دنيس ديدرو والإبن الطبيعي

دنيس ديدرو والإبن الطبيعي

حسام موسى

ولد دنيس ديديرو ذلك المؤلف الموسوعي الذي يعتبر من اهم كتاب القرن الثامن عشر، في مدينه لانجرز الفرنسيه (1713 / 1784) ورغم غزاره علمه الا انه كان متأرجحاً ومتناقضاً في أفكاره.

فكان ديدرو يقول “ كنت أفكر مثل الإنسان الحكيم واتصرف مثل المجنون “. وكان يري ان انقلاب الأوضاع والخوف من الخسة ونتائج الفقر والهوي الجامح الذي يؤدي بصاحبه الي الخراب، ومن الخراب الي اليأس، ومن اليأس الي نهاية عنيفة، ليست بالأحداث النادرة.

ويقول: “ هل تعتقد ان الأحداث لن تؤثر عليكم كموت الطاغية بطريقة عجيبة اوتضحية بطفل علي ملح آلهه أثينا أو آلهة روما «.

وكان قد وضع اساس موضوعات معرفية شاملة تجمع الاختراعات والافكار والعلوم.

وحين بدأ يكتب أثار ضجة في كتاباته واصبح من اهم كتاب الدراما البرجوازية في وقته. واذا كانت الدراما اليونانية تتحدث عن الآلهة وأنصاف الآلهة وعلاقة الانسان بالقضاء والقدر فإن الدراما البرجوازية تتجسد في الانسان ومشاعره وتجاربه وحياته الفعلية علي الأرض.

تعددت كتاباته المسرحية ومن اهم مسرحية الابن الطبيعي التي تم نشرها في عام 1757 والتي ضمنها كثير من افكاره الفلسفية والتي كان يدعو اليها.

وتدور حول دورفال العاشق لروزالي والذي يتأهب لمغادرة منزل صديقه كليرفيل واخته كنستانس والذي يستضيفانه فيه، وهو في صراع بين الواجب والعاطفة، واجب الصداقة تجاه صديقه كليرفيل الذي يحب روزالي، وعاطفته لروزالي.

وما ان يهم بالخروج حتي تصرح له كنستانس بعاطفتها نحوه، وفي صراعه ببن واجبه وعاطفته، ينتهي للانتصار للواجب علي العاطفة ويضحي بثروته لكليرفيل ورزالي حتي يستطيعان اتمام الزواج.

وتستمر الأحداث حتي يأتي ليزموند حتي يخبر روزالي ودورفال انهما اخوان ويتم تزويج كليرفيل بروزالي ودروفال من كنستانس لتنتهي المسرحيه نهاية سعيدة عير مبررة شأنها شأن الميلودرامات.

كان يدرك ديدرو تماماً ان العمل الدرامي سوف يُمثل لذلك نجده في المسرحية التي بين أيدينا من خلال رؤيته التمثيلية، والملاحظات المسرحيه التي يكتبها تنبع من رؤيته وخياله للحالة النفسية التي تتواجد فيها الشخصيات.

وكان متبعاً للقاعدة الكلاسيكية في تكنيك الكتابة في المسرح الفرنسي والتي تعتمد علي دخول وخروج الشخصيات كمشاهد مستقلة، اذ ان دخول شحصية علي خشبة المسرح يعتبرمشهدا، ودخول شخصية اخرى يعتبر مشهد أخر، وخروج شخصية يعتبر مشهدا ثالثا، وبالتالي نجد ان المسرحية تتكون من خمسة فصول، وكل فصل فيه مجموعة من المشاهد طبقاً لدخول وخروج الشخصية.

حاول ديدرو ان يخرج عن القواعد التي نادي بها ارسطو، فنجد الشخصيات قد ابتعدت عن الآلهة وأنصاف الآلهة والأبطال الاسطوريين ولكنها شخصيات عادية لها مشاعرها وتجاربها.

اما بخصوص الصراع فابتعد صراع الانسان مع الآلهة وانصاف الآلهة وعلاقة الانسان بالقضاء والقدر، ولكن صراع بين العواطف صراع بين الواجب والعاطفة.

اما بخصوص الوحدات الثلاث المنسوبة الي ارسطو افتراءاً فان وحدة الزمان تعددت دوره الشمس الواحدة التي قال بها ارسطو، ولكن حافظ علي وحدة المكان حيث تقوم المسرحية كلها في مكان واحد وفي مدينة واحدة، وهو منزل كليرفيل.

وقد فضل الوصف عن اظهار مشاهد العنف وتجلي ذلك اثناء سرد اندريه لما حدث له هو وليزموند اثناء اعتقالهم.

ولم يحافظ علي قاعدة فصل الأنواع فالمسرحية تراجيدية وانتهت نهاية سعيدة غير مبررة.

ونجح ديدرو في اظهار عنصر التشويق حيث نجد طوال الفصل الأول ان الشخصيات الحاضرة تتكلم عن شخصية غائبة.. قكانوا يتحدثون عن روزالي.. وكان اول ظهور لها في الفصل الثاني في المشهد الذي كان يجمعها بخادمتها جوستين.

وطالما جاء ذكر الخدم فنجد ان الوظيفه الدراميه للخدم قد تطورت عن ذي قبل فاصبحوا يشاركون في النقاش والجدال مع اسيادهم دون ان يتجاوزا حدودهم الطبقيه، فنجد الخادم شارل يتناقش مع دورفال ويثنيه عن رحيله عن المنزل الذي يحتوي علي اناس قد استضافوه، وكذلك الخادمه جوستين وهي تثني روزالي عن هدم الابتعاد عن كليرفبل.

وعند تحليل الشخصيات نجد ان دورفال ذلك الشاب الثري هو شخصية مترددة وكثير التفكير وذلك اتضح اثناء تقكيره في الرحيل، فطالما اراد الرحيل فليرحل. هو في صراع بين الواحب والعاطفه، واجب الصداقة لكليرفيل والعاطفة لوزالي وهو في الأخير ينتصر للواجب، ويضحي بثروته لاتمام زواج صديقه من محبوبته.

هو ابن طبيعي ناشئ من علاقة محرمة بين رجل وامرأة لا يوجد لديهم عائق للزواج يكتشف في الأخير ان التي يحبها هي اخته.

اما روزالي فهي فتاة في مقتبل العمر كانت متعلقة بكليرفيل وبمجرد ظهور دورفال تعلقت به، انها في صراع بين عاطفتها لدورفال وبين كليرفيل التي توقفت عن حبه بظهور دورفال.

وبمجرد علمها بحب دورفال من كنستانس انقلبت عليه وحاولت ان تظهر مساوئه.

اما كنستانس اخت كليرفيل فهي مطلقه وتعلقت بدورفال لما فيه من صفات جيدة، هي في صراع بين الفضيلة وبين اظهار حبها لدورفال، عندما علمت بمغادرة المنزل لم تقوي ان تتكتم حبها وصرحت لها.

كل افكار وعقائد ديدرو الفلسفية كان يجريها علي لسان كنستانس.

اما كليرفيل فهو شخصية سلبية ضعيفة يطلب من الأخرين مساعدته للتوسط اليه تجاه روزالي.

عن الحوار المتمدن