في ذكرى وفاته في 8 أيلول 1933.. فيصل الاول.. وفاته المفاجئة كما يرويها النشاشيبي

في ذكرى وفاته في 8 أيلول 1933.. فيصل الاول.. وفاته المفاجئة كما يرويها النشاشيبي

إعداد: ذاكرة عراقية

هناك فتاة يهودية مصرية باسم فيكي أو (فيكتوريا حكيم) تسكن في منطقة المعادي بالقاهرة وتجيد التحدث بأكثر من لغة أجنبية (الانكليزية.. والفرنسية.. والايطالية).. كما تجيد لعبة البريدج. كانت فيكي وعائلتها يقضون أشهر الصيف في رأس البر.. وشاءت الصدف أن تتعرف عائلتها الى رستم حيدر.. الذي وقع في حب فيكي.. فوعدها بأن لا يفارقها مطلقاً.. وانه سوف يضمها الى الحاشية الملكية.

وقد علم رستم بأن فيكي كانت قد درست التمريض في المستشفى الإسرائيلي بالإسكندرية.. واشتغلت في ذلك المستشفى.بعد فترة قصيرة تلقت فيكي برقية مستعجلة من رستم حيدر يطلب فيها أن تعد نفسها لكي تقوم بمهمة الممرضة الخاصة للملك فيصل الاول.

وفي شهر آب سافر الملك ومعه أخوه الملك علي ونوري السعيد ورستم حيدر وتحسين قدري الى سويسرا لغرض العلاج.ـ وفي ميناء الإسكندرية التحقت فيكي بالحاشية الملكية.. لقد أعجب الملك بها مثلما.. وقعت هي بحب الملك.. أو هكذا كان شعورها”.

رأيت فيكي بعد موت الملك وقد جاءت الى مدينة لوزان برفقة زوجها احمد صديق باشا (محافظ الإسكندرية).. وعيّن بعد زواجه بها سفيراً لمصر في اليابان.. وسألتها عن قصتها مع الملك فيصل الاول فانزعجت لسؤالي ولم تجبني.

وعندما مرضت فيكي بالسرطان زرتها في المستشفى وذكّرتها بسؤالي ثانية فأجابت: “أنا كنت صغيرة.. لكني اذكر إن شخصية بريطانية غامضة قد اتصلت بيً فور إقلاع الباخرة من الإسكندرية.. ودعتني الى تناول فنجان شاي.. وكشفت لي عن منصبها وعملها.. وطلبت مني بصراحة تامة أن أوافيها على مدى الأربع والعشرين ساعة بتفاصيل حالة الملك الصحية.. ونوع الحقن التي يأخذها.. وأقراص الدواء التي يتناولها وحركاته ونشاطه. ثم قالت ليً تلك الشخصية إن رستم حيدر لا يعترض على مثل هذا العمل.. وانه على علم تام به.

وتتابع قائلة: وفي فندق “بيل فو” اختاروا لي غرفة ملاصقة لغرفة الملك.. وكانت مهمتي أن أرافقه معظم ساعات الليل والنهار.. وكنتُ أول من يدخل عليه في الصباح وآخر من يراه عند منتصف الليل. وفي اليوم الثاني من وصولنا الى بيرن سلمني طبيب الملك الخاص مجموعة الحقن التي سأعطيها للملك.. وهو الذي اختار له العلاج.. وشرح لي كيفية استعماله.. وطلب مني أن أوافيه بتقارير سرية عن حالة الملك الصحية اثر كل حقنة من العلاج أعطيها له.

وقد جاء السفير البريطاني في بيرن الى الفندق ودق عليّ باب غرفتي ودخل وشرح لي بأن رئيس الديوان الملكي (رستم حيدر) على علم بهذه الزيارة.. وطلب مني أن أطلعه على علب الحقن التي يتناولها الملك وعلى بقية الدواء الخاص به. فجأة دق جرس التلفون.. وسمعت صوت رستم حيدر يطلبني لأمر مهم.. فتركت السفير البريطاني في غرفتي.عندما عدت إليها وجدتٌ جميع الحقن وأقراص الدواء.. قد أعيد ترتيبها بعناية خاصة.. وبنظام يلفت النظر.. بحيث لم اعد واثقة تماما من إن هذه العشرات من مجموعات الحقن وعلب الدواء هي مجموعات العلب والحقن نفسها التي تركتها.

