معالم بغدادية وطرائف الشعراء

معالم بغدادية وطرائف الشعراء

سالم الالوسي

جسر بغداد المكسور

لم يكن تشييد الجسور على صورة من الرصانة والاحكام شأنها شأن جسر بغداد ايام الوالي محمد جاويد، الذي كثيراً ما يتعرض الى الانقطاع كلما حدث فيضان أو هبت عاصفة، فقد انقطع مدة (18 يوماً) من 1914/1/26 الى يوم 1914/2/13، مما ادى شلل في الحركة والتنقل من جانبي بغداد. وبهذه المناسبة نظم الشاعر البغدادي محمد الهاشمي قصيدة هزلية وصف بها الحالة في بغداد. قال :

يا جســـر بغـــداد انت اليوم مكســور

ايــن الســفائن، ام اين المســـامير؟

هربت منها فهل يا جسر من ضجــــرٍ

ام هـل أصابــك في بغـــداد تكســــير؟

فأنْ اصابك هــذا الخــوف في حلـــــمٍ

حتــى انهزمـــت فللأحـــلام تفســــير

لعلَّ كســـرك يا مجنــــون منصلـــــحٌ

لعلَّ كســــــــرك بالمحــراث مجبــــور

كـــأن وجهـــك يا ملطـــوم منقطـــــعٌ

كأنَّ رأســـــــك يا (مثبــور) مثبــــور

للطبل والسطل منك اليوم مضحكـــــة

وللخنافـــس تركيـــــــض وتجريــــر

وبات اهل القفاف اليوم في قفــــــــفٍ

يعبّـــرون وللانســــان تعبيــــــــــر

وقد كان في بغداد جسران : جسر في الاعظمية وجسر في بغداد الاول يسمى جسر الاعظمية، والثاني جسر بغداد، وكلاهما مصنوعان من الالواح الخشبية بشكل عوامات ويقال لها “جسّاريات” - وهي جمع جسّارية - مربوطة بسلاسل حديد غلاظ. وقد مدد الجسر من ضفتي دجلة،وتحت جسر بغداد مجال واسع للمقاهي وبائعي المأكولات والسكاير. وكلما انقطع الجسر عن العبور بمناسبة الفيضان وأعيد اتصاله احتفل البغداديون بذلك احتفالاً عظيماً، فيخرج الاهالي بالمزامير والطبول فرحين باتصال الجسر والعبور عليه، وقد دام الامر على هذه الحالة حتى ايام الوالي نامق باشا الصغير. ثم تخرب هذا الجسر واصبح لا يصلح للعبور فاضطرت الدولة العثمانية الى انشاء جسر من الطراز الحديث، قامت بعمله مدرسة الصنائع ببغداد، فكان على جانب عظيم من الابهة والفخامة والزينة. وبعد الفراغ من انشائه نصب في جمادى الاولى سنة 1320هـ (ايلول 1902م)، وصادف افتتاحه يوم الاحتفال بجلوس السلطان عبد الحميد. ومن المصادفات ايضاً ان الوالي نامق باشا جلس للتبريكات وعندما همّ للعبور عليه بُلّغ بعزله عن ولاية بغداد. وقد أرّخ الشاعر عبد القادر شنون حفل الافتتاح بقصيدة :

