عندما دافعت المدى عن الدكتور سنان الشبيبي

عندما دافعت المدى عن الدكتور سنان الشبيبي

المدى

نظمت مؤسسة "المدى" في مقرها ببغداد يوم التاسع من تشرين الثاني 2012 ندوة حول قضية البنك المركزي ومحافظه المقال الدكتور سنان الشبيبي الذي شارك في الندوة عن طريق الانترنت متحاوراً مع نخبة من الخبراء الاقتصاديين والماليين والإعلاميين.

وأكد الشبيبي أن البنك بدأ يواجه مشاكل مع الحكومة منذ العام 2009، وقال "تمثلت هذه المشاكل خصوصا في طلب الحكومة أموالا من احتياطي البنك، وهو ما رفضه البنك. وهذه كانت القضية الأساسية في مشاكل الحكومة والبنك، وقد بينّا للحكومة إن وجود هذا الاحتياطي أو ما يعرف بغطاء العملة هو شيء أساسي في الحفاظ على قيمة الدينار وعدم تذبذبها، وإذا كان للحكومة أي مشاريع فلتخصص لها من مواردها"، وأكد أن احتياطي البنك "هو احتياطي العراقيين جميعاً وليس من حق الحكومة التصرف به" كما أكد اهمية استقلال البنك عن الحكومة للحفاظ على اموال الشعب العراقي من مطالبات دائني الحكومة وطمأن الى ان احتياطات البنك مؤمنة في اهم البنوك في العالم.

وأضاف الشبيبي أن "البنك المركزي رغم عدم استقرار الاقتصاد في العالم، ساعد في تحقيق الاستقرار المالي والاستقرار في الأسعار وفي سعر الصرف، واستقرار المدفوعات والاقتصاد العام للدولة، لكن الحكومة لم تستغل ذلك في التنمية، وهذا طبعاً خطأ كبير، لأن البنك وضع أرضية قوية لبناء التنمية ولم تستغله الحكومة، ولم يكن البنك هو العائق كما اتهمته أطراف في العملية السياسية، والمسؤولون يجب أن لا ينكروا دور البنك في هذه القضية".

وأوضح الشبيبي إن "القضية الأخرى هي مزاد العملة الأجنبية، وكل الكلام الذي يدور حولها هو كم هي حصة الشخص أو كم نستطيع أن نعطي للجهة الفلانية من العملة، وهذا خطأ في اخذ موضوع مزاد العملة بهذه الطريقة، لأن المزاد هو سياسة نقدية لذلك وضع في يد البنك المركزي، وهذه السياسة النقدية تسحب العملة العراقية وبالتالي تقلل الضغط على الأسعار وتعطي قيمة لطبع العملة، وهدف ثانوي آخر لها وهو عند الاستيراد من قبل الأشخاص استخدام هذه الموارد وانخفاض الطبع، وإن هدف البنك الأساسي هو التخفيض من مستوى الطبع، لذلك فأن مزاد العملة الأجنبية هو سياسة نقدية وليس سياسة تجارية، والملاحظ ان كل من يتهم البنك المركزي إنما اتهمه في الجانب التجاري، والبنك المركزي لا علاقة له بالعمليات التجارية، لكن البنك يتعامل ويعطي المال لمن لديه حساب في مصرف ما ويريد إبدال أمواله بالدينار العراقي، ونحاول عن طريق ذلك أن نجعل من الدينار العراقي عملة صعبة، ولا داعي أبداً لتوفير الدولار مادام الاحتياطي متوفراً، وإذا لم يتوفر لدينا الدولار ففي تلك الحالة نرفع من سعره، وهذه العملية يجب أن تفهم من قبل الحكومة والمواطنين فالبنك المركزي نظم مزاد العملة من أجل هدف تنموي وليس لهدف تجاري، وإذا أراد بعض السياسيين أن يوجهوا التهم إلى البنك المركزي فيجب عليهم أن يفرقوا بين البنك المركزي والبنوك التجارية".