لم اقدر أن اطلب من السفير أن يفتح لي حقيبة يده كي افحص ما بداخلها.. ولم اقدر أن أحصي عشرات من العلب كي اعرف ماذا نقص منها.. وماذا زاد عليها.. وما تبدل منها؟

أدرك السفير البريطاني حيرتي فاستأذن لارتباطه بموعد سابق على أن يتصل بي في المساء.. وفي المساء وبعد عودتي الى غرفتي بعد أن أعطيت الحقنة الطبية للملك ـ لكي أستريح ـ وجدتُ السفير البريطاني في انتظاري،حيث أمطرني بعشرات الأسئلة عن صحة الملك.. ولم أجد ما يبرر هذه الأسئلة.. لأنني كنتُ انقل كل شيء عن صحته الى رستم حيدر.

بعد يومين من هذه الواقعة ذهب الجميع الى الجبل المجاور للفندق تلبية لدعوة عائلة هندية معروفة.. وكان الملك في ذلك اليوم بكامل نشاطه وموفور الصحة.. لكن عندما عاد بعد الظهر بدأ يشعر بضيق في الصدر وتعب في الجسم.. فأعطيته الحقنة اللازمة.ـ وقبل حلول العشاء سمعتُ صوت حسين قدري يناديني من وراء الباب كي آتي بحقنة إنعاش لإعطائها للملك فوراً.

وعند دخولي وجدتُ الملك مستلقيا فوق سريره.. وقد ارتسمت خطوط زرقاء فوق وجهه.رفعت سماعة التلفون لطلب الطبيب الخاص.. واتصلتُ بالسفير البريطاني لكي ادعوه.. لكن السفير وفي ضوء حساباته وتوقعاته كان جالساً في بهو الفندق في انتظار المفاجآت.

حضر الطبيب وأعطيتُ الإسعافات اللازمة للملك.. لكن الموت كان اقوى من كل شيء.. إذ أغمض عينيه.. وفارق الحياة بعد ساعة واحدة.وكان موجوداً على سرير الملك عند وفاته كل من:

رستم حيدر.. وتحسين قدري.. والممرضة فيكي.. والسفير البريطاني.. (يلاحظ عدم وجود نوري السعيد معهم).

عندما سألتها عن أسماء الأشخاص الذين يحملون سر وفاة الملك فيصل في صدورهم.ـ قالت فورا: كان رستم حيدر يعرف سر القصة.. لكن الذين يعرفون عنه ذلك قرروا التخلص منه.. فأرسلوا إليه مفوض شرطة مفصولا من عمله أطلق عليه الرصاص في مكتبه منتصف شهر حزيران العام 1940.

ناصر الدين النشاشيبي في كتابه “نساء من الشرق الأوسط”

روى موسى محمود الشهبندر الذي كان احد أعضاء الوفد المرافق للملك ساعاته الأخيرة فيقول في مذكراته: بعد العشاء كان الجميع مجتمعين حسب العادة في بهو الفندق.. وكان الملك علي يتحدث مع الأمير شكيب أرسلان في إحدى زوايا البهو.. في الوقت الذي انشغل فيه الملك فيصل الأول وعادل أرسلان في حديث عميق.. أما بقية أعضاء الحاشية فقد كانوا منشغلين بمتابعة مباراة بكرة المنضدة (أي كرة الطاولة) بين سيدة انكليزية وأحد رجال الوفد.ـ في تلك اللحظة نادى فيصل علي موسى الشهبندر.. وقال له: تعال يا أبا شرارة ـ يقصد موسى ـ قل الحق من اكبر أنا أم عادل؟ وقبل أن يرد الشهبندر.. واصل الملك كلامه: عادل كان مبعوثا عندما كنت أنا لم أزل ادرس في اسطنبول.

قل بالله عليك من اكبر هو أم أنا؟ وبالفطنة والذكاء اللذين عرف بهما الشهبندر.. أجاب: جلالتك اكبر.. وان كان الأمير عادل قد ولد قبلك.. وهنا أدرك فيصل نباهة الشهبندر.. وحسن إجابته فضحك فرحا كالطفل”.. وبعد ساعات مات الملك فيصل.