ألفرد هيتشكوك.. «سيّد» سينما الرعب يخاف من البَيْض!

ألفرد هيتشكوك.. «سيّد» سينما الرعب يخاف من البَيْض!

مهدي زلزلي

اعتَبر كلام أطباء النفس عن زوال الخوف بمجرد اكتشاف مصدره كلاماً كاذباً.

كيف طارد الخوف ألفرد هيتشكوك حتى مماته؟

“يقول أطبّاء النفس: إذا استطعتَ اقتفاء أثر الخوف واكتشاف مصدره فإنَّه يزول. كل كلامهم هذا كذب، لأنَّني لا زلتُ أخاف!”. بكلماته القليلة هذه، لمحاوره ديك كافيت مقدّم البرامج الأميركي الشهير، في برنامجه “ديك كافيت شو” عام 1972، يضع صانع أفلام الرعب الأوَّل في العالم ألفريد هيتشكوك سرَّه بين أيدي متابعيه.

العلاقة مع الخوف بدأت مبكراً في حياة “سيّد التشويق”، وتحديداً منذ صرخت به أمّه “بو” حين كان عمره ثلاثة أشهر، فروّعته. “كل الأمّهات يفعلن ذلك، وهكذا نكتسب خصلة الخوف”، يقول لمحاوره.

ولعل استحضار هذه الحادثة لا يعدو كونه نوعاً من السخرية السوداء التي يتقنها هيتشكوك جيّداً، أو رسالة للأمهات كي يتوقفن عن ممارسة أساليب خاطئة في تأديب أطفالهن. أمَّا الحادثة التي يمكن أن تصلح أكثر كنقطة انطلاق لاستكشاف طفولة ذلك الصبيّ حسن التصرّف - والذي يقضي معظم وقته بمفرده قارئاً للكتب لأنَّه لا يمتلك أصدقاء - وتلمّس أثرها في تكوينه النفسيّ وفي الخط الفنيّ الذي اختاره لنفسه لاحقاً، فهو الفعل الشائن الذي أقدم عليه والده ويليام المعروف بقسوته وصرامته حين أرسله إلى مركز الشرطة بعد خطأ صغير اقترفه، وهو لم يتعدّ الخامسة من عمره، مع توصية من كلمات قليلة كتبها على قطعة صغيرة من الورق، لتكون نتيجتها خمس دقائق في الزنزانة وعمراً كاملاً من الخوف.

«هذا ما نفعله بالأولاد الأشقياء”، قال له الشرطيّ يومها. ولكن الولد سيكبر، من دون أن يغيّر ذلك شيئاW في خوفه الدائم من رجال الشرطة وكراهيته الكبيرة لهم كما سيقول لتوم سنايدر – في مقابلة أخرى - بعد 70 عاماً. هذا الخوف سيمنعه من ممارسة أنشطة عاديَّة مثل قيادة السيارة تجنّباً لاحتمال توقيفه وتسطير مخالفة بحقّه من قبل رجال الشرطة.

حدثٌ آخر سيترك بصمته على الطفل ألفريد، وهو استيقاظه يوماً من غفوة ليجد أنَّ والديه قد غادرا المنزل لفترة وجيزة، ولم يبقَ معه أحد في المنزل سوى الخادمة.

ولكن أسباب الخوف عند ألفرد هيتشكوك (1899 - 1980) لم تبقَ رهينة المنزل وحده، فمع بلوغه عامه الــ 11، سترسله عائلته إلى كليَّة “سانت أغناتيوس” اليسوعيَّة الشهيرة بالانضباط في لندن، حيث يستخدم الكهنة في نهاية كل يوم عصا مطاطيَّة صلبة في ضرب الأولاد المشاغبين. وسيقول ألفريد في ما بعد إنَّ هذا المكان هو الذي طوَّر فيه إحساسه بالخوف.

«الخوف ليس من الصعب فهمه. بعد كل شيء، ألم نخف جميعاً ونحن أطفال؟” يسأل هيتشكوك، فلا يعدم القارئ بعد كل هذا جواباً.

أسباب إضافيَّة للخوف.. من بينها البَيْض!