وأشار الشبيبي إلى أن "علاقة البنك المركزي بالمصارف التجارية جيدة جداً لكن في نفس الوقت نحن نأخذ المعلومات منقوصة، ولا يوجد أي بنك مركزي في كل العالم يشرف على وضع المصارف التجارية وعملها بشكل شامل وكلي، وإن عمل المركزي ينحصر في سؤال المصارف التجارية والتأكد منها بأن حساباتها لا تستخدم في غسيل الأموال أو في دعم الإرهاب، وبالتالي يتم العمل والاتفاق بين المركزي وتلك المصارف على أساس هذا".

ونفى الشبيبي اي صلة للبنك بعمليات غسيل الأموال وقال "حتى اللحظة لم يجر اخبار البنك والإدارة العليا بأي عملية لغسيل الأموال، وإن بعض البرلمانيين يقولون إن قسم غسيل الأموال جمع بعض المعلومات، لكن في الحقيقة تلك المعلومات حول مخالفات مصرفية وليست عن عمليات غسيل الأموال، وقسم غسيل الأموال هو المسؤول إذا كانت هناك شبهة عن غسيل أموال".

وأكد الشبيبي إن "الشبهات والتهم الموجهة للبنك المركزي غير حقيقية وإن موظفي البنك هم من أفضل الموظفين وأكثرهم نزاهة وكلهم شرفاء في ما يتعلق بتعاملهم المهني". واضاف "البيانات موجودة في ما يتعلق بكل دينار دخل للبنك أو خرج منه منذ سنة 2004 حتى الآن، وكل الملفات الخاصة بعملية نقل وتحويل العملة من العراقية إلى الأجنبية أو بالعكس، أو ما دخل في حسابات الحكومة أيضاً كلها موجودة، وأنا مستاء جداً من توجيه التهم إلى البنك وموظفيه، ومستاء جداً من ترك مؤسسات مشبوهة تعمل على تشويه سمعة البنك الذي هو من أكثر مؤسسات الدولة المعروفة بسمعتها الجيدة في كل العالم".

واكد الشبيبي أن "المشكلة الرئيسية للبنك تتمثل في عدم موافقة البنك على تمويل الحكومة باستخدام الاحتياطي الذي يمثل القوة الداعمة للعملة ويعتبر ميزانية تمويلية للبنك المركزي ولا يستخدم إلا في حالات مثل مزاد العملة أو في حالة وجود أزمة اقتصادية يستطيع البلد بهذا الاحتياطي أن يواجهها ودعم الدولة بهِ ولا يستخدم أيضاً إلا في حالة توقف عملية الإنتاج حيث يستخدم الاحتياطي في دعم الاستيراد، لذلك إذا استخدمنا الاحتياطي فسنؤثر في سعر صرف العملة وهذه أشياء فنية لم يرد أن يستمع اليها المسؤولون في الحكومة".

وردا على سؤال حول رأي البنك الدولي ومنظمة النقد الدولي في الإجراءات الأخيرة المتخذة في حقه وحق البنك المركزي وإقالة المسؤولين في البنك بإجراء مخالف للدستور، قال الدكتور الشبيبي إن "البنك الدولي وصندوق النقد كمنظمات دولية لهم آراء حتى لو كانت شخصية، لكنهم يأخذون بنظر الاعتبار الحساسيات السياسية بين الدول، ومن المؤكد إن لهم رأيا كمراقبين لوضع النقد على المستوى الدولي وما يواجهه من فساد".

وجوابا على سؤال عما إذا كان هناك تقصير في عمل البنك وما هي التهمة الأساسية الموجهة اليه، قال الشبيبي "رغم كل ما أثير لم يكن هناك تقصير من البنك المركزي لكن هناك قضايا مع الحكومة على اساسها اتخذت الحكومة إجراءاتها العنيفة، مثل قضية احتياطي البنك من أموال والتي هي موجودة وهناك تقارير تُقدم بين فترة وأخرى إلى البرلمان من أجل متابعة عمل البنك".

