حميد رشيد..الماركسي المتصوف...

حميد رشيد..الماركسي المتصوف...

سجاد الغازي

حميد رشيد ... الأخ والصديق والزميل والإنسان ... الزاهد المتواضع المسالم الهادئ خفيض الصوت ... الصحفي والإعلامي ... المترجم والأديب ... صاحب الذائقة الفنية ... السياسي والمناضل والحكيم ... الأنيق المتأنق شكلاً وملبساً وكتابة ... النظامي الملتزم قانوناً وعقيدة ...الأستاذ ، في الصحافة والكتابة والترجمة والأدب والتفسير في القانون والفلك والعلوم ... مثال الإنسان المثقف الذي يعرف أكثر من شيء عن كل شيء .

كيف اجتمعت كل هذه الصفات في شخص واحد ...؟ انه الإنسان المتميز والمتفوق ، بل قل العبقري ...وهكذا كان حميد رشيد ، محموداً ومرشداً.

أجيال الرواد

وهو حسب تسلسل تصنيفي لأجيال رواد الصحافة العراقية يأتي ضمن الجيل الثالث من الرواد الذي يبدأ انتسابه للمهنة الصحفية من منتصف الثلاثينيات وعايشوا الأربعينيات والخمسينيات واستمروا إلى الستينيات وربما السبعينيات ايضاً ، وضم هذا الجيل من الرواد (دون الأخذ بتسلسلهم الزمني ) المبدعين :

1_ محمود عبد الكريم

2_ فيصل حسون

3_ توفيق السمعاني

4_ جبران ملكون

5_ مراد ألعماري

6_ سليم البصون

7_ صبيح الغافقي

8_ صادق الازدي

9 _ الياس وزير

10 _إبراهيم علي

11_ عوني ألجميلي

12_ شاكر الجاكري

13 _ يحي قاسم

14_ قاسم حمودي

15 _ عادل عوني

16_ عبد القادر البراك

17_ عبد العزيز بركات

18 _ حميد رشيد

19_ يوسف عويد

ولفائدة الصحفيين والباحثين والمثقفين ندرج بقية أسماء أجيال رواد الصحافة العراقية واستذكاراً وتبجيلاً لدورهم ... مع التنبيه إلى أن معياري في تصنيفي هذا هو اعتباران ،الأول هو الأولوية الزمنية ، والثاني هو البصمة أو الأثر الذي تركه الرائد في مسيرة المهنة وتطويرها مع شرط الإجادة والإبداع ، وهي المعايير التي اتبعتها لتوثيق رواد الصحافة العراقية في الجزء السادس من موسوعة الصحافة العربية المخصص للرواد الذين بلغ عددهم (50) رائداً من بين (3737 ) من الذين عملوا في الصحافة العراقية خلال (90) عاماً للفترة من ( 1900 حتى 1990 ) وهي الموسوعة التي قدم مشروعها اتحاد الصحفيين العرب إلى المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم لتوفر الإمكانيات المالية لدى المنظمة وصدرت (3) أجزاء منها على عهد رئيس المنظمة الدكتور محي الدين صابر وكانت رصينة وهي الاجزاء الخاصة بصحافة :

1_ المشرق العربي

2_ المغرب العربي

3_ وادي النيل

وتوفقت المنظمة في تكليف من اعد مادة هذه الأجزاء ، أما الجزءان الخاصان بصحافة 1_ الخليج ( وبضمنها العراق ) والجزيرة العربية 2 _ المهجر الذين صدرا على عهد رئيس المنظمة التالي الدكتور مسارع الراوي فلم يوفق في تكليف المعدين حيث لعبت الأهواء الحزبية والسياسية في هذا التكليف بحيث جرى أعادة التكليف لأحد الجزئين والجزء الآخر كلفت وزارت الإعلام بإعداد بعض فصوله كل من صحافة بلدها .

