هيئة اصلاح العراق توعز بتأسيسها..مدرسة الحقوق ببغداد .. كيف تأسست ؟

هيئة اصلاح العراق توعز بتأسيسها..مدرسة الحقوق ببغداد .. كيف تأسست ؟

تغريد عباس السعدي

تُعدُّ الهيئة الإصلاحية التي قدمت الى العراق عام 1907 أول خطوة في تأسيس “مدرسة الحقوق”، برئاسة ناظم باشا، والي قسطموني، والتي كرست لدراسة مايحتاجه العراق من إصلاحات، إذ كان برنامج عمل الهيئة الإصلاحية هذا يتضمن دراسة الأحوال الإدارية والإقتصادية والثقافية في ولايات العراق، ووضع الخطط اللازمة للنهوض بهذه الولايات إدارياً واقتصادياً وثقافياً.

تألفت الهيئة من: ناظم باشا رئيساً لها، وكان بـ “رتبة وزير”، وعضوية كل من “توفيق باشا” وكمال بك “دفتر دار سابق”، وعوفي بك قاضي شرع سابق، وأُعطيت سكرتاريتها الى شاب من خريجي الكلية الشاهانية في الإستانة يدعى ممدوح بك، وقد تألفت لجنة إستشارية في ولاية بغداد ساعدت الهيئة الإصلاحية في تسهيل مهامها.

أخذت الهيئة تدرس أحوال العراق من مؤسسات ودوائر حكومية، فوجدت مدارس قليلة مبعثرة هنا وهناك في الولايات الثلاث “بغداد والبصرة والموصل”، لا تتعدى درجتها العلمية مستوى الثانويات او الإعداديات؛ وبعد أن انتهت من مهمتها، قدمت الهيئة تقريراً الى الحكومة العثمانية تضمن إقتراحات عديدة، منها الدعوة الى فتح مدارس جديدة للبنين والبنات، وتأسيس مدرسة الحقوق، في بغداد بعد أن شعرت بحاجة ولايات العراق الى الحقوقيين والإداريين المؤهلين علمياً، وقد لقي هذا الإقتراح قبولاً من السلطات العثمانية، وهذا نص الإقتراح مترجم:

«برقيــة»

التاريخ: تموز 1323 هـ دائمي

جهة الإرسال: البصرة

الرقم: 8392

«حضرة الصدر الأعظم»

“من أجل زيادة العلوم والمعرفة لأهالي مدينة بغداد، ونشر الثقافة والتعرف على الأنظمة والقوانين العدلية، نقترح تأسيس مدرسة للحقوق في بغداد على غرار مدارس الحقوق التي تم إفتتاحها، وأيضاً في الموصل والبصرة، راجين من حضرتكم إصدار أمر عثماني بشأن تأسيس مدرسة الحقوق في بغداد”

رئيس هيئة إصلاح القوانين العراقية

ناظم

نالت اقتراحات الهيئة الإصلاحية رضى السلطات العثمانية، إذ كان من ثمرات تأليف الهيئات الإصلاحية أن إستجاب السلطان عبد الحميد الثاني، لنداءات المطالبة بالإصلاح، فأصدر موافقته على تأسيس ثلاث مدارس حقوق الى جانب مدرسة الحقوق في استانبول، واحدة في ولاية سلانيك في الجانب الاوربي من مملكة “أرم ايلي” والثانية في ولاية قونية (كونية)، في الأناضول، والثالثة في مدينة حلب من الولايات العربية، وبهذا يكون مجموع مدارس الحقوق في الدولة العثمانية أربع مدارس.

نستنتج ممـــــا سبق أن تغيراً حدث في القــــــرار، حيـــــــــث تــــــــم استبـــدال إنشــاء مدرســـة الحقـــــــــــــــــــوق فـــــي حلـــــــــب الــى إنشـــــــــاء مـــدرســـــــــــة الحقــــوق في بغــــــــــــــــداد، وهــــــــــــــــذا مــــا أشـــــــار الـــــيه توفيـــــــــــــــق السويــــدي، فـــــــــي مـــــذكراته التـــــي كتبـــــــها، والتــــــــي أوضــــــــــــح فيـــــــــهــا الجهــــــــــــــــود الـــتي بذلــــــــــها والـــــــــــــــده يوســـــف السويــــــــــــــدي، إذ أورد مـــــــــا نصــــــــــــــه: “لما ســـــــــمع والدي بهذا الامر، قصد الى ناظم باشا يرجوه بأن يتوسط لدى الحكومة المركزية لنقل كلية حلب الى بغداد، لأن حلب متصلة بالبحر بوسائط أخرى باستانبول، فأهلها لا يعانون مشاق السفر للذهاب الى العاصمة والدخول في مدارسها العالية، أما بغداد فإن بعدها عن العاصمة وانزوائها يجعلها بحاجة أشد الى مدرسة للحقوق تُؤسس فيها”.

بعد المخابرة التلغرافية، إستصدر ناظم باشا أمراً يقضي بنقل مدرسة الحقوق المزمع إنشاؤها في حلب الى بغداد، وتم إفتتاحها في تموز1908، في الوقت الذي أُعيد فيه الدستور الى البلاد العثمانية، وتأسست الادارة البرلمانية الديمقراطية.