وبخصوص عدم تغيير لجنة بيع العملة قال إن أعضاء اللجنة كانوا أكفاء ونزيهين "فإذا كانوا ذوي كفاءة ونزاهة في العمل فلا بأس بأن يبقوا في عملهم"، واكد الشبيبي ان اعضاء مجلس إدارة البنك متضامنون في المسؤولية والقرارات المتخذة يساهم فيها الجميع، "وهناك اجتماعات يومية تقريباً للكادر المتقدم، وليس كما تدعي الحكومة بعدم الاجتماع أو الإشراف على عمل الموظفين".

وردا على سؤال حول السبب الذي يمنع الشبيبي من العودة إلى بغداد وفتح ملفات البنك والقضية المثارة، قال الشبيبي إن "مذكرة الاعتقال الصادرة في حقي موجودة في المطار ولا تخضع للكفالة، ومن الممكن أن يتم اخذي إلى مكان لا أحد يعرفه وهذا ما يجعلني متخوفا من العودة إلى بغداد".

وأعرب الشبيبي عن انزعاجه الواضح من تصرف الحكومة معه بهذا الشكل ومحاولة تشويه صورته وسمعته أمام المجتمع الدولي ومحاولة تسقيطه داخليا، ووعد بالرجوع إلى بغداد في حالة إلغاء مذكرة القبض عليه من اجل المثول أمام القضاء وإيضاح الأمور لوسائل الإعلام والمواطنين ولكي يدافع عن نفسه أمام التهم الموجهة له من قبل الحكومة، شاكراً كل من ساعد وساهم في إيصال الحقيقة للناس.

الى ذلك انتقدت رابطة المصرفيين العراقيين الإجراءات المتخذة في حق الشبيبي، حيث أكد فائق ناصر حسين مدير إدارة وتدريب رابطة المصارف العراقية، قائلا "إننا كمصرفيين ننتقد الأجراء الذي اتخذته الحكومة بحق الشبيبي ونحن نعرفه كشخصية وطنية ونزيهة".

وأضاف حسين في تصريح لـ"المدى" إن "بول بريمر أراد أن يلغي الدينار العراقي ويضيع من قيمته مثل ما فعلت أمريكا في بعض الدول التي استعمرتها، لكن سنان الشبيبي كان من الذين وقفوا ضد ذلك اعتزازاً بالدينار العراقي واعتزازاً بوطنه، ورفض هذا المشروع الذي أرادت أمريكا ان تطبقه حيث بدأوا بصرف منح للمتقاعدين بالدولار الأميركي، وكان للشبيبي الدور الكبير في طباعة عملة عراقية جديدة، وله الدور أيضا في مشروع حذف الأصفار، ولم تستوعب الحكومة كل هذه الأمور وبقيت بعيدة عنها".

وأوضح حسين إن "سبب التهم والإجراءات التي اتخذتها الحكومة بحق الشبيبي هو عدم تمكينها من السيطرة على احتياطي البنك المركزي من أموال لتتصرف بها، رغم إن الشبيبي احتفظ بتلك الأموال لدعم العملة وتحقيق عملية مزاد العملة للحفاظ على سعر الصرف، وإن هذا الاحتياطي يستخدم للأزمات والكوارث أو توقف تصدير النفط لأشهر حيث يستطيع في حينها المحافظ من إقراض الحكومة بعض الأموال من ذلك الاحتياطي".

