مصلحة نقل الركاب.. هكذا كانت البداية

مصلحة نقل الركاب.. هكذا كانت البداية

د. وهيب حسن العبودي

ظهرت الحاجة إلى تنظيم النقل بالسيارات في أواخر الثلاثينيات نتيجة لتوسيع بغداد بصورة كبيرة، وفتحت شوارع جديدة وتطلب ذلك وجود مؤسسة مستقلة لنقل الركاب في العاصمة لحل مشكلة النقل فيها، فصدر قانون رقم 38 لسنة 1938 (قانون مصلحة نقل الركاب)، ولقد اعتبر القانون هذه المصلحة مؤسسة ذات شخصية حكيمة، كما وتم ربط المصلحة بوزارة الداخلية وتحت إدارة أمانة العاصمة وحددت منطقة عمل المصلحة بـ(الدائرة).

وكان مركز هذه الدائرة في ساحة الباب الشرقي وحددت واجباتها بنقل الركاب بواسطة السيارات والترامواي (التروللي باص)، وتدار هذه المصلحة من هيئة تؤلف برئاسة مدير عام وأربعة أعضاء يعينهم وزير الداخلية وبموافقة مجلس الوزراء وبإرادة ملكية، ومن الجدير بالذكر أن النظام المشار إليه جاء في مادته الثانية. أن تجتمع الهيئة كل أسبوع للنظر في عملية تأسيس المشروع وإدارته على وفق أحكام الميزانية المصادق عليها، واجتمعت اللجنة لأول مرة بتاريخ 4 حزيران عام 1938 في ديوان أمانة العاصمة، وعقدت الجلسة برئاسة مدير الهيئة أرشد العمري أمين العاصمة وعضوية السيد يوسف غنيمة والمستر كاربارن [Karbarn] إضافة إلى السيد مصطفى أحمد والسيد ماجد القره غولي، ولابد من الإشارة إلى أن السيد صالح جبر وزير الداخلية آنذاك قد حضر الجلسة بناء على طلب المدير.

واستطاعت أمانة العاصمة من الحصول على قرار من وزارة المالية في عام 1939 لـتسليف مصلحة نقل الركاب بموجب المادة السادسة من قانون مصلحة نقل الركاب في العاصمة رقم 38 لسنة 1938 ويتضمن القرار ما يأتي:

أولاً: يتكون رأس مال المصلحة من عشرين ألف دينار عراقي تقترضه بضمان الحكومة.

ثانياً: تقدم الحكومة للمصلحة عند تأسيسها مبلغاً لا يتجاوز عشرة آلاف دينار عراقي.

ثالثاً: يجري التسليف والإقراض على وفق الشروط التي بعثها وزير المالية، وبموافقة مجلس الوزراء وبناء على تأليف المصلحة، المشار إليها طلبت تسليفها مبلغ (عشرين ألف) دينار عراقي على وفق شروط، وتعتبر هذه السلفة مؤقتة وتدخل ضمن القروض التي تمنح إلى وزارة البلديات يدفع إلى المصلحة المشار إليها أصل السلفة البالغة (عشرون ألف دينار) إلى المصلحة اعتباراً من الهيئة المذكورة وستدفع إليها حسب احتياجها وقتاً بوقت وتستوفي منها فائدة بمعدل 3‌% على السلفة المذكورة. وبالتالي طلبت هيئة المصلحة من وزارة الداخلية مفاتحة وزارة المالية لإقرار شروط التسليف وعرضها على مجلس الوزراء، وذلك من خلال كتابها المرقم (3) والمؤرخ في حزيران 1938 المعنون إلى وزارة الداخلية.

