جاك هيرشمان.. منشداً وسائراً

جاك هيرشمان.. منشداً وسائراً

فرانسيس سمعان

رحل عن عالمنا المترجم، والناشط السياسي، وقبل هذا كلّه، الشاعر الأميركي المعروف بانتمائه لجيل البيّت جاك هيرشمان. كان جاك غزير الإنتاج، إذ نشر مئة كتاب شعر، تُرجم ما يقارب نصفها إلى أكثر من تسع لغات، واختير “شاعراً متوَّجاً” لمدينة سان فرانسيسكو (2006-2009)، وكان عضواً مؤسساً في حركة الشعر العالمية لمدينة ميديين الكولومبية، و”كتائب الشعراء الثوريين” في سان فرانسيسكو، والمنظمة الشيوعية، ورابطة الثوار من أجل أميركا الجديدة.

بدأ جاك مسيرته المهنية وهو في مدرسة كلينتون الثانوية في نيويورك، حيث درس فيها المرحلة الثانوية. في سن الخامسة عشرة، عمل كمراسلٍ لصحيفة “برونكس تايمز” ومجلتها التي تصدر أسبوعياً. ثم بعد ذلك، وتحديداً بين العامين 1951 و1955 عمل في وكالة الأخبار الأميركية “أسوشيتد برس”. نشر جاك أولى قصائده في أثناء دراسته في كلية مدينة نيويورك، وكان كتيبه الأول بعنوان “مقتطفات” في العام 1953، حيث طبع منه 75 نسخة، وزّعها جاك بنفسه على الأصدقاء والمعارف.

في أثناء ذلك كلّه، قرر هيرشمان، في أحد الأيام، أن يرسل رسالة إلى إرنست همنغواي الذي فاجأه ورد عليه برسالة حملت عنوان “رسالة إلى كاتبٍ شاب” نُشرت بعد وفاته. في عام 1959 تخرج هيرشمان من جامعة إنديانا حاصلاً على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن، وبحلول العام 1960 نشر ديوانه الشعري الأول بعنوان “مراسلات الأميركيين” الصادر عن جامعة إنديانا. طرد خلال عمله كأستاذٍ جامعيٍّ في كلية دارتموث وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس بسبب تشجيعه الطلاب على مقاومة الخدمة العسكرية في أثناء حرب فيتنام. في تلك المرحلة تعرّف على الشاعر الأميركي لورانس فيرلينجيتي وصارا صديقين.

بدأ جاك في حقبة الستينيات علاقة صداقة قائمة على تبادل الرسائل مع الشاعر ألن غينسبرغ، وانتهى بهما الأمر باللقاء في شقة غينسبرغ في نيويورك. في تلك الأثناء كان قد بدأ بممارسة الترجمة، فترجم كلاً من فلاديمير ماياكوفسكي، وأنطونين أرتو، وستيفان مالارميه، كما ترجم بعد ذلك القصائد التي كتبها جوزيف ستالين في شبابه.

بعد تركه للحياة الأكاديمية، بدأ جاك نشاطًا سياسيًا مكثفًا لن يتخلى عنه أبداً. في عام 1980 انضم إلى حزب العمل الشيوعي وأصبح عضواً في اتحاد الكتاب اليساريين. إضافةٍ على كونه شاعراً ملتزماً في كتاباته حيث يقول في قصيدته التي تحمل عنوان وطن: “وطن واحدٌ، مرةً واحدةً، وإلى الأبد. ليس صرخةً عرجاء تتكئ على عكاز في رصيف أغرقه المطر. كلا، إنه الوطن للجميع”؛ كان جاك شخصاً ملتزماً بالممارسة السياسية أيضاً، وهذا ما دفعه إلى قضاء جزء كبير من حياته في الشوارع يشارك في الاحتجاجات والتظاهرات السياسية.

بين حقبتي الثمانينيات والتسعينيات، قام جاك بجولة في أوروبا، شارك خلالها في العديد من القراءات الشعرية، إضافة إلى ترجمته للعديد من الشعراء الذين التقى بهم. تزوج في العام 1999 من زميلته الشاعرة أنيتا فالك، وأقاما في سان فرانسيسكو.

يتكون عمله الرئيس الذي يحمل عنوان “الأسرار” من 126 قصيدة توزعت على أكثر من ألف صفحة. نذكر من بين أعماله الأخرى على سبيل المثال لا الحصر: “الألف السوداء” 1969؛ “الخطوط الأمامية. قصائد مختارة” 1976؛ “كل ما بقيَ” 2008.

صحيح أن الشاعر الأميركي جاك هيرشمان قد رحل عن عالمنا عن عمر يناهز الثمانية والثمانين عاماً، إلا أننا على ثقة تامة أنه سلك طريقاً “لن يأخذه إلا إلى طريق المجد، سائراً ومنشداً” ـ تماماً كما يقول في قصيدته “طريق».

عن العربي الجديد