عندما أصبحت موظفا في التشريفات الملكية

عندما أصبحت موظفا في التشريفات الملكية

عبد الرزاق الهلالي

هويت الكتابة مذ كنت يافعا.. وكنت انشر ما يجود به قلمي في هذه الصحيفة او تلك قبل ان انخرط في عملي بالتشريفات الملكية، وبعد ذلك.. ولم تشغلني الوظيفة عن الكتابة يوماً.

ومن الطريف ان اذكر انني عملت في البداية في وزارة “المعارف” وبعد حدوث بعض المشاكل اردت ان انقل خدماتي الى وزارة اخرى، فوفقت في العثور على عمل (ملاحظ النقابات) في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية – مديرية العمل والضمان الاجتماعي – مديرية العمل والضمان الاجتماعي التي كان يديرها الاستاذ هاشم جواد. وقد وافقت وزارة “المعارف” على نقل خدماتي، ووجهت الي كتاب شكر خاص لمناسبة انتقالي للعمل الى وزارة اخرى.

وقد خطر لي انذاك، او اني تمنيت، لو كنت درست القانون، ليتسنى لي تقديم استقالتي وانصرف لممارسة مهنة المحاماة حرا دون اضطراري للعمل في مجال قد لا اكون متحمسا له. واتفق انذاك ان فتحت وزارة “المعارف” الابواب امام الراغبين في دخول كلية “الحقوق” من خريجي الثانويات، فكانت تلك فرصتي إذ سمحت الوزارة بان تكون الدراسة في الكلية مسائية فقدمت الى الكلية وقبلت فيها، وصرت احضر المحاضرات بانتظام.وكنت انذاك احد الكتاب في جريدة “الاخبار” التي يرأس تحريرها الاستاذ صادق الازدي فقد كنت انشر فيها بشكل يومي مقالات اجتماعية نقدية تحت عنوان: صور واحاديث اجتماعية، مما سبب لي مشاكل ومصادمات مع المدعي العام انذاك المرحوم عبد العزيز الخياط.

انا مطلوب من الشرطة

اوشك الامتحان النهائي للسنة الاولى في كلية الحقوق على الاقتراب، فطلبت اجازة من عملي امدها شهر واحد اعد نفسي خلاله لاداء الامتحان، وكنت ارتاد المقهى البرازيلي في محلة السنك كل يوم منذ الصباح الباكر حتى المساء اراجع الدروس مع زملاء الكلية.

وذات مساء، وقد عدت الى بيتي، باردتني زوجي بقولها:

- حضر شرطي وسال عنك ولما سألته عما يريد قال ان معاون شرطة الاعظمية يريده.

وكان معاون شرطة الاعظمية المرحوم محي الدين عبد الرحمن من رجال الشرطة الاشداء الذين يقترن اسمهم بالشدة والبأس. لذلك ركبني خوف، ورحت اضرب اخماسا باسداس، وكانت زوجتي تعاتبني وهي مرتبكة قائلة:

- كل هذا جراء كتاباتك في الصحف، ما لك ولمشاكل الناس والمجتمع؟ ماذا افدت من كل ذلك غير تعب القلب؟

فهدأتها قائلا:

- اصبري، فالصباح رباح كما يقولون.

وقضيت الليل انتظر، حتى اذا اسفر الصبح سارعت الى معاونية شرطة الاعظمة، ولما دخلت الى مكتب المعاون وجدت وجهه هاشا باشا فأطمانت نفسي بعد ان رحب بي المعاون احسن ترحيب قائلاً:

- اهلا بك استاذ.. اين انت؟ منذ اسبوع ونحن نبحث عنك..

قلت:

- خيرا ان شاء الله!

قال:

- لا نريد شيئا لكن البلاط (خبصنا) فقد اتصل الاستاذ احمد زكي المدرس وكيل رئيس التشريفات الملكية وطلب منا ان نبحث عنك.

ولما سمعت منه ذلك ازدادت مخاوفي، اذ لم تكن لي اية علاقة بالبلاط، فهل حسبوا انني اتعرض في مقالاتي لشخصية كبيرة في البلاط مثلا!