هــي الحضــارة مــا تعلــو بــه الرتــــب

وما سوى العدل في الدنيا هي الســبب

واليــوم اضحـت بمــلك ساســه ملــــــكٌ

مــن آل عثمــان مضروبـاً لــه الطنــــب

وانظــر الى ســاحة الزوراء تلــق بهـــا

لنامـــق هممــاً زالـــت بهـــا الكـــــــرب

ذاك الوزيـــر الـــذي دار الســـلام بـــــه

ماســت من الفخر عطفاً هـــزّه الطـــرب

كانــت مريضـــة جســمٍ قبلــــه فأتــــــى

وهــو الطبيـــب وفيها الـــداء منتشــــب

حتــى تتبتــع اقــصى دائهــــا فبــــــــــدا

فيهــا الشـــفاء وزال الســقم والوصـــب

فكـــم لـــه مــن أيـــادٍ فـــي مرابعهـــــــا

وكــم لـــه مــن مساعٍ شــكرها يجــــــب

ســعى بتجديــد جســـر مـن تكــــــــسره

كانــت ســـفائنه كالمــــاء تضطــــــــرب

فعاد جسراً على الشعرى العــبور لمــــن

رام العبــــور عليـــه التيـــه والعجــــــب

فقلـــت مــذ مـــدَّ منصوبــــاً أؤرخــــــــه

جســراً لدجلــــة في الزورا قـد نصبــــوا

1320 هجـ

السنّ

السِنّ : بكسر السين وتشديد النون، بناء قديم، يحاذي ضفة دجلة الغربية، كان البغداديون يظنون انه بناء عباسي. وكان السر هنري رولنسون Sir Henry Rawlinson عالم المسماريات المشهور الذي شغل منصب المقيم، ثم القنصل البريطاني ببغداد، قد لاحظ سنة 1848 عند هبوط المياه في نهر دجلة، بقايا متراس – اي مسناة – على ضفة دجلة الغربية داخل مدينة بغداد الحالية، وكان مشيّداً بالآجر البابلي وبلاطه من القار،وقد عثر بين الآجر على قطعة مختومة باسم الملك البابلي (نبوخذ نصر الثاني مع ألقابه) (605 – 558 ق.م). والظاهر ان السر رولنسون يشير الى البناء البابلي المعروف عند العامة باسم (السنّ)، وكان مسامتاً للضفة الغربية لدجلة جنوبي محلة الكريمات والرأس الغربي للجسر الاسفل القريب من الصالحية(2) وقد وصفه بعضهم بانه على شاطئ دجلة الأيمن حيث اقيمت في العهد العثماني مكاتب ادارة سكة حديد بغداد – استنابول – برلين سنة 1914. وفي صيف سنة 1911 سعى ناظم باشا والي بغداد يومئذ لهدم هذا البناء لمنع الأخطار التي تنشأ من وجوده في دجلة، لأن السفن والقوارب المعروفة بالقفف كانت ترتطم فيه فلا تستطيع الخروج من اسنانه وقد تغرق بمن فيها فتكون اطلال هذا البناء سبباً في الهلاك والخسران.

وكّل الوالي ناظم باشا هدمه الى عشرين عاملاً فلم يقلعوا آجره بعد عمل شاق إلاّ نحواً من طبقتين. ولما رأى ان لا فائدة في ذلك فعدل عن الهدم. وفي أوائل سنة 1914 اخذ مهندسو سكك حديد بغداد – برلين الألمان في استئناف هدمه فنسفوا أكثره بالديناميت ولم يبقَ منه إلاّ قليل. وقد ظن بعضهم خطأً انه قصر من قصور البرامكة ونظم فيه الشاعر البغدادي وقفة تجاه السن للشاعر البغدادي ابراهيم منيب الباجه جي (1876 – 1948)

انـا ابكـي اذا رأيـــت الرسوما

باكيات ترثي علاهــا القديمـــا

لهف نفسي على ربوعٍ كـــرامٍ

تنظر العين ركنها مهدومــــــا

فأنا دائمــاً كدجلــة أجـــــــري

دونها دمع عيني المســـــجوما

أيها الســنّ ان مجــدك بـــــاقٍ

وإن العظم راح منك رميمــــــا

ليس تفنى الأيام رسماً لقـــــومٍ

لم يزل ذكر مجدهم مرســــوما

كنـــت قصراً لآل برمك يا سن يضاهي

منك العـلا والنجومــــا

كنت للبائسين مـأوى وملجــــأ

كنت للمعدميـــــن ملكاً عظيما

كنت للخائفين حصناً حصينــــاً

كنت لللائذين ركنــــاً قويمـــــا

كنت للفضل والمكــــارم ربعــاً

كنت للجود كعبــــة وحطيمـــا

هدك الدهر لا لذنـــب ولكــــــن

خلق الدهر للكــرام خصيمــــا

المدرسة المأمونية

1332هـ = 1914م

تأسست أيام والي بغداد جاويد باشا (1332 هـ- 1914 م) والإنفاق على البناء جاء من المبلغ الذي تبرع به أهل النجف بمناسبة تنصيب سادن (كليدار) الروضة الحيدرية وقدره (4000) ليرة ذهب عثمانية، وبعد كمشاورات تقرر قبول المبلغ وإنفاقه على بناء مدرسة، كان بمساعي الأستاذ حكمة سليمان مدير مدرسة الحقوق ووكيل مدير معارف بغداد آنذاك، ومكان المدرسة كان مقهى سبع، وتسمى مقهى البلدية، وقام بالبناء الأسطة علوان الدوري، وقد جرى توسيعها بضم جزء من حديقة قشلة المدفعية (الطوبخانة)، وعند إفتتاحها أرخها الشاعر البغدادي الأستاذ عبد الكريم العلاف قائلاً :

بشـــراكم اهـــــــل بغـــــــــداد في

مدرســة شيـــّدت بفضل الجــــواد

رائدهـــــا العلـــم ونبراســـــــــها

يهدي الورى الى طريق الرشــــاد

قولــوا لمــن يطلـــب تاريخهــــا :

عنوانهــــا : مدرســــة الاتحــــــاد

1332هـ

وبعدانسحاب العثمانيين وإحتلال الجيش البريطاني بغداد،أطلق ةعليها اسم “المدرسة المأمونية”، وقد حولت المدرسة إلى مديرية معارف لواء بغداد المركزي وفي مطلع الستينيات من القرن العشرين المنصرم هدمت البناية وألحقت بوزارة الدفاع.

وقد بقي من االمبلغ المتبرع به مقدار كان كافياً لبناء “ مدرسة دار المعلمات “ وتقع جوار جامع منور خاتون في شارع الخلفاء، وما يزال البناء قائماً.

عن كتابه المخطوط (بغداد واثارها في الشعر العربي)