من جانبها وصفت لجنة النزاهة النيابية، أمس السبت، اللجنة الخاصة بالتحقيق في قضايا الفساد التي نسبت إلى البنك المركزي العراقي بأنها غير "قانونية"، وأكدت أنه سيتم تشكيل لجنة جديدة لإعادة التحقيق بهذا الملف، داعية إلى تجميد قرار إلقاء القبض بحق محافظ البنك سنان الشبيبي. وقال عضو لجنة النزاهة النيابية عزيز العكيلي في حديث لـ(المدى برس)، إن اللجنة الخاصة بالتحقيق في ملف البنك المركزي "غير قانونية"، وأوضح أن "تشكيل هذه اللجنة جاء مخالفا للقانون رقم (83) من نظام مجلس النواب، والذي ينص على أن يكون تشكيل اللجان المؤقتة من خلال طلب يتقدم به (50) نائبا أو عن طريق التصويت عليها داخل البرلمان".

وبين العكيلي أن "اللجنة شكلت عن طريق هيئة رئاسة البرلمان وضمت عضوين من حزب واحد وهو أمر مستغرب".

وكان مجلس النواب قد شكل في آب الماضي لجنة لتقصي الحقائق بشأن مبيعات المزاد اليومية للدولار في البنك المركزي والأشخاص الذين يحصلون على العملة الصعبة وتدقيق أرقام المبيعات، وتضم رؤساء اللجنتين المالية والاقتصادية وديوان الرقابة المالية وعدد من النواب، وقدمت اللجنة تقريرها بشأن عمل البنك مطلع تشرين الأول الماضي، ثم عاد مجلس النواب وشكل في السادس من شهر تشرين الثاني الحالي لجنة أخرى للتحقيق في تداعيات عمل البنك المركزي وتضم رئيس اللجنة الاقتصادية حيدر العبادي ورئيس اللجنة المالية أحمد العلواني ومحافظ البنك المركزي وكالة عبد الباسط التركي، وبإشراف مباشر من هيئة رئاسة البرلمان.

ودعا العكيلي الحكومة والهيئات القضائية إلى "تجميد قرار إلقاء القبض بحق محافظ البنك المركزي العراقي، ليتسنى له الحضور إلى بغداد والدفاع عن نفسه"، لافتا إلى أنه "سيتم تشكيل لجنة جديدة لإعادة التحقيق بهذا الملف". وذكر العكيلي أن "الشبيبي أخبر لجنة النزاهة بأنه بريء من التهم الموجهة إليه، وأن حالات الفساد حصلت في المصارف ولا دخل للبنك المركزي فيها"، وتابع أن "الشبيبي طالب بضمانات بعدم اعتقاله في حال عودته إلى بغداد، وبأن تتم استضافته مع كادر البنك المركزي داخل مجلس النواب، للاستماع إلى إفاداتهم بشأن التهم الموجهة إليهم".

وكان مجلس القضاء الأعلى أعلن في (19 تشرين الأول الماضي)، صدور مذكرة اعتقال بحق محافظ البنك المركزي وعدد من المسؤولين في قضايا فساد، بعد أن نقلت وسائل إعلام محلية، في (14 تشرين الأول 2012)، عن مصادر رقابية أن القضاء أصدر مذكرة اعتقال بحق الشبيبي بتهم فساد، مشيرة إلى أنه هرب خارج البلاد بعد صدور المذكرة، فيما نفى البنك تلك الأنباء، مؤكداً أن المحافظ يشارك حالياً في مؤتمر سنوي بطوكيو وسيعود إلى بغداد.

وقرر مجلس الوزراء، في (16 تشرين الأول 2012)، تكليف رئيس ديوان الرقابة المالية عبد الباسط تركي بمهام محافظ البنك المركزي وكالة. ولاقت قضية إقالة محافظ البنك المركزي ردود فعل دولية متباينة إذ دعا السفير الأمريكي في العراق ستيفن بيكروفت في الخامس والعشرين من الشهر الماضي إلى تحقيق شفاف في هذه القضية لما تمثله من أهمية كبيرة للاقتصاد العراقي، كما شدد البنك الدولي على ضرورة إجراء تحقيق شفاف في هذه القضية، لافتا إلى عدم معرفته بالفوضى التي كانت تسود البنك المركزي العراقي والتي تحدث عنها المسؤولون العراقيون.