نالت قرارات الهيئة رضى السلطات العثمانية، وقامت الاخيرة بإصدار مرسوم تأسيس مدرسة للحقوق في بغداد في 1 آذار 1908، وهذا نص المرسوم مترجم:

مجلس الوزراء العثماني

“بناءً على الطلب المُقدمّ مِن قِبل أهالي بغداد والهيئة الإصلاحية الحقوقية في بغداد بشأن تأسيس مدرسة الحقوق، فقد نَظر المجلس في ذلك خلال اجتماع موسع بجلسة خاصة، وتداول الموضوع من جميع جوانبه الإدارية والمالية، ووافق على تأسيس مدرسة الحقوق في بغداد فقط، حيث طلب أهل الموصل والبصرة نفس الطلب، لكن الموافقة صدرت بفتح مدرسة الحقوق في بغداد، وتم إبلاغ وزارة المعارف العثمانية بذلك من أجل المباشرة بإفتتاح هــــــــذه المدرســـــــة، وإعداد الكادر اللازم لها، وصــــدر ذلك فـــــي 17 شباط 1905”. تواقيع

الا ان المدرسة لم تؤسسلم تؤسس لعدم وجود بناية صالحة، لذلك تقرر ضمها، الى المدرسة الابتدائية الحميدية، وكانت هذه المدرسة أول مدرسة نظامية أُنشأت في العراق، وفي ذلك الوقت لم يكن من السهل تبديل اسم المدرسة الحميدية، وتحويلها الى مدرسة الحقوق؛ لان ذلك من شأنِه أن يثير قلق ومخاوف في نفوس السلطات العثمانية، لذا تقرر ترك تأسيس مدرسة الحقوق الى وقت اخر، وكانت هذه اولى المشكلات التي واجهت تأسيس مدرسة الحقوق، الامر الذي دفع عدداً من الشباب في مقدمتهم السيد محمود صبحي الدفتري، لتحرير عريضة رفعوها الى الهيئة الإصلاحية طالبوا فيها تنفيذ الإرادة السلطانية بتأسيس مدرسة الحقوق، وذكر حسن الدجيلي في كتابه تقدم التعليم في العراق، أن هذه المسودة موجودة في مكتبة صبحي الدفتري، وقد كتبت في شهر حزيران عام 1908، مذيلة بتوقيع زملائه الشباب، منهم “عبد الله ثنيان وثابت السويدي”.

وقد نشرت صحيفة الاهالي نص العريضة:

«عريضة طلب تأسيس مدرسة الحقوق»

نسأل الله مصدر الحق المفرد الفياض أن يجعل ولي نعمتنا من غير امتنان ملجأ

المعارف وملك الملوك المكتنة في الحكمة وأن يبقيه زينة للسدة، الرفيعة الشأن

العزيز المقام الى الابد الاباد آمين.

إن أشعة الكمالات المنبثقة من مآثر البدائع التي لا تعد ولا تحصى إنما ازدانت لها

ساحات الرقي في عهد ذي الشوكة سيدنا الحامل بتقديم يبغضنا عليه الأسلاف قد بهرت عيون شكراننا وعيوننا ورقينا قد حملتنا على تكرار الدعاء الواجب الاداء بإطالة عمر الشوكة -الامبراطورية-

«واصلت العريضة بعد هذه المقدمة الإلتماس من الوزير الإسراع بفتح المكتب، الذي يعد تأسيسه ثمرة من مساعيه بالاسلوب التقليدي لذلك الوقت، وختمت بالدعاء ثانيةً بحياة السلطان»، وبعد مرور ثلاثة أسابيع من تقديم العريضة، تهيأت الظروف لناظم باشا رئيس الهيئة الاصلاحية في تولي ولاية بغداد وكالة، وبعد إعادة العمل بالدستور، قام بإصدار الاوامر لترميم وتجميل البناية التي كان مقرراً ان تفتح فيها مدرسة الحقوق، في يوم الثلاثاء الموافق الأول من ايلول عام 1908.

أُقيم الحفل في عصر ذلك اليوم، وحضره عدد كبير من كبار الموظفين وأركان الجيش ووجوه البلد، عزفت في بداية الحفل الموسيقى، والقى وكيل المدرسة خطاباً موجزاً رحب فيه بالحضور، وأشاد الوكيل بدور ناظم باشا، ودعا لجلالة السلطان بالنصر والتوفيق.

القى الوالي وكالة ناظم باشا كلمة مرتجلة، آستعرض فيها الآوضاع الإجتماعية والإدارية في العراق، وأكد بصورة خاصة على النهضة العلمية وحاجة العراق الثقافية، وعلى ضرورة أن تتحوّل المدرسة إلى (ركن العدل المكين) ، وألقى جميل صدقي الزهاوي، وفي الختام القى محمود صبحي الدفتري بوصفه أول طالب سجل في المدرسة خطاباً باسم زملائه، أكد فيه على العلم وأهميته، وعلى تاريخ العراق، وماضيه التليد، وتعهد الجميع على البذل والسعي في مضمار الدارسة.

عن رسالة (كلية الحقوق العراقية (1928-1958م) دراسة تاريخية )