كربلاء في الايام الاولى لثورة 14 تموز 1958..كيف ألغي منع التجول في المدينة؟

كربلاء في الايام الاولى لثورة 14 تموز 1958..كيف ألغي منع التجول في المدينة؟

محمد سلمان التميمي

التحق فؤاد عارف في الخامس عشر من تموز بمنصب متصرف لواء كربلاء، اذ صدر في اليوم الاول للثورة المرسوم الجمهوري رقم (6) الذي يقضي بتعيين فؤاد عارف متصرفا للواء كربلاء، ويعد فؤاد عارف المتصرف رقم (34) من المتصرفين الذين تولوا هذا المنصب منذ تشكيل اول حكومة عراقية في عام 1920،

وبذلك التعيين غادر فؤاد عارف الحياة العسكرية الى مجال العمل المدني، اذ احيل على التقاعد وفقا لقانون التقاعد العسكري، مع عدد من الضباط ممن تولوا وظائف مدنية بعد الثورة. اما سبب اختياره لهذا المنصب فكان اولا وقبل كل شيء تكريما له من قادة الثورة، على اعتبار انه كان من الضباط المؤيدين لتنظيم الضباط الاحرار قبل الثورة وبعدها، على الرغم من عدم انضمامه اليهم بشكل رسمي، فضلاً عن علاقته القوية بعبد الكريم قاسم الذي اصبح الرجل الاول في العراق آنذاك. كما جمعت فؤاد عارف علاقات مودة واحترام باهالي كربلاء منذ عام 1947 كما ذكرنا سابقا، وهناك من يرجح اختياره لهذا المنصب لأنه ينحدر من اسرة علوية (السادة البرزنجية) ويذكر فؤاد عارف في هذا السياق موضحا: ((لقد كان عبد الكريم قاسم يعرف موقف اهالي المحافظة، لا سيما رجال الدين الافاضل مني (فؤاد عارف)، لذا فقد فضل ان اكون متصرفا لها (كربلاء) ولمحاولة كسب تأييد رجال الدين للثورة..)).

استهل فؤاد عارف عمله في كربلاء، بالقيام بمهمة الحصول على تاييد علماء الدين في كربلاء والنجف للثورة، اذ تم تكليفه بهذه المهمة من قبل عبد الكريم قاسم، على اثر لقاء الاخير بسفير الولايات المتحدة الاميركية في بغداد، الذي حضر في مساء يوم الخامس عشر من تموز عام 1958 الى مبنى وزارة الدفاع، الذي اتخذه عبد الكريم قاسم مقرا له، والتقى بعبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف، وخلال اللقاء اثار السفير الامريكي موضوع عدم تأييد قسم كبير من الشعب العراقي للثورة، اذ اعرب لهما ان اعتراف حكومته بالوضع الجديد في العراق يتوقف على تأكدها من التأييد الشعبي للثورة.

قام فؤاد عارف بالذهاب الى علماء الدين في النجف للحصول على تأييدهم للثورة، مصطحبا معه قائمقام قضاء النجف (محافظة النجف حاليا) السيد (تقي القزويني) وكان الاخير قد تلقى اتصالا مباشرا من وزارة الدفاع لتسهيل تلك المهمة، لما كان يتمتع به من علاقات طيبة مع علماء النجف، فكان له دورا كبير في مساعدة فؤاد عارف في الحصول على تأييد علماء الدين للثورة، وبذلك تمكن فؤاد عارف من انجاز اول وأهم عمل قام به حين كان يشغل منصب متصرف لواء كربلاء، فقد طمأن علماء الدين من اهداف الثورة ونيات القائمين عليها، فجاءت كتب التأييد على شكل رسائل تحريرية وبرقيات لمؤازرة الثورة والحكومة الجمهورية.

ونظرا لما تتمتع به كربلاء من خصوصية، كونها وبعض الاقضية التابعة لها انذاك كقضائي النجف والكوفة، تعد من المدن المقدسة لدى المسلمين عامة والعراقيين بشكل خاص، لذا فان ادارتها تتطلب سلوكا مختلفا في الادارة عن نظيراتها من المدن العراقية الاخرى، وبسبب قلة خبرة فؤاد عارف في مجال الادارة المدنية، فقد كان ذلك اول منصب اداري مدني يتولاه، ولغرض تجاوز المشكلات التي واجهته خلال تلك المدة، سلك فؤاد عارف سياسة متوازنة في ادارة لواء كربلاء، من خلال اعتماده لمبدأين اساسيين، هما تطبيق سيادة القانون وفرضه اولا، ومراعاة ظروف المدينة، ووضعها الديني والاجتماعي ثانيا، للوصول الى سياسة ادارية اكثر انسجاما مع واقع المدينة، معتمدا بذلك على معرفته الشخصية بشؤون كربلاء وعلاقاته الجيدة باهاليها، مذ كان يشغل منصب مدير التجنيد فيها.

برزت ملامح تلك السياسة باتخاذه قرارات عدة تخص لواء كربلاء عند تسلمه منصبه الجديد، وكان من اهمها قراره باستثناء مدينتي كربلاء والنجف من قرارات منع التجول التي فرضت بعد الثورة على مدن العراق كافة، وذلك لاتاحة المجال امام اهالي اللواء باقامة الشعائر والطقوس الدينية الخاصة بمناسبة عاشوراء خلال شهر محرم. وقد اذيع ذلك على شكل بيان من خلال مكبرات الصوت التي جابت شوارع كربلاء، مما ادى الى استغراب عبد الكريم قاسم من ذلك الامر، اذ اتصل بفؤاد عارف هاتفيا قائلا له: ((فؤاد شنو، كربلاء مو عراق.؟)). فاجابه الاخير بقوله: ((كلا، هذه مدينة مقدسة، ليس لنا الا ان نحترم شعائرها.)). فوافق عبد الكريم قاسم على ذلك القرار، كما تصدى فؤاد عارف للتجاوزات التي طالت بعض الشخصيات الكربلائية المعروفة، من قبل بعض الذين استغلوا حالة الفوضى التي تلت الثورة، وكان ذلك من خلال مخاطبته للجماهير وافهامهم بأن الجيش العراقي هو صاحب الفضل الاول في الثورة التي قام بها، لذا ليس من حق أي شخص ان يتصرف بشكل يسيء لها.

عن رسالة (فؤاد عارف ودوره العسكري والسياسي)