تمت مفاتحة وزارة المالية من قبل وزارة الداخلية في 13 حزيران 1938. ومن الجدير بالذكر أن الهيئة الإدارية لوزارة المالية قررت بعد اطلاعها على تقرير للجنة الفنية المؤلفة لغرض فحص العطاءات قبول عطاء شركة نوفيكود [Nooficod]، المقدم بواسطة وكلائهما في بغداد إبراهيم وشفيق عدس. وبسعر ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين دينار عراقياً. وبذلك تم اعداد نظام إدارة مصلحة نقل الركاب في العاصمة، وصار الأمر الملكي التالي (بعد الاطلاع على الفقرة الأولى من المادة السادسة والعشرين من القانون الأساسي واستناداً إلى المادة الرابعة من قانون مصلحة الركاب في العاصمة رقم (38) لسنة 1938، أمرنا بوضع النظام الآتي:

المادة الأولى: تقوم الهيئة بإعداد ميزانية المصلحة للسنة الأولى التي تؤسس فيها المصلحة وتراعي في إعداد الميزانية أحكام المادة التاسعة من القانون.

المادة الثانية: تجتمع هيئة الوزارة برئاسة مديرة الإدارة، ونائب ونصف أعضاء الهيئة وتصدر قراراً بالأكثرية وعند تساوي الآراء يرجح القرار الذي فيه الرئيس.

المادة الثالثة: تجتمع هيئة المصلحة مدة كل أسبوع ويدعوها مدير الإدارة للنظر في القيام بتأسيس المشروع على وفق أحكام الميزانية المصادق عليها.

المادة الرابعة: تدوين قرارات جلسات هيئة الإدارة في سجل خاص ويوقع عليها رئيس الجلسة وأعضائها.

المادة الخامسة: ترسل في نهاية كل شهر خلاصة قرارات هيئة الإدارة لذلك الشهر إلى وزير الداخلية للاطلاع على سير أعمال الهيئة. المادة السادسة: يقوم المدير بإدارة أعمال المشروع بوجه عام وعليه أن يصادق أسبوعياً على المصروفات وينظر بالقرارات الأخرى التي تصدرها هيئة الإدارة. وقد حرصت وزارة المالية على القيام بمشروع الباصات الجديدة في العاصمة، وقد تم وضع التصاميم وتنظر اللجنة المبالغ اللازمة للمشروع من خزينة الدولة. وكلفت الجهات المسؤولة عن المشروع بالسعي لتعزيز المشروع من خلال جلب سيارات جديدة وبالتالي عززت مديرية النقل بـ(13) سيارة جديدة وأضيفت اليها (10) سيارات أخرى.

إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية أدى إلى عدم إخراج المشروع إلى حيز التنفيذ، ذلك لاستحالة الحصول على الباصات من الأسواق العالمية. وخلال الحرب العالمية الثانية تقدمت شركة (كرنك لبنان)، وصاحب هذه الشركة من أصل فرنسي يحمل الجنسية اللبنانية بالإضافة إلى الجنسية الانكليزية وكان وكلاء هذه الشركة (لاوي وحسن مخزومي وعباس التميمي). حيث كانت الشركة تمتلك ثلاثين سيارة نوع شوفرليت من دون أبدان، فحصلوا على امتياز من الحكومة لتشغيل هذه السيارات في شارع الرشيد لمدة خمس عشرة سنة من دون الحاجة لاستيراد السيارات وقد طرحت الفكرة على أمين العاصمة أرشد العمري فقام بالاتصال بالمسؤولين لإلغاء امتياز وكلاء شركة (كرنك لبنان)، وتشغيل هذه السيارات لحساب أمانة العاصمة بعد استملاك هذه السيارات، وهذا ما تم واستحصل أمين العاصمة موافقة الحكومة، وبذلك أصبحت أول مديرية لمصلحة نقل الركاب. وقد واجهت صعوبة في الحصول على السواق، وكانت تطبع تذاكر المصلحة على الآلة الكاتبة. ومن الجدير بالذكر أن السيارات سميت (أمانة) نسبة إلى أمانة العاصمة. ومن ثم تم تأسيس شعبة النقليات لتتولى نقل الركاب.

