جبر علوان: المرأة عقدة الفن التشكيلي

جبر علوان: المرأة عقدة الفن التشكيلي

عباس يوسف

الفنان العراقي جبر علوان الذي يحتفي بالمرأة.. بجمالها .. بحالاتها عبرها تأملها .. عبر الغوص في وحدتها وحالات اغترابها، حول هذا المعرض والكثير من الأمور ذات الارتباط باللوحة الفنية وبالشأن الثقافي. وكان لـ’’ لوقت ‘’ هذه المحادثة مع الفنان: حدثنا عن ثيمة المعرض؟

- لا توجد ثيمة موحدة بالمعرض ، هناك حالات وغالبا المرأة موجودة في اللوحة التي هي حاضرة وتعبر عنها ، طبعا من خلال البحث في اللون، بشكل عام هو تأمل في المرأة ، حالة الوحدة ..حالة الاغتراب ، بالإضافة إلى حالة بعض الموسيقيين على الرغم من أن الموسيقى تبعث بعض الأحيان ضجيجا ما لكنه يكون ضجيجا إيجابيا ممتعا إلاّ أنه في حالة صمت، عازف لوحده.

ولماذا المرأة باستمرار؟

- المرأة ليس لأني أوّل وآخر من يرسمها، المرأة كانت ومازالت عقدة الفن التشكيلي عموما، منذ بدأ الإنسان يعبر عن حالاته وعواطفه بالرسم أو بالنحت كانت المرأة هي العنصر الأساسي، وقد اعتنى بها الإغريق في النحت، ثم الرومان في عصر النهضة وما قبل عصر النهضة، الإغريق عبروا عنها بشكل جمالي، هذا في عصر النهضة وقبله جوته أبقوا من المرأة الشكل الروحي متمثلا في مريم العذراء، حولوها إلى مسالة روحية وما بعد عصر النهضة ظهرت طقوس جمالية في اللوحة تمثلت فرضا في لوحة الموناليزا وهكذا في بقية المدارس الفنية ، كذلك التعبيرين خلقوا حالة التعبير في المرأة وأحسن من عبر عنها الفنان النرويجي موخ في لوحة الصرخة بعد تناولها فنانو المستقبلية الإيطالية وبيكاسو.

المرأة هو موضوع شائك ومعقد واعتقد أن الإنسان ذاته لم يكتشف المرأة، فكيف بالفنان الذي هو يبحث في حالة المرأة.

أنا أعتقد أن المرأة هي كوكب بعيد لم نستطع اكتشافه لحد الآن. أنا أحاول من خلال اللوحة في حالة المرأة.

الملاحظ في أعمالك الفنية أن البحث هذا يتم عبر ألوان ابتهاجية فرحة إن جاز القول مالسر في ذلك؟

- أنا بطبيعتي أحب الجمال ومتفائل وما يدور من حولنا هو موضوع حياة درامية .. مما يدور في بلدي العراق وفي العالم أجمع وحتى في الدول التي تدعي أنها مستقرة إلاّ أن هناك حالة اغتراب ووحدة عند الإنسان ، في اليابان وأوربا مثلا ، وبالتالي كل ما يحيط بنا من خراب ومن دمار روحي أحاول الابتعاد عنه ، أحاول تمجيد الجانب الجميل منه..التقط الجميل ، لم لا قد أكون أنا أريد أن يكون العالم جميلا بهذا الشكل لذلك ابحث عن الشيء الإنساني والجميل.

البحث عن هذا الجميل وفيه الذي تتحدث عنه ونبذ العنف والدمار وتعويضه ببحثك الجمالي الفني في حالات المرأة.. هل يمكن القول أن غربتك الطويلة عن الوطن السبب في ذلك؟

ربما يكون الإنسان في وطنه وهو مغترب ، أنا منذ كنت في العراق وحتى عندما بدأت المجيء إلى المنطقة العربية أحاول البحث عن الجميل وإيجاده ثمة أشياء كثيرة جميلة من حولنا ، فلإنسان لكثرة ما حوله من أشياء جميلة لا يراها ، يمر عليها مرورا عابرا وهذا لا علاقة له بالغربة، طبعا الأكيد أن فردا يعيش في مجتمع متحضر ومتمدن ذو تجربة عميقة في العمل الفني أو الجمالي يختلف ويؤثر، ما يدور حولي من متاحف وطبيعة عرض الأزياء هي جميلة .. السينما .. المدينة نفسها ، كل هذه الأمور تؤثر على الذوق.