على أية حال نعود إلى استعراض بقية أجيال رواد الصحافة العراقية حسب تصنيفي ومعياري وهم :

أجيال رواد الصحافة العراقي

الجيل الأول من الرواد الذي عايشوا السنوات الأخيرة للزوراء

1_ الأب انستاس الكرملي

2_ فمي المدرس

الجيل الثاني من الرواد الذين عاصروا مرحلة الاحتلال الانكليزي والعشرينات إلى منتصف الثلاثينات

1_ احمد عزة الاعظمي

2_ إبراهيم حلمي العمر

3_ عبد الغفور ألبدري

4_إبراهيم صالح شكر

5_ سلمان ألصفواني

6_ كامل الجادرجي

7_ محمد مهدي ألجواهري

8_ لطفي بكر صدقي

9_ رفائيل بطي

10_ بولينا حسون

11_ رزوق غنام

12_ سليم حسون

13_ يونس بدري

14_ عبد القادر السياب

15_ سلمان الشيخ داود

16_ طه الفياض

17_ نوري ثابت

18_ عبد الكريم العلاف

الجيل الثالث من الرواد الذين بدأوا من منتصف الثلاثينات وعايشوا الأربعينات والخمسينات

1_ محمود عبد الكريم

2_ فيصل حسون

3_ مراد ألعماري

4_توفيق السمعاني

5_ جبران ملكون

6_ سليم البصون

7_ صبيح الغافقي

8_ إبراهيم علي

9_ صادق الازدي

10_ الياس وزير

11_عوني ألجميلي

12_ شاكر الجاكري

13_ يحي قاسم

14_ قاسم حمودي

15_ عادل عوني

16_ عبد العزيز بركات

17_ حميد رشيد

18_ يوسف عويد

19_ عبد القادر البراك

الجيل الرابع من الرواد الذي بدأوا من أواخر الأربعينات وعايشوا الخمسينات وما بعدها

1_ جوزيف ملكون

2_ فريد اوفي

3_ صالح سلمان

4_ إبراهيم إسماعيل

5_ سجاد الغازي

6_ عبد المنعم الجادر

7_ محمود الجندي

8_ زكي احمد

9_ عبد الخالق مال الله

10_ شاكر إسماعيل

11_ فائق بطي

12_ حافظ القباني

13_ محمد حامد

14_ غازي العياش

15_ خالد قادر

16_ محمد البريكاني

17_ عبد المجيد الونداوي

الجيل الخامس من الرواد الذين بدأوا من منتصف الخمسينات حتى 14 تموز 1958

1- فخري كريم

2_ حسن العلوي

3_ محسن حسين

4_ رشيد الرماحي

5_ معاذ عبد الرحيم

6_ مفيد الجزائري

7_ ضياء حسن

8_ عبد الوهاب بلال

9_ خالد الحلي

10_ محمد سعيد الصكار

11_ كامل عبايجي

12_ سلام خياط

تعاون وتقاليد

ومن خلال عملي في جريدتي ( لواء الاستقلال) لسان حزب الاستقلال و( اليقظة ) الجريدة المسائية للحزب ومن بعدهما جريدة ( صدى لواء الاستقلال ) التي أبدلت تسميتها إلى ( الحرية) وبمعية معلمي وأخي الكبير فيصل حسون كنت المس مدى التعاون بين رواد الجيل الثالث الذين سبقوا جيلنا والمودة السائدة بينهم هذه السلوكية التي أسسوا فيها لتقاليد مهنية حرصنا على الالتزام بها ...كما استفاد جيلنا من خبراتهم وثقافتهم الشاملة رغم تباين واختلاف التوجهات الفكرية والسياسية وكان حميد رشيد من بينهم ولم تكن علاقتي به تتعدى الزمالة المهنية ولكنني كنت أتمنى أن يجمعني به عمل مشترك .