واتصل المعاون هاتفيا بالبلاط واخبرهم بوصولي وفهمت من خلال حديثه ان الطرف الاخر يرحب بي وهكذا ذهبت الى البلاط وتسلمت عملي في التشريفات الملكية..

واجب التشريفات

كان عملنا في التشريفات الملكية يتضمن واجبات كنا نقوم بها في اثناء ساعات الدوام الرسمي، وواجبات نقوم بها بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي، وذلك يشمل الاعياد والعطل والمناسبات الوطنية.. وغيرهما.

وكانت الواجبات كما يأتي:

1 ــ تنظيم المقابلات الشخصية للوصي عبد الاله وهي تتضمن مقابلات رجال السلك الدبولماسي في العراق وبعض الزوار الاجانب. وفي هذه الحالة يتم تحديد موعد تقديم اوراق اعتماد السفراء مثلا، مع دائرة التشريفات في وزارة الخارجية، وفي اليوم المحدد يصحب السفير او الوزير المفوض الجديد موكب رسمي تتقدمه كوكبة من الحرس (الملكي) من دار السفارة حتى البلاط الملكي. ويكون لباس الجميع في ذلك اليوم (البونجور) او (الفراكك) مع الاوسمة.

ويستقبل الموكب، رئيس التشريفات الملكية او من يقوم مقامه.. وبعد تفتيش الحرس يقاد السفير او الوزير المفوض الى قاعة الاستقبال لشرب المرطبات، ثم ينتقل لمقابلة الوصي.

وفي المساء يصدر بيان بذلك من دائرة التشريفات الملكية يذاع من الاذاعة وينشر في الصحف.

اما الزوار الاجانب، فاذا كانوا من كبار الشخصيات فيجري تقديم طلب المقابلة من قبل السفير عن طريق التشريفات الملكية ويحضر السفير عادة مع الضيف..

2ــ مقابلات الوزراء وكبار الموظفين وقد جرت العادة ان تكون المقابلة في الحالات الاتية:

2-1: عند تشكيل وزارة جديدة، حيث يحضر رئيس الوزراء واعضاء وزارته بملابس رسمية (البونجور) لمقابلة الوصي (او الملك) شاكرين ثقته بهم ويتلقون توجيهاته.

2-2: مقابلات الوزراء الفردية، والذي اذكره انها كانت تجري في ايام الاحدوالثلاثاء والخميس.

2 ــ مقابلات كبار موظفي الدولة، كقادة الفرق والالوية والمتصرفين والمفتشين العامين، والمديرين العامين الذين يعيشون لأول مرة لرفع الشكر وتلقي التوجيهات.

3 ــ تنظيم مقابلات الاعيان والنواب:

وهي تجري عادة عندما تصدر الارادة الملكية بتعيين احدهم عضوا في مجلس الاعيان لرفع الشكر، وقد يطلب احدهم مقابلة الوصي في مناسبة ما.

4ـ تنظيم مقابلات الاهلين:

وتتم، حسب الطلبات، وفق مواعيد معينة. وقد خصصت لها ايام السبت والاثنين والاربعاء من كل اسبوع.

وكنا نقوم، بعد الظهر، بواجبات الاتصال هاتفيا بطالبي مقابلة الامير عبد الاله المسجلة اسماؤهم في قائمة خاصة تعد لهذا الغرض، لتعيين موعد المقابلة.

ومن الواجبات التي كنا نقوم بها بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي:

1ــ حضور مجالس الفاتحة المقامة على ارواح كبار الشخصيات ورفع التعازي الى ذويهم باسم الوصي.

2 ــ عيادة المرضى.

3 ــ الحضور الى البلاط للاشراف على السجل الخاص الذي يسجل فيه المهنئون بالاعياد والمناسبات كلماتهم، والترحيب بهم، وشكرهم.

ومن الواجبات الاخرى لموظفي التشريفات: اعداد صيغ البرقيات بين الوصي وبعض الملوك والرؤساء والامراء وكتابة الخطب والكملات التي يلقيها الوصي في المناسبات. وكم مررنا بمواقف محرجة وشهدنا حوادث طريفة ونحن نؤدي عملنا، وكم تعلمنا من تلك التجربة فأفدنا واستفدنا.

عن كتاب (7 سنوات في التشريفات الملكية)