هشام جعيط

هشام جعيط

حسن مدن

لا تقل أهمية المفكر التونسي هشام جعيط عن الكثير من أسماء المفكرين العرب الذين ذاع صيتهم، والذين تناولوا قضايانا التاريخية الشائكة، وعلاقة الإسلام بالآخر، خاصة الآخر الغربي. ولجعيط الذي رحل عن الدنيا قبل يومين عن 86 عاماً، مجموعة من الكتب المهمة، بينها ثلاثيته عن السيرة النبوية، التي تضمنت الأجزاء التالية: «الوحي والقرآن والنبوّة»، «تاريخية الدعوة المحمدية»، «مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام».

من كتبه المهمة أيضاً «الكوفة – نشأة المدينة العربية»، الذي أعادت مؤسسة سلطان بن علي العويس طباعته، ضمن سلسلتها المخصصة لإعادة نشر مؤلفات من فازوا بجائزتها، كون هشام جعيط واحداً منهم، وهو كتاب رصد فيه المؤلف ظروف تشكل الكوفة كمدينة غداة فتح العراق، لتكون بمثابة المعسكر والمركز للفتوحات الإسلامية التالية، كونها، أي الكوفة، تحتل «موقع القلب» من المنطقة التي دارت فيها المعارك بين العرب والإمبراطورية الساسانية.

لا يمكن للقراء الجادين، ناهيك عن الباحثين، أن يتمكنوا من تكوين رواية بانورامية للتاريخ الإسلامي، دون العودة إلى مؤلفات هشام جعيط، بما تضمنته من رؤية متماسكة لهذا التاريخ، تقصى عبرها التفاصيل، ووضعها في سياق تاريخي، ويُجلِسها على مرتكزات تحليلية، حرة من المديح النرجسي للذات الجمعية، العربية والمسلمة، من جهة، ومن الوقوع في أسر نظرات الاستشراق الاستعلائية تجاه كل ما هو عربي ومسلم.

وبوسعنا أن نعدّ كتابه «أوروبا والإسلام – صدام الثقافة والحداثة» من أهم الكتب التي عالج فيها هذه الإشكالية، التي حاول فيها تفكيك عقدة الغرب في نظرته المتعالية إلى الشرق الإسلامي، ومع أن العرب لم يبلغوا سوى الأطراف الجنوبية من أوروبا: الأندلس وجنوب إيطاليا، لكن ليس بوسع المنصفين من الدارسين رؤية ما أحدثه ذلك من أثر لاحق في النهضة الأوروبية، ويكفي التذكير بما فعلته مؤلفات ابن رشد في هذا الغرب الذي كان لحظتها غاطاً في قرونه الوسطى، دون أن ننسى أن أهل ابن رشد، العرب والمسلمين، تجاهلوه واضطهدوه، فيما أدركت أوروبا أهميته.

في هذا الكتاب بالذات عالج جعيط العلاقة المركبة بين الإسلام والعروبة، لا في النشأة، وإنما في ما تلا ذلك، أي بعد الفتوحات، حيث أشار إلى أن معظم الأراضي البيزنطية السابقة والعراق تعرّبت وأسلمت في آن، ولكن الأسلمة لم تكن فيها كاملة، عكس ما حدث في فارس بخلفيتها التقليدية الشاملة لآسيا الوسطى وشمالي الهند، وكذلك في تركيا، فشعوب هذه المناطق أسلمت لكنها لم تتعرب، ولنا أن نتصور تداعيات ذلك لا في التاريخ فحسب، وإنما في الحاضر أيضاً.

عن صحيفة الخليج