نهر الحسينية في كربلاء وفقاً لجريدة الزوراء سنة 1882م

نهر الحسينية في كربلاء وفقاً لجريدة الزوراء سنة 1882م

د .طارق نافع الحمداني

تابعت جريدة الزوراء أخبار مشروع نهر الحسينية في لواء كربلاءأولاً بأول، سواء مما سمعته من أخبار رسمية، أومما كان يزودها به المراسلون، ففي عددها المرقم) 793 ( نقلت لنا الزوراء التلغراف الصادر من متصرفية كربلاء إلى ولاية بغداد، بشأن انقطاع نهرالحسينية منذ شهرين، مما اضطر الأهالي على شرب ماء الآبار، فأخذت الحكومة بعض التدابير لإيصال الماء إلى كربلاء.

وتعقيباً على التلغراف السابق، فقد ورد تلغراف لاحق لمتابعة إجراءات الحكومة بشأن انقطاع نهر الحسينية، إذ جاء فيه: ((كنا كتبنا أن حفريات نهر الحسينية صارت تجري في الاهتمام، وانتظرنا من مخبرنا في كربلاء معلومات دائرة على العمليات الحفرية وسائر الأخبار. ولم تُعطَ إلى الآن من المخبر المومى إليه معلومات، لكن سمعنا بأنه عرف من متصرفية كربلاء إلى الولاية الجليلة بأن حفر النهر المذكور بلغ حد الختام)).

لم يكن انقطاع نهر الحسينية بالأمر السهل، فبالإضافة إلى الضرر الكبير الذي يسببه للبساتين والمزروعات والمواشي، إلا أن الحالة لا تطاق عندما لا يجد سكان مدينة كربلاء، بمن فيهم الزوار، الماء لشربهم، وهذه الحالة هي التي وصفها مخبر الزوراء بقوله: ))ان نهر الحسينية هذا بمثابة ماء روع نهر الحسينية(الحياة )كذا( لكثير من عباد الله، على أنه ليس لهؤلاءفقط وإنما يلزم أن تضم الحيوانات والمواشي أيضاً على الحساب مع النفوس الكثيرة الموجودة، التي تزيد على الخمسين أو الستين ألفاً، علاوة على كثرة الزوار والمترددين، فالذي يسقي هؤلاء والعدد الكثير من المزارع والبساتين الموجودة في هذه الأطراف ويرويها أي الذي يربي جميعهم ويكفل محافظة حياتهم هو هذا النهر. وهو وأن كان ماؤه يقل أوقات الصيهود لكنه لا ييبس بالكلية كما في هذه السنة 1882 م. فإن ماءه انقطع بالكلية فجعل كربلاء محرومة من الماء اللذيذ الفرات منذ ابتداء تموز الذي هو أشد زمان حرارة الصيف. وأما ماء الآبار الذي صار الأهالي مجبورين على شربه فهو ملح أجاج، وصادف هذا الحال شدة الحرارة. والأعظم من ذلك أن الزوار أيضاً تهاجموا إلى هنا بصورة فوق العادة لم تر أمثالها في كم سنة من السنين السابقة فكسب الماء صار ندرةً وقحطاً على العادة، فكان ذلك من الأسباب التي شددت اضطراب الخلق وكانت النفوس على درجة من الكثرة بحيث امتلأت خانات كربلاء ودورها وأسواقها بالناس والدواب، وكان التطواف في داخل القصبة يحصل بمشقة عظيمة حتى أن جميع البساتين التي في أطراف القصبة كسبت حال الخانات لأجل الزوار.

فالمشقة التي قوسيت في تلك الأيام من أجل الماء أحدثت صورة أخرى فترقت قيمة القربة من ماء الآبار التي ذكرت أنها مُرّة مالحة إلى أربعة أو خمسة قروش. وما عدا ذلك فإن لون الماء أيضاً انتقل إلى حال آخر فصار يظن نوعاً من سائر المواد المايعة ولا يعرف من أول نظرة أنه ماء. ويرى أن أكثر الناس ينالون هذا بمشكلات.

ولما كان حال القصبة في هذا المركز أن البساتين المزينة بكل نوع من الأشجار والأثمار لم يبق حالها منحطاً عن هذا. ولا جرم عند أجراء الدقة على أحوال البساتين التي على حافتي الحسينية كان يظن ان كل غصن من الأشجار المتدلية وكل ورقة منها تبين المحزونية بلسان الحال من أجل مصيبة نهر الحسينية هذه، وتبادر بالافهام لحالها المشحون باخلال من شدة العطش وتسعى لإيصال ندائها التي تقول فيه واعطشاه إلى مسامع الناظرين، فالإنسان الذي قاسى المرارات والآلام من قحط الماء ومياه الآبار الكدرة المالحة، إذ يشاهد على هذا الوجه تأثير الحال العمومية البالغة بالدرجة المشروحة... ومع ما في هذا فأن إقدامات الحكومة الجدية وعلو همتها الاستثنائية هي التي انقذت هذه البلدة من احتياج عظيم كالماء)) .