ومن الجدير بالإشارة إلى أن وزارة الداخلية قد أصدرت عام 1941 تعديلاً لقانون مصلحة الركاب رقم (31) لسنة 1941، واعتبر هذا التعديل مصلحة نقل الركاب من الجهات التي يجوز تمليكها العربات والمبالغ الأسبوعية، بموجب أحكام قانون تمليك العربات والمبالغ العائدة للحكومة في إقامة المحطات لوقود السيارات وسهولة نقل الركاب بين بغداد العاصمة وضواحيها. وفي شهر آب 1943 سيرت مصلحة نقل الركاب مجموعة من باصاتها في شارع الرشيد، وكانت مؤلفة من (21) باصاً من نوع(الفورد والدوج والشوفرليت)، وكانت معظمها من مبيعات الجيش البريطاني في الشعيبة ثم وضعت لها أبداناً. وباشرت بتشغيل عشر سيارات كدفعة أولى لتقوم بنقل الركاب في شارع الرشيد، وأن خدمة النقل بالسيارات على شكل خطين الخط الأول ينقل الركاب من باب المعظم إلى باب الشرقي، والخط الثاني ينطلق من باب المعظم إلى منطقة البتاوين لتأمين راحة المواطنين، ثم تقرر توسيع مشروع الباصات، نتيجة التوسع العمراني الذي جعل مدينة بغداد ذات أطراف بعيدة، وليستوعب هذا التوسع بالنقل أيضاً.

كما أن أمانة العاصمة قد اتخذت التدابير اللازمة وأضافت عدداً من الباصات إلى الباصات العاملة في العاصمة. وبهذا قررت أمانة العاصمة فتح خطوط جديدة لسياراتها يبدأ من دائرة البرق والبريد في الكرادة الشرقية حتى سبع قصور والزوية. وتجدر الإشارة إلى أن أمانة العاصمة أخذت في تحديد أجور ما يتناسب مع بعد المسافات، فجعلت الأسعار كما يأتي الدرجة الأولى (10) فلوس والثانية (6) فلوس والثالثة (3) فلوس. وعلى أية حال فقد تم إلغاء مديرية النقليات العامة وتحويلها إلى شعبة مرتبطة بالإدارة العامة عن طريق وزارة الداخلية، عندما أجرت تعديلات الوزارة في تشكيلاتها الإدارية، وذلك عام 1944، ومن ثم عام 1945 صدر التعديل الثاني لمصلحة نقل الركاب فأطلق عليها (مصلحة نقل الركاب) وتتكون من أمين العاصمة مديراً لإدارتها العامة ونائب المدير ويساعده في أعمال وهيئة إدارة من المدير وأربعة أعضاء ويعين المدير وأعضاء الهيئة باقتراح الوزير وبمعاونة مجلس الوزراء ويجوز أن يكون من موظفي الحكومة الذين لا تقل درجتهم عن السادسة. وخلال عام 1950 تم تعديل قانون مصلحة نقل الركاب الثالث رقم (26) لسنة 1950 وابرز ما احتوى عليه التعديل هو أن تؤلف مصلحة نقل الركاب في العاصمة لتقوم بنقل الركاب بواسطة السيارات، وتؤلف المصلحة برئاسة مدير عام وأربعة أعضاء يعين هؤلاء بناء على اقتراح الوزير وبموافقة مجلس الوزراء وإرادة ملكية ويشترط في المدير أن يكون ممن سبق أن خدم في الحكومة مدة لا تقل عن عشر سنوات، وتكون مدة العضوية أربع سنوات، ولا يجوز تنحية العضو إلا بقرار من مجلس الوزراء ويحصل النصاب بحضور نصف أعضاء الهيئة. ومن المفيد بمكان أن نذكر أن المصلحة قد جلبت مطبعة عصرية تحتوي على أحدث مكائن الطباعة لتأمين احتياجات المصلحة من البطاقات والاستمارات والمجلات، وكذلك أسست معملاً للخياطة لإعداد ملابس السواق والجباية وغيرهم، فضلاً عن أن المصلحة قامت بتأسيس مستوصف لها بكامل التجهيزات لهذا الغرض وتم شمول الموظفين بقانون التقاعد بعد عام 1958، وأنشأت المصلحة دار استراحة لها يقضي فيها منتسبوها أوقات فراغهم ويتناولون وجبات الطعام في باب المعظم.

عن رسالة (امانة العاصمة 1939 – 1958)