آني إرنو: السياسيّ يُدرَكُ من خلالِ الاجتماعيّ

آني إرنو: السياسيّ يُدرَكُ من خلالِ الاجتماعيّ

ألكسندر غيفن

ترجمة: إدريس الخضراوي

وُلدت آني إرنو، التي توّجت هذا العام بجائزة نوبل للآداب، عام 1940، وهي تنحدر من أسرة متوسطة الحال.

كان والدها يشتغل في التجارة. عملت إرنو مدرّسة بالتعليم الثانوي. وتستفيد رواياتها وأعمالها في التخييل الذاتي، وخاصّة كتابها “الأعوام”، من علم الاجتماع في مسعى لفهم التاريخ السياسي والثقافي لفرنسا خلال مرحلة ما بعد الحرب، وأيضًا لفهم القضايا النسوية. اشتهرت إرنو باتخاذها مواقف سياسية، سواء تعلّق الأمر بالرئيس إيمانويل ماكرون، أو بالدفاع عن القضية الفلسطينية، أو دعمها لحركة “السترات الصفراء».

يبدو لي أن لقائي بالسّياسة قد حصل منذ أن بدأت أعي الأشياء من حولي، وذلك لسبب بسيط. لقد ولدت عام 1940 في النورماندي، في شمال غربي فرنسا. كانت الحرب على أشدها، وكان القصف الذي خلّف العديد من القتلى، ثم جاءت الهدنة. ما زلتُ أتذكّر اللباس الذي كُنتُ أرتديه بألوانه الزرقاء والحمراء والبيضاء، عندما كنا نَحتفلُ بهذا الحدث. أتذكرُ ذلك اليوم الذي رافقت فيه والدتي، وكانت ذاهبة لأجل الإدلاء بصوتها، وذلك الفضاء المعزول المخصص لهذه الغاية، والذي يشبه المكان الذي يُمارسُ فيه الاعتراف في الكنيسة. كانَ والداي يديران مقهىً ومخزنًا للبقالة، وكان مجاورًا للمطبخ، ولا يُوجدُ باب بينهما، وهذا ما يخلق الانغمار في القضايا السياسية، بالتأكيد، بتأثير من الكلمات التي كان العمّال يتبادلونها عندما يرتادون هذا المقهى بصورة دائمة.

لقد تأثرت طفولتي ومراهقتي بخطاب سوسيوسياسي من أهمّ علاماته إضرابات صيف 1954 ضدّ جوزيف لانيل/ Joseph Lanile الوزير الأول، والهزيمة في معركة ديان تيان فو/ Dien Bien Phu، وبالطبع حرب الجزائر. وفي عام 1958، وكان عمري يومئذ 18 عامًا، كنت مع الاستفتاء الشعبي الذي نظمه ديغول/Charles de Gaulle، رغم أنني لم أدل بصوتي، لأن السن القانوي كان 21 عامًا. ويبدو لي أن البدايات الأولى لنقاشاتي الجادّة في ما هو سياسي ترتدّ إلى هذا العام 1958، وخاصّة النقاشات حول الجمهورية الخامسة التي أرادها ديغول. وفي العام التالي، أي 1959، انتقلت إلى صفّ المعارضة ضدّ ديغول، وعبرت عن موقفي المؤيد لاستقلال الجزائر. إذًا، هذه القضايا، وهذه الحرب، وانقلاب الضباط، كلّ ذلك ترك أثرًا قويًا فيّ خلال سنواتي الأولى في الكلية، كما هي الحال أيضًا بالنسبة لعديدٍ من الطلاب في هذه المرحلة. لا يمكن أن أنسى اليوم الذي أدليت فيه لأول مرة بصوتي. كان ذلك في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 1962، خلال الاستفتاء حول تغيير الدستور، حيث تم التنصيص على انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام. أفكّر في كلّ انتخابات رئاسية، مما يعطي مبررًا لتصويتي يومئذ بـ لا. فما ندّد به مانديس فرانس، وميتران، ووالديك روشي/ في تلك الفترة، أي تعزيز سلطة رئيس الجمهورية على حساب البرلمان، هو ما حصل.

