رحيل المفكر المغربي محمد سبيلا جراء إصابته بـ كورونا

رحيل المفكر المغربي محمد سبيلا جراء إصابته بـ كورونا

متابعة المدى

توفي مساء الاثنين 19 تموز الجاري في الرباط المفكر والكاتب والأستاذ الجامعي المغربي البارز ، محمد سبيلا، عن عمر يناهز 79 سنة ، بعد ان خضع للعلاج بقسم العناية المركزة في إحدى مستشفيات العاصمة بسبب إصابته بفيروس “كوفيد 19”.

وأصيب المفكر المغربي ب” كورونا” قبل حوالي أسبوعين، لكن تدهور وضعه الصحي استدعى نقله من بيته حيث كان يتابع العلاج إلى المستشفى .

ويعتبر سبيلا الذي ولد عام 1942 في مدينة الدار البيضاء، من أبرز المفكرين المنشغلين بأسئلة الحداثة وما بعد الحداثة، وعقلنة الخطاب الديني، وقضايا الدولة المدنية. . تابع دراسته العليا في كلية الآداب والعلوم الانسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط ثم بجامعة السوربون بباريس. حصل على الإجازة في الفلسفة سنة 1967 وعلى دبلوم الدراسات العليا سنة 1974. وفي سنة 1992نال درجة دكتوراه الدولة من كلية الآداب بالرباط والتي يشتغل فيها حاليا ضمن الهيئة التدريسية.

اشتغل سبيلا بتدريس الفلسفة منذ 1967 بالتعليم الثانوي بمدينة سلا، ثم بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس بين سنوات 1967-1980، ثم بجامعة محمد الخامس بالرباط منذ 1981. أسندت إليه رئاسة “شعبة الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع “بفاس خلال الفترة 1972-1980، ثم رئاسة “الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة”، بين 1994-2006. كما شارك في إدارة مجلات: المشروع، مدارات فلسفية.

جمع سبيلا بين الثقافة السياسية الوطنية والتكوين الفلسفي المنفتح على الماركسية النقدية واللسانيات البنيوية والتحليل النفسي والانثربولوجيا، ولم يكن يتردد في إبداء إعجاب خاص بالفكر الجرماني. وهذا ما انعكس على كتاباته التي انتظمت حول الأيديولوجيا ونقدها في مرحلة السبيعنات (بتأثير من أفكار ماركس وفرويد وماركيوز وإريك فروم)، ثم توسعت لتشمل تجربة الحداثة وخطاباتها ونقدها في مرحلة ثانية (اهتمامه الخاص بكتابات آلان تورين، داريوش شايغان) .

زاوج سبيلا في أعماله بين الكتابة الأكاديمية والتأليف البيداغوجي والترجمة وهو ما يجعل من سيرته الثقافية سيرة مثقف أكاديمي منفتح في آن واحد على هموم المجتمع وأجوبة العلوم الاجتماعية في مغرب ما بعد الاستقلال.

نشر دراسات فلسفية بعدة صحف ومجلات مغربية وعربية: جريدة الاتحاد الاشتراكي ، أقلام، آفاق الوحدة، الفكر العربي المعاصر، المستقبل العربي، المناظرة.

وينتمي سبيلا إلى «رعيل من المفكرين والأكاديميين الذين ارتبطت لديهم الثقافة والفكر بالنضال من أجل التحرر والتحديث والديمقراطية وتحقيق نهضة وطنية شاملة. وهو ممن عبروا في كتاباتهم الفكرية عن هاجس البحث عن آفاق الحداثة، والدفاع عن ثوابتها، والسعي إلى إشعاع مكوناتها وروافدها الخصيبة. من هنا جاء إنتاجه الفكري والفلسفي، تحليلاً وتأريخاً وترجمة، متصلاً على نحو وطيد بهذا الأفق الفكري. كما تجلت إسهاماته العميقة في تبديد التباسات الفكر العربي بصدد الفلسفة الحديثة والمعاصرة، سواء بالتأليف أو بالخوض في النقاش العام، أو الممارسة السياسية» .

يذكر أن سبيلا تابع دراساته الفلسفية بجامعة محمد الخامس بالرباط وجامعة السوربون بباريس، قبل أن يشتغل أستاذاً للفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب بالرباط، ويشغل منصب رئيس شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس ما بين 1972 و1980، وترأس «الجمعية الفلسفية المغربية»، ما بين 1994 و2006.

ونشر سبيلا الكثير من الدراسات الفلسفية والأبحاث، في مجموعة من الدوريات والمجلات العربية والغربية، وأسهم في تحرير مجلة «المشروع» وإصدار مجلة «مدارات فلسفية»؛ فيما توزع إنتاجه بين البحث الفكري والفلسفي والترجمة، ومن أهم مؤلفاته «مدارات الحداثة» (1987) و«الآيديولوجيا: نحو نظرة تكاملية» (1992) و«الأصولية والحداثة» (1998) و«المغرب في مواجهة الحداثة» (1999) و«للسياسة بالسياسة» (2000) و«أمشاج» (2000) و«الحداثة وما بعد الحداثة» (2000) و«دفاعاً عن العقل والحداثة» (2002) و«زمن العولمة فيما وراء الوهم» (2005) و«حوارات في الثقافة والسياسة» (2006) و«في الشرط الفلسفي المعاصر (2007) و«مخاضات الحداثة» (2007) والأسس الفكرية لثقافة حقوق الإنسان» (2010) و«في تحولات المجتمع المغربي» (2011). ومن أهم ترجماته «الفلسفة بين العلم والآيديولوجيا» لألتوسير (1974) و«التقنية - الحقيقة – الوجود» لمارتن هايدجر (1984) و«التحليل النفسي» لبول لوران أسون (1985) ونظام الخطاب» لميشيل فوكو (1986) و«التحليل النفسي» لكاترين كليمان (2000) .

وكتبت عن سبيلا، الذي يوصف بـ«المفكر القلق الذي يجد ضالته في التفكير في الحداثة»، والذي كانت له، أيضاً، مساهمات في التأليف المدرسي والجامعي، أبحاث ومؤلفات تناولت تجربته في الساحة الثقافية والفكرية المغربية والعربية، على مدى أكثر من نصف قرن، «منذ اختياره دراسة الفلسفة وتدريسها والنضال من أجل تلقينها في الجامعة، حيث جعل من الحداثة مجالاً استأثر بدراسته ورصد أثرها على الوعي العربي، متسائلاً عن علاقة الحداثة بالتراث باستعمال نظرية نقدية صرفة، كما اختار الثقافة دون أن ينعزل عن السياسة وخباياها»، كما نقرأ في «مسار مثقف حداثي... حوارات مع محمد سبيلا في الثقافة والسياسة» للباحث محمد الأندلسي، في تناوله لمسار وتجربة هذا الرجل الذي «اشتغل على التقليد والحداثة وإشكالاتها العويصة كموطن داء المجتمعات العربية التي لم تستطع لحد اللحظة إيجاد التوليفة المناسبة للخروج من زمن الانحطاط، وعرّف القارئ العربي على أحدث منتجات الفكر الإنساني المعاصر من خلال ترجمات كلاسيكياته في الفلسفة وعلم النفس والابستمولوجيا .