الأب ألبير أبونا جامع موروث النهرين الفكري

الأب ألبير أبونا جامع موروث النهرين الفكري

‬سامر الياس سعيد

كان‮ ‬يوم السبت ‮ ‬الموافق الرابع من كانون الاول‮ ( ‬ديسمبر‮ ) ‬اخر محطات الاب البير ابونا الحياتية اذ فارق الحياة في‮ ‬ذلك اليوم عن عمر ناهز ال87 عاما كانت اعوامها الاخيرة صراعا مع المرض الذي‮ ‬ارغمه على الاستقرار في‮ ‬احد مستشفيات مدينة اربيل قبل ان‮ ‬يلفظ انفاسه الاخيرة هناك ويدفن جثمانه بحسب وصيته في‮ ‬مسقط راسه ببلدة فيشخابور في‮ ‬قضاء زاخو بمدينة دهوك‮ .. ‬

مسيرة حافلة
اما عن سيرته الفكرية التي‮ ‬تركها الاب البير ابونا فهي‮ ‬حافلة سواء بالمقالات التي‮ ‬دبجها‮ ‬يراعه اضافة للكتب التي‮ ‬استلهم فيها روح المسيحية المشرقية ةماكانت عليه في‮ ‬سنوات بداياته او منتصفها اضافة للمحطات التي‮ ‬مرت بها سواء من خلال تعرضها للاستهدافات والحملات المنظمة الى جانب انتشارها في‮ ‬اصقاع العالم‮ .. ‬وقد نشطت الحركة الفكرية لدى الاب البير ابونا من خلال السنوات الاخيرة حينما اسهمت كنيسة اربيل الكلدانية بدفع العديد من نتاجات الاب الراحل الى النور اذكر منها مصدره الذي‮ ‬اضحى مرجعا مهما سواء للباحثين او المهتمين ممن‮ ‬يهمهم تاريخ كنيسة المشرق حينما عمد الاب الراحل الى ترجمته الى نص الكتاب الذي‮ ‬اصدره ريموند لوكوز حيث صدر الكتاب بجزئيه الاول والثاني‮ ‬بترجمة عربية في‮ ‬مدينة عنكاوا العام الماضي‮ ..‬
‮ ‬وقد التفت الاب البير ابونا خلال الجزء الاول من الكتاب وفي‮ ‬سياق مقدمته الى ان ما اكثر ما كتبوا في‮ ‬كنيسة المشرق وتاريخها الطويل الممتد على نحو عشرين قرنا واصفا ذلك التاريخ بالحافل بالعظائم والزاخر بالبواهر والمليء بالمفاجات وتابع ابونا الى ان المؤلف لوكوز ليس من المؤرخين الكبار لكنه اثار اعجاب المترجم وتقديره من جانب المعلومات الكثيرة والنفيسة التي‮ ‬استقاها من مصادر عديدة ونقلها للقراء مشكورا كون هولاء من ابناء الكنيسة العريقة في‮ ‬القدم وتناول الجزء الاول من الكتاب المذكور العصر الساساني‮ ‬الذي‮ ‬فيه عاشت كنيسة المشرق اربعة قرون الى جانب الديانة المزدية وعانت في‮ ‬تلك الفترة من بعض البدع كالاريوسية والمرقية والمانوية والى اخره فيما تناول القسم الثاني‮ ‬من الجزء الاول من كتاب تاريخ كنيسة المشرق العصر العربي‮ ‬ومجيء الاسلام وكيف استقبلت هذه الكنيسة القادمين الجدد اما القسم الثالث فاختص بقراء تاريخ الكنيسة المشرقية ابان عهد المغولي‮ ‬وما احدثه هولاء الاقوام القادمون من الشرق الاقصى من الفساد والدمار في‮ ‬هذه البلدان فيما تناول القسم الرابع العصر العثماني‮ ‬والفئات الاخرى التي‮ ‬تنافست على حكم بين النهرين ويختم المؤلف لوكوز كتابه في‮ ‬الفصل الخامس الذي‮ ‬سلط من خلاله الاضواء نحو كنيسة اليوم وحياتها وتواجدها في‮ ‬مختلف انحاء العالم وهذا ما اختتم به الجزء الثاني‮ ‬من الكتاب حيث كان الجزء الاول والثاني‮ ‬عموما بنحو‮ ‬724‮ ‬صفحة من القطع الكبير ملحقا به الكثير من الخرائط التفصيلية التي‮ ‬تبين مناطق تبعية الكنيسة المشرقية‮.‬