جريدة الشعب ثم البلاد

ولكن كيف السبيل إلى ذلك وأنا اعمل في جريدة قومية وهو يعمل في جريدة كانت تنعكس عليها توجهات صاحبها ماركسياً ولتكون لسان حزب الشعب الذي حل فيما بعد ثم شايعت جريدة المرحوم صالح جبر بعد أن أطاحت الوثبة في (27) كانون الثاني 1948 بوزارته وبمعاهدة بورتسموث التي عقدها ثم سارت الجريدة في ركاب حلف بغداد بعد أن أصبح صاحبها محامياً لشركات النفط الانكليزية ، وكانت الجريدة تضم عناصر صحفية متميزة وهي ثاني جريدة أسست داراً صحفية متطورة بعد دار الأخبار عندما عاد نوري السعيد إلى الحكم ونفذ شروط عودته بحل البرلمان وحل الأحزاب وإلغاء امتياز حوالي ( 148) جريدة ومجلة وإجازة ( 7) جرائد فقط خمسة منها صباحية وهي ( الأخبار ، والشعب ، والزمان ، والحرية ، والبلاد ، ) وجريدتين مسائيتين هما ( اليقظة والحوادث ) وساعد حصر الإعلانات بهذا العدد المحدود من الصحف على تطويرها ونشوء مؤسستين صحفيتين لأول في العراق .. وفي 14 تموز 1958 استولت على داري الأخبار والشعب وانتهى حلم قيام مؤسسات صحفية على غرار مؤسسات مصر ولبنان العريقة .

ويبدو أن توجهات جريدة الشعب في سنواتها الأخيرة دفعت بالراحل حميد رشيد إلى الانتقال إلى جريدة البلاد بتوجهها التقدمي .

جريدة المواطن

وكان اللقاء بحميد رشيد في صحيفة واحدة تحقق في رحاب المؤسسة العامة لتنظيم الصحافة فبعد نكسة (5) حزيران 1967 تبلورت الإرهاصات الوحدوية عن العمل على تحقيق الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة على مراحل يجري العمل خلالها على تماثل الأوضاع في البلدين وارتؤي البدء بقطاع الصحافة أولا باعتبارها الأداة الفكرية لصناعة الرأي العام الموحد وتمهد للخطوات الأخرى على طريق التماثل ، ولتطوير المهنة الصحفية وإنصاف العاملين فيها فصدر في جريدة الوقائع الرسمية القانون رقم ( 155) بتاريخ 3/12/1967 بإنشاء المؤسسة العامة لتنظيم الصحافة وبوشر العمل في صحف المؤسسة بعد أن اختفت صحف القطاع الخاص في ذلك اليوم والتحاق العاملين فيها بصحف المؤسسة الخمسة برواتب أعلى وبلغ الحد الأعلى لرواتب المؤسسة (200) دينار شهرياً بينما لم يتجاوز الحد الأعلى لرواتب القطاع الخاص (100 _ 150) دينار شهرياً مع ضمان العمل الدائم والتامين والضمان الاجتماعي .

وكان قد تشكل مجلس أدارة المؤسسة وكنت عضواً فيه لتحديد صحف المؤسسة واختيار كوادرها وتثبيت رواتبهم ، وترأس المؤسسة الراحل غربي الحاج احمد يعاونه المستشار القانوني الراحل زكي جميل حافظ والمستشار الفني علي منير المنتدب من مؤسسة ( روز اليوسف) في مصر .

وتقرر في اجتماعات مجلس الإدارة إصدار صحيفة ( الجمهورية ) ورئيس تحريرها احمد فوزي لتكون لسان الدولة وصحيفة باسم ( الثورة ) تكون منبراً لليسار ورئيس تحريرها الدكتور حازم مشتاق ، وجريدة باسم ( المساء ) لإحياء أمجاد الصحافة المسائية التي اختفت منذ سنوات ، وجريدة باسم ( بغداد اوبزرفر) باللغة الانكليزية رئيس تحريرها خالص عزمي واقترحت أنا إصدار جريدة تكون منبراً حراً باسم ( المواطن) وابلغني رئيس المؤسسة انه يريد تكريم عبد الله الملاح أستاذه في المدرسة ويقترح ترشيحه لرئاسة تحرير المواطن وأكون نائباً له وأتولى العمل نيابة عنه ولم يكن من طبعي البحث عن المناصب ...وتوليت اختيار كادر الجريدة بالتعاون مع المستشار الفني للمؤسسة وحرصت أن تكون التشكيلة معبرة عن طبيعة الجريدة باعتبارها منبراً حراً لكل الاتجاهات فمنهم الليبرالي والناصري والبعثي والشيوعي والمستقل الخ ..وليس كما تصور احدهم ( وكان شيوعياً) وكتب في مذكراته الإعلام هو الذي اختاره لمكانته الثقافية ؟

