مواجهة الحر في صيف بغداد في الجيل الماضي

مواجهة الحر في صيف بغداد في الجيل الماضي

إعداد: رفعة عبد الرزاق محمد

يبدو ان صحيحا ما قيل ان الطريق بين بغداد والخالص (ديلتاوه) كان السائر عليه قبل مئة عام لا يرى شمسا لكثافة الاشجار في البساتين الغناء التي تمتد على طول الطريق بين المدينتين. لقد كانت بغداد محاطة بمنطقة خضراء كاملة كانت السبب الرئيس في تلطيف المناخ في ايام القيض الشديد في فصل الصيف، فضلا عن الاساليب البسيطة التي استخدمها الناس لمواجهة الحر الشديد

وهي اساليب محلية الصنع تماما قبل ان تدخل الكهرباء وتخضع لها جميع الوسائل الحديثة في ذلك. ومن تلك الاساليب المحلية التي تعد اليوم من صور التراث الشعبي في الجيل الماضي ما نذكره هنا.

السرداب: وهو غرفة الصيف ويكون منخفضا عن مستوى ارض الدار بعدة بايات والباية كلمة تركية معناها موطئ القدم على السلم.اما التهوية متكون بواسطة البادكيرات (ومفردها بادكير وهي كلمة فارسية من مقطعين باد:هواء، كير:جالب)اي جالب الهواء.ومنفذ السرداب الارضي وهو اخفض من السرداب يكون عادة في داخل السرداب نفسه ولاتبلط ارضه بالطابوق ويكون مسقفا بالواح خشبية ومنهم من يسميه (نيم سرداب)ويكون اكثر برودة من السرداب

يت الحبوب- يواجة المجاز محل خاص فيه محامل خشبية مصنوعة من خشب التوت على كل محمل حب مصنوع من الطين المخفور ويغطى بقبغ من الخشب(غطاء)كما يوضع تحت كل حب اناء صغير وهو من الفخار يسمى (بواكه)ويوضع في بيت الحبوب هذا عدد من الحباب يتناسب مع عدد سكان الدار حيث تقسم مجموعة الحباب الى قسمين قسم للاستعمال اليومي وقسم يدخر لليوم التالي حتى يبرد (مي بيوتي)وقد صمم محل بيت الحبوب مقابل المجاز حتى يصله تيار الهواء من الدربونة فيزيد في برودة الماء، اما وضع (البواكة)تحت الحب فهو لجمع (مي الناكوط)اى المرشح من الحب ويكون صافيا جدا او كما يصفه البغادة بقولهم(صافي مثل عين الوزة)، وعند شيوع شرب الشاي استخدم مي الناكوط في تخدير الشاي لان الماء الصافي يعطي الشاي لونا شهيا ورغبة اهل بغداد بل العراقين عامة في شرب الشاي عارمة علما بان الشاي لم يعرف في بغداد الا بعد الحرب العالمية الاولى وكان استعماله على نطاق ضيق وعند المساء فقط حيث كان فطور البغادة يتكون مما يلي:الباقلاء المنقوعة-الشوربة بانواعها-الحليب-البيض المقلي او المسلوق-اللحم المشوي-التشريب-القيمر مع الدبس او مع العسل-ومنهم من يتناول بقايا عشاء اليوم المنصرم بعد تسخينه.

اما الاناء المستعمل لشرب الماء فهو (المنشل)او (الجيرية)وهو عبارة عن سلة صغيرة مصنوعة من سيقان الحلفة مطلية بالقير وفيها ذراع من الخشب نهايته على شكل رقم 8 حتى تعلق في الحب نفسه او في محمل الحب عند عدم استعماله ويشتهر في عمل (المناشل)مدينة هيت حيث يكثر فيها القير السيالي.

وهناك الكروزه وهي مصنوعة من الفخار ايضا شكلها يقارب شكل الكاس الا ان فوهتها اعرض من قاعدتها.

في الصيف ــ نهارا- ينام ابو البيت وابنه البكر على الدكتين في المجاز الواقع في مدخل الدار وبعضهم يضع على باب الدار (عمارية) وهي عبارة عن مشبك من عيدان سعف النخيل.يوضع في داخل مشبكين كمية من العاكول الاخضر يرش بالماء بين حين واخر لتبريد البيت او الغرف التي وضعت العماريات على شبابيكها.كما ينام بقية افراد الاسرة في السرداب ومنهم من ينام في السرداب الارضي , اما ــ مساءاــ وعند اصفرار الشمس تصعد الجنة اوالبنت الكبرى لرش السطح حتى تتبخر الحرارة ويصبح باردا.وتفرش فراش جميع افراد العائلة المحفوظ في بيت الفراش كما تشد كلتها وتضع سلة (هدوم الرجال)حيث يخلع ملابسه عند عودته من المقهى في السطح العالي وتقوم السلة المصنوعة من أعواد الرمان والصفصاف مقام الشماعة وغيرها مما يعلق عليه الملابس اليوم.