بهذه الصورة نقلت لنا الزوراء عن طريق أحدمراسليها «مخبريها » الحالة الصعبة التي عاشتها كربلاء بانقطاع الماء عنها، فكيف حدثت حالة الانقطاع هذه، وما دور الحكومة في ذلك.

في التلغراف الصادر من متصرفية كربلاء إلى والي بغداد في الرابع عشر من شوال 1299 / 1881 ، إشارة إلى انقطاع نهر الحسينية لمدة أربعين يوماً، فصار الأهالي مضطرين على شرب ماء الآبار، فحصلت أنواع الأمراض، وتضيف الزوراء قولها:

أ. د. طارق نافع الحمداني ))وبناء على هذا رؤى حفر النهر المذكور وتطهيره وجلب الماء. وبموجب دفتر الكشف الذي أعطاه موزل أفندي المهندس فهم أن هذا يأتي إلى ساحة الوجود بأربعة مائة ألف وخمسة عشر ألف فحصل العود بهذه الكرة من الهندية إلى كربلاء، وقسمت المصارف المذكورة بمعرفة الجمعية التي شكلت على عموم البساتين والأراضي وبوشر بالحفريات وبهذه التشويقات المجراة تعهدت عشائر الهندية وأهاليها بأن يعاونوا في هذا الشغل مدة خمسة عشر يوماً بألف شخص عملية الحفر في اليوم مجاناً،وأبرزوا الغيرة والحمية في هذا الخصوص ).

أصبحت السلطات المسؤولة آنذاك أمام الأمرالواقع، فقد شكل والي بغداد لجنة من مهندس الري لوضع دراسة مفصلة ومقترحات عملية لمعالجة انقطاع نهر الحسينية، وكان لتلك الدراسة نتيجتها، إذ بوشر بأعمال الحفر والتطهير، واستمر ذلك مدة تقرب من ثلاثة أشهر، فكتبت جريدة الزوراء الآتي:

((والحسينية نهر جسيم فبلوغ حفرياته الختام بمدة شهرين أو ثلاثة أشهر دليل على أن الهمة صرفت بحقها في تسريع العمليات، وان ما دل على ختام الحفريات بهذه المدة من الغيرة بأي قدر ما يكون موجباً للممنونية. فإن فتح الصدر من الآن وأجراء الماء جالب للمسرة بذلك القدر لأن مجيء الماء هكذا يستلزم المنفعة بجهتين:

فأولاً إن أهالي قصبة كربلاء والخلق الذين يترددون إلى هناك لأجل الزيارة والتجارة من الأجانب وغيرهم كانوا باضطراب شديد من أجل الماء منذ انقطاع الماء من الحسينية، وكان الاضطراب في حال بحيث ان العطش الذي قاساه شهداء كربلاء تجدد في الخواطر بالفعل، وصارت كربلاء بمناسبة قحط الماء اللذيذ )كربا وبلاء( حقيقة، والماء الذي كان يؤتى به من الهور في أيام قليلة وهو حائز لاسم الماء الحلو صعدت قيمة القربة منه إلى البيشلك ،ثم أن ذاك أيضاً نفذ فلا تسل عن الأذى الذي تحمل ذاك الوقت فغير محتاج للملاحظة ان ماء الفرات اللذيذ، الفرات الذي يأتي من بعد هذه الأحوال كيف يكون ذات قيمة.

وثانياً إن هذا الوقت هو زمان المباشرة بالزراعة بالتمام فأن الزروع التي تسقيها الجداول التي على الحسينية ومعموريتها أيضاً معلومة، وبناء على ذلك أنه لمستدعي من الطاف الإلهية ان تكون حاصلات أنهار الحسينية في هذا الموسم آنت بل فوق المأمول فينبغي للزارع وأصحاب البساتين وسائر أفراد الأهالي والساكنين أن يعرفوا قدر الهمة التي لم تزل الحكومة تؤثرها في رفع كل نوع من الضائقة وقيمتها)) .

استبشر مراسلو الزوراء لإطلاق ماء نهر الحسينية، بعد انقطاع دام ثلاثة أو أربعة شهور، فكان لإطلاقه أثر كبير في نفوس الأهالي، الذين اصطفوا على ضفاف النهر لمشاهدة جريانه، فكتب أحدهم الآتي: ))أن حفر الحسينية قد حصل له الختام، ولذلك خلى سبيل مائها، فصار يجري على الوجه المطلوب، وان الخلق في مدة هذه الثلاثة أولاء )مشروع نهر الحسينية( الأربعة أشهر التي انقطع فيها الماء عن هذا الطرف تأذوا من مياه الآبار. وصادف أيضاً ورود الزوار بهذه السنة مع الكثرة فشدد مضايقة الماء بعد، وأن كل أحد كان ينتظر ورود الماء الفرات بعين الحسرة، ولهذه الجهة قد حصل لدى جميع الأهالي فرح عظيم بمرتبة العيد الأكبر بناء على جريان النهر المذكور، واجتمع كل منهم الكبار والصغار على النهر لأجل التفرج بالنظر إلى الماء(( .

عن بحث ( الارواء والري في كربلاء ) م . السبط ع2 / كانون الثاني 2016