات وأعلنت مقاطعتنا للانتخابات مع زملائي المهنيين الآخرين ، فكان الناشط في هذه العملية المرحوم حميد رشيد لذلك كان اجتماعنا الأول والثاني في بيته للوصول إلى نهاية المطاف .

ومما اذكره إن الراحل كونه صحفياَ كفوءاَ تحرص اغلب الصحف الاستفادة من مواهبه ومن قدراته الصحفية ولذلك كان يحيي قاسم متمسكا به في جريدة الشعب وبعد ذلك نحن تمسكنا به وبزملائه في جريدة الجمهورية ورفضنا أن نمس حتى رواتبهم ، فكانت الاستخبارات في وزارة الدفاع هي التي تشرف على مالية جريدة الجمهورية . وقد اتصل بي المرحوم رفعت الحاج سري مدير الاستخبارات وقال لي بان الشهر على وشك أن ينتهي ولم تزودني برواتب المحررين ، وقد كنا آنذاك شبابا متحمسين ولم نفكر في موضوع الراتب وما شاكل ، وقد نبهنا المرحوم رفعت الحاج سري إلى هذا الموضوع ، فسجلت أسماء رئيس التحرير سعدون حمادي وأنا وسجاد الغازي والمرحوم حميد رشيد والزملاء الآخرين وأخذت القائمة وذهبت إلى وزارة الدفاع ، وقد بقيت نفس الرواتب التي كان يأخذها المرحوم حميد رشيد حيث كان يتسلم ( 100) دينار في ذاك الوقت ، كانت المائة دينار كبيرة جدا ، أما أنا وزملائي فقد وضعت لهم رواتب أدنى من ذلك بكثير وهم سعدون حمادي وأنا وسجاد الغازي الذين التحقنا بجريدة الجمهورية .

وكان بعض الزملاء عندما أخذت القائمة لوزارة الدفاع اعتقدوا باني سوف اقلل من رواتبهم أو أعطي راتبا لسعدون وسجاد ولي بمبلغ أكثر ، إلا إنني ابقيت الرواتب كما هي في زمن جريدة الشعب ، ثم شعرت بعدها بأنني جنيت ليس على نفسي فقط وإنما جنيت على سعدون وعلى الأخ سجاد الغازي والمرحوم حميد رشيد مقارنه بزملائنا الصحفيين الآخرين نقول وبدون مجاملة كان في القمة من ناحية العمل المهني والصحفي ومتعدد المواهب والاختصاصات ، تحرير خبر ، كتابة مقال سياسي ، ترجمة من الصحف العالمية المهمة عن أحداث الحالات السياسية والدولية والإقليمية . وأنا لم اهتم في يوم ما وأنا في ذاك الوقت كنت في حزب البعث بالخلافات السياسية فقد احترمنا موقفه كيساري وهناك مجموعة في حزب البعث توجهها يساري منذ البداية وأنا كنت واحد منهم ، لم نكن نقف مثل بعض القوميين ضد اليساريين ولم نشعرهم بأننا لدينا موقفاً ضد توجههم السياسي ، بعد ذلك انقطعت علاقتي بالصحافة فترة وعدت إلى مدينتي الناصرية وبعدها رجعت إلى بغداد وواصلت عملي في جريدة الحرية لألتقي مرة أخرى بالزميل المرحوم حميد رشيد في موضوع نقابي كما ذكرت سابقاً.

أعد المرحوم حميد رشيد من أحسن واقدر الصحفيين الذي شهدتهم الصحافة العراقية وهذه شهادتي أقولها بكل صدق وصراحة وان كنت مديراً لتحرير الجريدة فقد استفدت من الراحل حميد رشيد وزملائه الكثير من مفاصل العمل الصحفي.

كان حميد رشيد هادئ وقليل الكلام وشفاف ويرسم علاقاته للآخرين بشكل رائع، وكان محبوباً من مختلف الصحفيين مهما كانت آراؤهم السياسية سواء كانوا شيوعيين او قوميين ديمقراطيين وغيره ، وكان رحمه الله موضع اعتبارهم و قدوتهم .

في العهد الملكي البائد كانت يد السلطات خفيفة على اليساريين ففي حالة حدوث إي شيء يتم اعتقالهم ، وخاصة الشيوعيين البارزين في الصحافة وعلى رأسهم حميد رشيد فكثيرا ما يتعرضون للاعتقالات ، وعندما توفي حميد رشيد لم أكن موجودا ففي عام وفاته في سنة 1969 تعرضت للاعتقال فاختفيت فترة فانقطعت عني أخبار زملائي .

هذه هي شهادتي وذكرياتي عن الراحل حميد رشيد نقلتها بصدق وصراحة.