حين أصبح هيتشكوك في الخامسة عشرة من عمره، توفي والده عن 52 عاماً بعد معاناة مع المرض، فاضطرّ إلى العمل لإعالة نفسه ووالدته، مع مواصلة دروسه الليليَّة في تاريخ الفن والرسم والاقتصاد والعلوم السياسيَّة. وفي العام 1942 توفيت والدته عن 79 عاماً وكان متعلقاً بها ومعجباً بشخصيّتها، وبعدها بأربعة أشهر توفي شقيقه وليام بجرعة زائدة عن 52 عاماً، ما أصابه بالحزن وجعله يأخذ نظامه الغذائي على محمل الجدّ بمساعدة طبيب، في محاولة لتأخير موته، وهو الذي كان يعاني من زيادة في الوزن وآلاماً في الظهر وعادات سيئة في الأكل والشرب.

في العام 1945، كان استخدامه البصري لليورانيوم كجهاز مؤامرة قد تسبَّب بوضعه تحت المراقبة لفترة وجيزة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي. أنَّى له أن يعلم أنَّ استشارته أحد أصدقائه في “معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا” حول فكرة خيال علمي في آذار/مارس، سيتمّ ربطها مع الواقع المفجع الذي تمخَّض عنه شهر آب/أغسطس من العام نفسه مع تفجير قنبلتين ذريَّتين في هيروشيما وناغازاكي اليابانيّتين؟

وفي العام 1958 تمَّ تشخيص إصابة زوجته ألما بالسرطان، فكان يسرق الوقت من تصوير فيلمه “أقصى الشمال الغربي” لزيارتها في المستشفى، حيث خضعت لعمليَّة جراحيَّة تعافت بعدها ببطء متحملةً الكثير من الآلام، ولكنَّه صار يتخيَّل للمرَّة الأولى الحياة من دونها، فباتت لديه أسباب إضافيَّة للخوف.

حتى البَيض، هذا الغذاء الشهي المليء بالفوائد للإنسان، ليس سوى سبب آخر للخوف عند هيتشكوك، إذ يقول في إحدى مقابلاته: “أنا أخاف من البيض، هذا الشيء المستدير الأبيض، بل أسوأ من الخوف. هل سبق لك أن رأيتَ شيئاً أكثر إثارة للاشمئزاز منه وهو يُكسَر ويسكب السائل الأصفر؟ صفار البيض أصفر مقزّز. أنا لم أتذوّقه أبداً».

متعة الاستيقاظ من الكابوس

“امنحهم المتعة. نفس المتعة التي يحصلون عليها عندما يستيقظون من كابوس”. تلخص هذه العبارة علاقة هيتشكوك بالجمهور، فهو مع كل ما يزرعه في نفوسهم من خوف، لا يعتبر نفسه قاسياً، بل مانحاً للمتعة التي تتولّد في النهاية من تذكّر أنَّ كل هذا الخوف ليس حقيقيّاً، ليغدو الواقع أكثر جمالاً في عين المشاهد بعد شارة الختام.

ولعل طفولة هيتشكوك، وما تلاها من مراحل حياته، أرخت بثقلها على أفلامه، فمن بين أفلامه الــ 53، ثمَّة 11 فيلماً تدور حول بطل مطارَد وخائف ومتوتّر بسبب اتهامه بجريمة لم يرتكبها لمجرّد خطأ في الهويَّة. يجد هذا الشخص العادي نفسه في وضع خطير، فيتوفر للجمهور إحساس أكبر بالتشويق، ويسهل عليه التماهي مع البطل أكثر مما لو كان الأخير مذنباً بالفعل.

وليس بعيداً عن طفولته وذكرياته السيّئة مع الشرطة، يصوّر هيتشكوك الأشرار والقتلة كساحرين وودودين، فيجبر المشاهد على التماهي معهم أكثر من الشخصيَّات التي يراها استبداديَّة كالسياسيين ورجال الشرطة.

ولكن هيتشكوك نفسه متهم بالاستبداد في علاقته مع الممثلين، بعد أن وصل إلى حدّ وصفهم بالماشية، وحين أراد التخفيف من وقع تصريحه، نفى أن يكون قد أطلق عليهم هذه الصفة، مؤكداً أنَّ ما قاله هو فقط أنَّهم يجب أن يعامَلوا كالماشية.. بطريقة لطيفة طبعاً!

وتعود مشكلة هيتشكوك مع الممثلين إلى كونه يرى أنَّ عليهم التركيز على أدائهم وعدم التدخل بالسيناريو، وتركه للمخرج وكاتب السيناريو، حيث يعلّق على حديث أحد الممثلين معه حول ضرورة الارتجال وعدم التقيّد بالنص الحرفيّ بالقول “هذا ليس تمثيلاً.. هذه كتابة».