كما تملأ التنك وتصفها فوق التيغة وبعض العوائل تستعمل حبانة (مصغر حب)علاوة على التنك لكثرة افراد العائلة.يغطى حلكك(فم)التنك ب(كبوز)وهو غطاء مصنوع من لب خوص النخيل او بقطعة بيضاء محاكة بالخيوط مزركشة بالنمنم الملون ومنهم من يشد فوهة الينكة بقطعة من قماش خفيف للمحافظة على نظافة الماء من الحشرات.

صناديق الثلج

عندما انتشرت مكائن عمل الثلج في بغداد لحاجة الناس اليه شاع استعمال صناديق الثلج.وصندوق الثلج صنع محلي يتكون من صندوق خشبي مبطن من الداخل بالجينكو.يوضع بين الجينكو والغلاف الخشبي كمية من النجارة (نشارة الخشب)كمادة عازلة وفي جهة من الصندوق يعمل حوض مغطى وله حنفية الى الخارج لاستلام الماء البارد منها.ولربمااستعمل بعضهم عددا من القناني البيضاء لوضعها بعد تعبئتها بالماء فوق الكونية التي يلف بها الثلج حتى لاتذوب بسرعة.

كانت التنكه وهي اداة لحفظ الماء وتيريده مصنوعة من الفخار ولها احجام واشكال مختلفة منها (ام العراوي)او بدونها وتسمى (صلاحية) واحسن التنك هي الخضراية وعند شراء التنكة لابد من تجربتها خشية ان تكون منكوبة (مثقوبة) ولذلك يعطي البائع (الكواز) قليلا من الاصلاح للمشتري والاصلاح هو الشحم الحيواني مضافا اليه قليلا من النورة (الجير المطفئ)يستعمل لسد الثقوب التى تظهر في جميع المصنوعات الفخارية قطعا للترشيح.

يبيس الخضروات:

يجتمع افراد العائلة في احد ايام الصيف لتكليم (يلفظ اللام مضخما)البامية اى تقليمها عندما يكون سعرها ارخص من الايام السابقة وعمل قلائد تشر (تنشر)حتى تجف كما يقومون بتيبيس الباذنجان قسم محفور لعمل (الشيخ محشي)والقسم الثاني لطبخ المرق حيث يقطع بعد تقشيره طوليا او (درك)اى دوائر كما تيبس الباقلاء / وتعلق في مكان معين في المطبخ او السرداب لاستعمالها في ايام الشتاء حيث تقل بعض من هذه الخضروات.

كان اغلب الشبان في اشتداد الحر في الصيف يهرعون الى الشواطيء يسبحون استلطافا لحرارة اجسامهم وينشئون الجراديغ والمفردة “جرداغ” والذي يشيد بمجموعة من الاخشاب والحصران “البواري” ويزرعون حوله الورد المتسلق واللوبياء لتضلل حوله وتحد من حرارة واشعة الشمس اللاهبة.

ومن وسائل التبريد ومكافحة الحر ايام مضت، وضع الفاكهة - الرقي والبطيخ والخضر تحت الحب او القاء الرقي والبطيخ في “البئر”.

ومن وسائلهم اتخاذ قلل الماء “الاكواز” و”التنك” كثلاجة متنقلة وترمس جوال وملأ الاكواز والتنك بالماء، حيث تغطى فوهتها بغطاء الخوص او قطعة محاكة من القماش لتصف على سطح الدور وعلى واجهات الشناشيل والشبابيك في العصاري والاماسي،...

ومن وسائل مكافحة ومواجهة الحر “ايام مضت استعمال المراوح” اليدوية “المهافيف” المصنوعة من سعف وخوص النخيل، فكانوا يتروحون بها صباح.. مساء وبخاصة وقت القيلولة ظهرا.

وكانوا يتروحون في المحلات والدكاكين والسراديب بمروحة “السقف” التي تعمل من قطع القماش بعد ربطها بحبل يسحب بواسطة اليد.

واستعملوا ستائر العاكول الاخضر “العماريات” المصنوعة من صفين من سعف النخيل واعواد العاكول لتنصب امام الدار، وبين حين وآخر ترش بالماء بغية جلب الهواء البارد ومن الوسائل التبريدية الاخرى، بناء السراديب، للهروب من حر الصيف اللاهب فيقضون القيلولة وقت الظهيرة فيها، وللسرداب عدة ملاقف هوائية - بادكيرات - تضخ الهواء الى غرف البيت.