واستحدث (12) عموداً لاستكتاب عناصر متخصصة من خارج الجريدة ومن شتى الاتجاهات.وكانت الفرصة مواتية لتحقيق أمنيتي القديمة واخترت الراحل حميد رشيد لقسم الترجمة والدراسات .. وكان يرفدنا يومياً بباقة من الترجمات والكتابات والدراسات لاختار منها للجريدة وفيما بعد لمجلة ألف باء ايضاً ..وهو الوحيد الذي لم أكن أراجع مايكتب كما يفعل عادة المشرفون على التحرير لاكتشاف ماوراء السطور ..لان حميد رشيد كان واضحاً وصادقاً فيما يكتب وأميناً ودقيقاً في عمله .. ولكن كان يعجبني قراءة مايكتب كقارئ يريد أن يطلع ليستزيد ويستفيد.

كما قرر مجلس الإدارة إصدار مجلة مصورة على غرار مجلة المصور ، وصدرت فيما بعد وتولى رئيس المؤسسة رئاسة تحريرها وعندما ترك الراحل غربي المؤسسة بعد 17 تموز 1968 وقع آخر أمر إداري بإسناد رئاسة تحرير (ألف باء) لي ، وكنا نخصص يوماً معيناً يف الأسبوع نجتمع فيه بعد انجاز عملنا بالجريدة في مطبعة الزمان لاختيار مواد عدد المجلة الأسبوعية حيث يجلب المستشار الفني للمؤسسة ماتجمع لديه ولدى المؤسسة من مواد وماتجمع لدي من مواد المواطن الملائمة للمجلة وكان معظمها من ترجمة وإعداد حميد رشيد ويجتمع معنا سكرتير التحرير الفني للجريدة المرحوم ضياء حسن وبعد انتقاء المواد للمجلة نسلمها للمرحوم ضياء ليعد تصميم وماكيت المجلة .

وكان من عادتي أن أحيل المواد التي تجمعت لدى سكرتير التحرير ، أحيلها إلى رئيس التحرير لمراجعتها لغوياً حسب اختصاصه وحرصه على السلامة اللغوية .. وبعد اختيار مواد العدد لليوم التالي ومراجعتها ، انتقل إلى المطبعة في المساء للإشراف على الصفحات المتبقية من الجريدة وتسليم مواد اليوم التالي لسكرتير التحرير الفني لإعداد الماكيت وتسليم المواد للمطبعة للتنضيد وكثيراً ماكان الراحل حميد رشيد يلتحق بي في المطبعة أو استدعيه أنا للدردشة واستطلاع آرائه وطالما طلبت منه أن يبسط لي بعض المفاهيم الماركسية وغيرها من العلوم وكذلك مراجعة مقالي الذي اكتبه في عودي اليومي ( يوم جديد) .

المامه بعلم الفلك

انعقد في (5) شباط 1968 في القاهرة المؤتمر الثاني لاتحاد الصحفيين العرب وطلبت أمانة الاتحاد ان تعد كل نقابة نبذة عن الصحافة وتطورها في بلادها .. وقمت بإعداد هذه النبذة بعنوان ( مراحل تطور الصحافة العراقية ) وحرصت أن يكون هذا العرض تسجيلاً يأتي على ابرز المعالم التي اقترنت بها كل مرحلة من الناحية الموضوعية والفنية والتشريعية وألحقت بالبحث نصوص التشريعات التي تتعلق بهذه المراحل وهي قانون المطبوعات وقانون النقابة وقانون تقاعد الصحفيين وقانون المؤسسة العامة لتنظيم الصحافة وقامت المؤسسة بطبعه في (70) صفحة في دار الجمهورية.

