جابر عصفور، شخصية لامعة، جامعة، مثقفة ،استثنائية

جابر عصفور، شخصية لامعة، جامعة، مثقفة ،استثنائية

نصير شمه

الرحيل دوماً موجع في صميم القلب، يؤجج في الروح وفي الذاكرة صوراً براقة عندما يتعلق الأمر بشخص عرفناه عن قرب وأحببناه ونحترم فكره ودوره في تخصصه ومحيطه، وكأّن العقل يعاند وجع الفراق بطريقة فنية بتلك الصور السريعة المتراكمة في الذاكرة ليخفف من وطأة وهول الفقدْ.

الدكتور جابر عصفور عرفته بشكل شخصي عام 2000 في القاهرة واستمرت علاقتنا لغاية رحيله، أستطيع أن أقول ودون عواطف إنه شخصية لا مثيل لها، أستطاع أن يجمع المثقفين المصريين والعرب بطريقة فريدة، وأصبح المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة بفترة إدارته بوصلة المثقف والشاعر والروائي والمفكر والفيلسوف حتى لايكاد يّمر أسبوع دون حدث ثقافي عربياً أو مصرياً، ومن حسن حظي كان بيت العود في دار الأوبرا المصرية وكذلك المجلس الأعلى، لذلك وبشكل يومي أتفقد برنامج المجلس وأحضر للندوات الفكرية وأنا على يقين أن المتحدث مهم لثقتي باختيارات د. جابر، لأنه لن يجامل على حساب الثقافة مطلقاً.

اسسنا 2010 بصحبة الدكتور قيس العزاوي والدكتور صلاح فضل والدكتور جابر عصفور والدكتور محمد الخولي والدكتور يحي الجمل والدكتور مصطفى الفقي والدكتور خالد زيادة والعبد لله، الصالون الثقافي العربي، في القاهرة وكانت تلك حقبة ورحلة معرفية أخرى وطدت العلاقة الفكرية بيننا وتعرفت أكثر على رجاحة فكره وقوة إدارته لأفكاره والحفاظ على مسار الحديث واللغة العالية والجديدة المتدفقة، ولا أنسى بل وأؤكد على وضوح منهجه في التفكير وتفنيد الآراء المتذبذبة أثناء المداخلات، وكنت دوماً أنتظر ماذا سيقول بعد أن يستلم الكلمة، وكان مع الدكتور الناقد والمفكر صلاح فضل ثنائي جدلي يرفعا مستوى النقاش لمنطقة مغايرة تثير الدهشة.

لا أدري كيف نتعامل مع الموت عندما يأخذ عقولاً نادرة وشخصيات تجمع صفات كثيرة وجميلة كما كان د. جابر عصفور!

له معي مواقف كثيرة وجميلة في بيته ومكتبه ومكتبته الشخصية وفي جلسات الصالون العربي وفي المجلس الأعلى للثقافة والوزارة وفي سفرنا معا لتونس وللبحرين عندما تحصلنا بنفس العام 2007 على جائزة مؤسسة الفكر العربي هو عن الآداب وانا عن الإبداع.

لا يمكن نسيان ترحيبه في كل لقاء ولا كلماته الحبيبة ولا صداقته المشعة، وكم تناولنا الغداء والعشاء بصحة الصديق الأستاذ فخري كريم في كل زياراته للقاهرة وهو الذي تربطه بالدكتور جابر علاقة عالية (ودمها خفيف)، د جابر عصفور ذاته لم يتبدل لا رئيساً للمجلس ولا وزيراً للثقافة ولا متقاعداً ولا مفكراً ولا في فراش المرض، ذات الروح القوية والشخصية الآسرة ودماثة الخلق دون إدعاء.

وداعاً د. جابر روحك ستبقى تحلق بيننا الى أن نلقاك.