يلاحظ في السنوات الأخيرة تركيز جبر علوان في عروضه على الدول العربية ما السر في ذلك؟

- في الحقيقة هو ليس تركيزا بقدر ما توجها للدول العربية أيضا كمناطق للعرض، وجودي في روما 35 سنة وروما تعني الانفتاح على الدول الأوربية الأخرى وإقامة أكثر من أربعين معرضا شخصيا في أوربا وخارجها وعلاقتي بالقارئ والمشاهد والناقد تشكيلي والفنان الأوربي أخذت طابعا معينا ولكن في نفس الوقت أنا ذو ثقافتين ، ثقافة غربية وثقافة شرقية بحكم هذه الفترة الطويلة التي عشتها بأوربا وبالتالي هنالك تشوق أو فضول لمعرفة المنطقة العربية وهذا الفضول لا يتأتى عن طريق فقط زيارة أو متابعة الأصدقاء أو العيش في بلد ما إنما عبر الاحتكاك معهم بالعمل ، وأردت معرفة ردة فعل المشاهد العربي سواء كان فنانا أو ناقدا أو فنانا أو إنسانا بسيطا ومدى تلقيه لهذا العمل واعتقد أن الفنان من غير جمهور.. من غير ناس يبقى مع نفسه فينحصر، فردود فعل المشاهد ومعرفتها جد مهمة، وهذه تنوعت واختلفت من بلد لآخر وأنا اغتنيت كثيرا من خلال الست سنوات الأخيرة من العرض في المنطقة العربية روحيا ولونيا. لذلك أتردد عليها، إنما شغلي واعتمادي الأساس على الصالات الفنية في أوربا.

كانت للفنان جبر علوان ومن ضمن التجارب تجربتان مهمتان واحدة مع الشاعر الكبير سعدي يوسف والأخرى مع الروائي عبد الرحمن منيف حدثنا عنهما؟

- التجربتان مختلفتان تماما بالتأكيد: التجربة الأولى مع الشاعر سعدي يوسف، هناك موضوع جدا مهم وحساس بنفس الوقت وهو الايروتيكا ، اتفقنا نحن الاثنين أن يتناوله هو شعرا وأنا أتناوله رسما وجمعنا هذه التجربة، واعتقد أن هذه من الأشياء التي يجب أن تزاح نحن مملوئين بالجنس وأحد مشاكلنا تغطية وتكبيلها،أو النظر إليها من مفهوم متخلف باعتبار ذلك عيبا وهذا غير صحيح ولا يجوز الحديث عنه أو تناوله أو يجوز بسبب الدين ، لكن هذه سبب أزمة روحية لدى العرب، الانكماش وعدم انفتاح على الجنس، هو يمارسها بشكل خاطئ ، يمارسها لكن ليس بشكل جمالي إنما بشكل حيواني، لو يحرر الإنسان العربي ( رجل وامرأة ) لكنا بخير، هذه ليست تجربة جديدة ، هناك شعراء في العصور السابقة تحدثوا عن هذا الموضوع .. عن جمال جسد المرأة ، أبي نؤاس وعمر الخيام مثلا ، في العصر الحديث تغزلوا في جمالها لكنهم لم يتحدثوا عن الايروتيك ، والرائد في ذلك الشاعر نزار قباني الذي تغزل كثيرا في جسد المرأة لكنه لم يصل إلى الايروتكزم رغم عظمته في وصف حال المرأة، عموما هي مجرد تجربة بسيطة قمنا بها، تقبلتها بعض الأوساط الثقافية بكل إيجابي وفي بعض الدول منعت من الدخول والتداول باعتبارها حراما إلاّ أن الكتاب سوق بصورة أكبر نتيجة هذا المنع.

أما تجربة عبد الرحمن منيف فيه شيء آخر، عبد الرحمن منيف هو أوّل من حاول تقديمي للمنطقة العربية وأول من شجعني على المجيء إليها. واعتقد أن ثاني معرض شخصي لي بالمنطقة كان في سورية هو من تنظيم ودعم عبد الرحمن منيف وكان دائم التأكيد على العرض بالمنطقة العربية ، كانت تربطني به علاقة صداقة حميمة نتحاور حول الفن، هو رجل يحب الحب كثيرا بعمق وله قراءات جيدة للوحة ونتيجة معايشة طويلة تفضل بكتابة مادة طويلة عن أعمالي وصدر في كتاب مصحوبا باللوحات.

عن جهة الشعر