وكانت البداية في صدور ( زوراء) في 15 حزيران 1869.. وأخذت المسودات إلى حميد رشيد قبل تسليمها للطبع ليراجعها لي ، وبعد مراجعته لها أعادها لي قائلاً أنها مناسبة ولكن لي ملاحظة على البداية من صدور الزوراء في 1869 ميلادية ومضيفاً أن العثمانيين لايستخدمون التاريخ الميلادي وإنما يستخدمون تواريخ عديدة منها الهجري والشرقي والرومي الخ والمشكلة هنا عند تحويلها لما يقابلها بالتاريخ الميلادي السائد يف العالم ... ثم قرب لي الصفحة الأولى من جريدة ( زوراء) وقال انظر أنها تحمل تأريخين فقط هما ( 5 ربيع الأول سنة 1286) على يمين (الترويسة ) وعلى يسار اسم الجريدة ( الترويسة) تجد هذا التأريخ ( 2حزيران سنة 1285) وأنا بحساباتي وجدت أن تاريخ صدور ( زوراء) هو عام ( 1868) وليس (1869) .. ثم استدرك قائلاً ربما الكتاب والمؤرخين اقتبسوا التأريخ الميلادي للزوراء

1869 من تاريخ المطبعة التي استوردها الوالي مدحت باشا من باريس لطبع الزوراء .. واخذ يروي لي العديد من المعلومات عن علم الفلك والتواريخ وأعداد التقاويم وتواريخ الوقائع ومواسم المزروعات مما يدل على إلمامه الواسع بعلم الفلك وهو الذي لم يترك علما ألا وخاض فيه .. وفي كتابة ( مراحل تطور الصحافة العراقية ) حرصت على أن اثبت التأريخين لصدور الزوراء 1869 وهو التاريخ السائد و 1868 وهو التأريخ حسب حسابات حميد رشيد.

تقاعد الصحفيين

في عام 1961 انتخب المؤتمر الثالث لنقابة الصحفيين هيئة أدارية جديدة برئاسة النقيب طه الفياض وكنت ضمن هذه الهيئة فقدمت مشروع تأسيس اتحاد الصحفيين العرب في (5) شباط 1964 كما قدمت لائحة قانون تقاعد الصحفيين الذي صدر في 14 أيلول 1964 وكلا المشروعين تحققا على عهد معلمي النقيب فيصل حسون ، وتقدم العديد من الزملاء بطلبات إحالتهم على التقاعد وحال نص في القانون دون إحالتهم وهو النص الذي تضمن المبدأ القانوني المعتاد الذي نصت عليه أحكام الإحالة على التقاعد وهو تسديد البدلات التقاعدية عن سني الاشتغال السابقة ولم تساعد الأوضاع المعيشية للصحفيين على هذا التسديد وطالما حدثني الراحل حميد رشيد لإيجاد حل لهذه العقبة وكنت انتظر الفرصة لتحقيق ذلك،وفي ليلة 15 حزيران 1969 تبنت وزارة الإعلام تنظيم الاحتفال بهذه المناسبة التي قرر المؤتمر الثامن للنقابة في نيسان 1968 اعتبارها عيداً للصحفيين وتمت الاحتفالية بحماس وحضور وزير الإعلام المرحوم عبد الله سلوم ألسمرائي ووكيل الوزارة المرحوم الدكتور زكي الجابر ومدير الصحافة الأخ حسن العلوي الذي حرص على دعوة كل من عمل في الصحافة وعوائلهم ( بما فيهم الذين تركوا المهنة ) حسب قائمة الأسماء التي زودته بها وتضمن برنامج الاحتفالية كلمة الافتتاح التي ألقيتها باسم النقابة وكانت فرصة لان أصارح الوزير بالعقبة التي تحول دون الاستفادة من القانون وكانت لنا دالة على الوزير ورفيقيه من خلال الزمالة في المهنة بنشر نتاجاتهم في سنين سابقة وتمت الاستجابة لهذا الطلب وأعددت لائحة بالتعديل الأول لقانون تقاعد الصحفيين باستقطاع البدلات عن سني الاشتغال السابقة من الراتب التقاعدي بأقساط لاتزيد على 30% وتحقق ذلك بعد الاحتفالية بالعيد المئوي لصدور الزوراء ولكن دون أن يستفيد منه الراحل حميد رشيد فأن رحمة الله قد أدركته في 18 شباط 1969 أي قبل صدور التعديل بخمسة شهور ولم تتقدم عائلته بطلب لشمولها بالتقاعد فيما بعد .. وكنت عند وفاته في القاهرة لنيل شهادة دبلوم المعهد القومي وحرمت من المشاركة في واجب تشييعه وحضور مجلس الفاتحة على روحه الطاهرة.