‮ ‬كما اسهم الاب البير ابونا بترجمات مهمة لاسيما من خلال ترجمتها من اللغة الارامية الى اللغة العربية ومن اثاره في‮ ‬هذا الشان‮ ‬يبرز كتابه الذي‮ ‬اصدره عام‮ ‬2016‮ ‬تحت عنوان مار اسحق القطري‮( ‬اسقف نينوى‮ ‬– القرن السابع‮ ) ‬الطريقة الرهبانية وفي‮ ‬هذا الكتاب الذي‮ ‬جاء بـ485‮ ‬صفحة من القطع الكبير التفت المترجم وفق المقدمة التي‮ ‬استهل بها الكتاب الى ان مار اسحق منح عدة القاب فسمي‮ ‬اسحق النينوي‮ ‬لانه صار اسقفا لنينوى بضعة اشهر وسمي‮ ‬ايضا باسحق السرياني‮ ‬نظرا لثقافته السريانية او الارامية فيما التزم المترجم الاب البير ابونا بتسمية هذا الاسقف باسحق القطري‮ ‬كونه ابصر النور في‮ ‬قطر التي‮ ‬كانت تسمى بيث قطرايي‮ ‬وهي‮ ‬على الساحل الغربي‮ ‬من الخليج العربي‮ ‬وهي‮ ‬الان جزء من الامارات العربية المتحدة مضيفا في‮ ‬المقدمة بان هيلاريون الفييف قام بترجمة قسم من كتابات مار اسحق الى اللغة الروسية مع تعليقات مفيدة في‮ ‬كتاب حمل عنوان الكون الروحي‮ ‬لاسحق السرياني‮ ‬وحظي‮ ‬الكتاب المذكور بترجمة الاب اندري‮ ‬لوف الى اللغة الفرنسية في‮ ‬عام‮ ‬1992‮ ‬واعتبرت تلك الدراسة بمثابة بحث مفصل تناول ترجمات لمقاطع عديدة من كتابات هذا المتصوف الكبير الذي‮ ‬يدعى اسحق القطري‮ ..‬
ترجمة مصادر
‮ ‬كما سعى الاب البير ابونا لمواصلة عمله بترجمة المصادر التاريخية من اللغة الارامية الى العربية مانحا اياتها لقراء العربية في‮ ‬سبيل اماطة اللثام عما شهدته الحقب المسيحية في‮ ‬فترات مهمة من تاريخها لذلك اصدر في‮ ‬العام الماضي‮ ‬عن كنيسة اربيل الكلدانية كتابه الموسوم رسائل البطريرك ايشو عياب الثالث الحديابي‮ ‬الذي‮ ‬جاء بـ‮ ‬324‮ ‬صفحة من القطع الكبير و والبطريرك الحديابي‮ ‬ابصر النور في‮ ‬بلدة قوفلانا في‮ ‬منطقة حدياب باربيل ودرس في‮ ‬مدرسة نصيبين ثم في‮ ‬دير بيث عابي‮ ‬واقيم اسقفا لنينوى سنة‮ ‬630‮ ‬وفي‮ ‬عام‮ ‬637‮ ‬اصبح مطرانا لحدياب وانتخب جاثيلقا لكنيسة المشرق في‮ ‬سنة‮ ‬649‮ ‬وفي‮ ‬سنة‮ ‬659‮ ‬توفي‮ ‬ودفن في‮ ‬دير بيث عابي‮ ‬وقد وضع البطريرك المذكور كتابات كثيرة من اشهرها رسائله التي‮ ‬ناهزت الـ‮ ‬106‮ ‬رسالة ولعلها اهتمت بالشؤون الليتورجية لكنيسة المشرق‮ ..‬
رحل الاب البير ابونا وكان رحيله بمثابة خسارة للاوساط المسيحية التي‮ ‬اهتمت بما قدمه طيبة سنوات حياته لاسيما من خلال الكتب التي‮ ‬اصدرها واصبحت مراجع ومصادر لاكاديميين اهتموا بابراز جوانب من كنيسة بين النهرين وما واجهته خلال سنواتها في‮ ‬القرون الاولى واللاحقة حيث بقيت مرهونة بما قدمه المستشرقين وتابعه الاب البير ابونا اضافة لقراءته وترجماته للمخطوطات التي‮ ‬حوتها رفوف الكنائس القديمة في‮ ‬العراق ولاشك في‮ ‬ان كل امر تابع لتلك المحطات سيعزى الى مصدره الذي‮ ‬دونه الاب البير ابونا بكثير من التفصيل والاسهاب وهذا هو اسلوب عمله الذي‮ ‬بقي‮ ‬امينا له طيلة السنوات التي‮ ‬استمرت على نحو عقدين او مايزيد لتنطفي‮ ‬شمعة الاب ابونا في‮ ‬مسيرته الحياتية لكن قناديل كتبه ومصادره ستبقى ملهمة لمئات الباحثين عن تاريخ المسيحية في‮ ‬ارجاء الشرق الاوسط‮ .‬