وعلى الرغم من سمعته كمخرج يكره الممثلين، فإنَّ معظم الممثلين الذين عملوا معه قدَّموا عروضاً رائعة، وقد عُرِفَ عنه استخدام نفس الممثلين في أعماله مراراً وتكراراً، مثل كاري جرانت وجيمس ستيوارت (4 مرات) وأنغريد بيرغمان وجريس كيلي (3 مرات)، وقد قال عنه جيمس ماسون إنَّه ينظر إلى الممثلين كـ “دعائم متحرّكة”، وكجزءٍ من إعداد الفيلم، وهو القائل في إحدى مقابلاته: “إنَّ الشرط الأساسي للممثل هو القدرة على فعل أي شيء بشكل جيّد، وهو ليس بأية حال من الأحوال سهلاً كما يبدو».

وكذلك كان موضوع تصويره للمرأة محل نقاش أكاديمي مستفيض، فالمرأة في أفلامه “تعرَّضت للإذلال” بحسب بعض النقاد، بعد حصرها في نفس الصفات دائماً، فهي الواشية والساحرة والمتشرّدة والشريرة والأمّ الشيطانة، وهي غالباً شقراء ومسجونة في أزياء تواكب الموضة، وفاتنة للرجال، ودائماً تعاقَب في النهاية.

وليس أدلّ على عظمة الجهد الفني الذي بذله هيتشكوك ومدى إخلاصه لمهنته، من مشهد القتل الشهير في حوض الاستحمام في فيلمه “سايكو” (1960) الذي يُعد أشهر جريمة سينمائيَّة استغرقت 45 ثانية على الشاشة، لكن تصويرها استغرق أسبوعاً كاملاً، و78 زاوية مختلفة للكاميرا، وهو ما جعل الفيلم رغم مرور أكثر من 60 عاماً على إطلاقه، يشكّل حتى اليوم فاصلاً يؤرّخ لسينما الرعب، الأكثر إثارةً للصدمة من بين أفلام الرعب في العالم.

ورغم وفاة هيتشكوك عام 1980 وإحراق جثته ونثر رمادها فوق المحيط الهادئ وفقاً لوصيّته، لا يزال “سايكو” ومعه أكثر من 50 فيلماً آخر عنواناً لسينما الرعب التي صار لها أب روحيّ ينسب إليه كل عمل متقن، فيقال إنَّه “هيتشكوكيّ»!

10 تواريخ من حياة هيتشكوك:

13 آب/أغسطس 1899: ولادته في ليتونستون – إسيكس في إنكلترا.

12 كانون الأوَّل/ديسمبر 1914: وفاة والده عن 52 عاماً بسبب انتفاخ الرئة وأمراض الكلى.

1 حزيران/يونيو 1919: تعيينه محرراً ومديراً للأعمال في منشورات “هنلي تلغراف” وتكليفه برسم إعلانات الكابلات الكهربائيَّة، وهي الوظيفة التي كانت خطوته الأولى نحو السينما.

2 كانون الأول/ديسمبر 1926: زواجه من كاتبة السيناريو الإنكليزيَّة الأميركيَّة ألما ريفيل.

31 أيار/مايو 1927: تحول ألما من البروتستانتيَّة إلى الكاثوليكيَّة بإصرار من والدة هيتشكوك، وتعميدها.

7 تموز/يوليو 1928: ولادة إبنته الوحيدة باتريسيا.

26 أيلول/سبتمبر 1942: وفاة والدته عن 79 عاماً.

4 كانون الثاني/يناير 1943: وفاة شقيقه ويليام بجرعة زائدة عن 52 عاماً.

16 آذار/مارس 1980: آخر ظهور علني له في حفل تسليم جائزة “معهد الفيلم الأميركي».

29 نيسان/أبريل 1980: وفاته في منزله في بيل إير.

أشهر 10 أفلام لهيتشكوك:

ريبيكا (1940)

سيّىء السمعة (1946)

حبل (1948)

غرباء في قطار (1951)

النافذة الخلفيَّة (1954)

الرجل الذي عرف أكثر من اللازم (1956)

الدوار (1958)

أقصى الشمال الغربي (1959)

سايكو (1960)

الطيور (1963)

عن الميادين