الماركسي المتصوف

ويخيل لي أن الراحل الكبير حميد رشيد ربما كان في سلوكياته قد تأثر ضمن مطالعاته الشاملة بالأدبيات الصوفية وبخاصة في زهده ، فقد وجدت في مقام (مرتبة) المحبة عند الصوفية أثره الكبير في الحد من العنف يف المجتمع والدعوة إلى الرحمة والتعاون ومن شروط بل من مقومات مسلك التصوف والزهد في حب الجاه والدنيا والهوى والشهوة ويؤكد الشيخ عبد القادر الكيلاني إمام المتصوفين أن ( الزهد ليس صنعة تعملها او شيئاً تأخذه بيدك بل خطوات تشمل النفس والسلوك والخلق ) ومن ملامح روحه الصوفية هو زهده بمغريات الحياة الفانية ، فلم يسعى إلى مغنم أو منصب وهو اثقف الصحفيين في ذات الوقت الذي كان عطاؤه بلا حدود ولم يكن يبخل بشيء لمن يحتاجه فرداً كان أو صحيفة أو مؤسسة .

ومن ملامح روحه المتصوفة هو نأيه بنفسه عن المثالب والترهات والصراعات وهو كماركسي كان صادق الأيمان عن اقتناع عميق وتفهم موضوعي بعيداً عن التعصب ويأخذ باللباب دون القشور بحكم وعيه المستنير وثقافته الموسوعية.

وهو كمناضل وطني وقاد وديمقراطي كان يستمع للرأي الآخر ويؤمن بضرورة أن تكون الحركة الوطنية جبهة وطنية طالما كان هدف الجميع هو الحرية والتحرر والعدالة والرفاهية والسلم والديمقراطية ...

وبقدر هذه الصفات المسالمة والمرونة الوطنية الجبهوية كان مناضلاً عنيداً لايعرف المساومة أو الاستسلام أو مهادنة الاستعمار والاستغلال والظلم بكل أشكاله ..وعندما كنت أ أ نس لمنادمته الرأي والتحليل كنت احسب انه يعاني من مرارة في نفسه هي اقرب إلى الإحباط ربما كان مصدرها خيبة الأمل في الثورة التي استقطبت كل آمال الشعب جيشاً وجماهيراً واحزاباً في ديمقراطية حقيقية قوامها انتخابات حرة وحكم شعبي عادل ونهج تقدمي مسالم وانفتاح على العمق العربي بأوسع مداه تحقيقاً لأوسع تكامل تنموي يشمل كل العمق العربي ليكون أقوى ركيزة للسلام العالمي والسلم الاجتماعي ...وإذا به يصدم بخلاف ذلك .. فأين اختفت أهداف الجماهير وأحلامها ؟ وانعكست هذه المرارة على صحته عندما أخذت بالهزال دون مرض ويذوي الغصن السامق دون انكفاء حتى ..

رحل بهدوء على عادته بداية 1969 وبقيت ذكراه في وجداني .. الماركسي المتصوف راحلاً كالمسيح يحمل صليب أحزانه .