(*) نشأت في أسرة وفي وسط كانت السياسة فيهما تحظى باهتمام خاص؟ هل كان هنالك تقليد في النقاش والنضال؟ وما هو الهابيتوس الذي نهلت منه؟

بين أفراد أسرتي، ابن عمّي، فقط، هو الذي كان منخرطًا في حزب سياسي هو الحزب الشيوعي. والدايَ لم يكن لهما أي انتماء سياسي، باستثناء تصويتهما لأجل بيير بوجاد/ Pierre Poujade الناشط السياسي والنقابي. ومنذ 1956، كان صوتهما يذهب لفائدة اليسار. وخلال عام 1965، صوتا لفائدة اليسار، وفضَّلا ميتران على ديغول. كانت ذكريات إضراب 1936، وإضراب ليون بلوم/ Léon Blum راسخة بقوة. كان يُنظرُ إلى ليون بلوم بوصفه “جيدًا بالنسبة للعمال”، وهذه العبارة التي كثيرًا ما تتردّد مع نظيرتها “كان من أجل الأغنياء”، تعبّر عن رؤية العالم الكامنة في الوسط الذي أنتمي إليه. كنا ندرك السياسي من خلال الاجتماعي.

«البدايات الأولى لنقاشاتي الجادّة في ما هو سياسي ترتدّ إلى عام 1958، وخاصّة النقاشات حول الجمهورية الخامسة التي أرادها ديغول»

الهابيتوس السياسي الذي غرفت من معينه لم يكن واضحا إلى حدّ ما حتى حدود 16 أو 17 من عمري، لأنني كنت أذهب إلى مدرسة خاصّة إلى جانب فتيات من طبقات ميسورة، والمعلمون وجهوا ضربة قوية للمدرسة العلمانية “مدرسة بدون إله”، والشيوعيون والاشتراكيون، بينما في بيتنا، كنا نعيش بشكل متواضع، أفضل من العمال بقليل. هذه هي الحال التي كان عليها والداي. قراءة رواية “عناقيد الغضب” لجون شتاينبك أحدثت لي رجّة قوية، كما لو أن الموقع الخاصّ بي يجب أن يكون في هذا الفضاء الاجتماعي، وبين هؤلاء الناس الذين تصورهم الرواية. ثمة هابيتوس خاص منشق عن الطبقة ومنقسم مثل وضعه. في درس الفلسفة، كان من السّهل أن أقتنع بالتحليلات الماركسية التي كنت أتعرّف عليها من خلال أستاذة المادة. والكتاب الأول الذي أتيح لي أن أقرأه، وبفضل المكتبة الدوّارة التي نظمتها هذه الأستاذة، هو كتاب “الحياة اليومية للعوائل العمّالية”، لمؤلّفه شومبار دولاو، Chombart de Laowe. في هذا الكتاب، وجدت كامل الهابيتوس الاجتماعي الذي يميزنا، كما لم نذكره بعد. هذا معناه، وأنا أتساءل إلى أي حدّ تتعيّن الأوامر والأحكام الصادرة عن الوالدين في الحياة اليومية بوصفها ما يَخلقُ المواقف السياسية. وهكذا، فإن حقيقة أنني كنت أسمع والدتي عدّة مرات تتكلّم بصوت عال عن شعوري بالدونية في ما يتعلّق برفاقي من خلفيات ميسورة: “أنت أكثر قيمة! ” هذا الذي كنت أسمعه من والدتي هو بنفس الأهمية، إن لم يكن أكثر أهمية، من أي نقاش بين زميلاتي في الفصل.

(*) تتصل نصوصك بالتاريخ السياسي الفرنسي. أيُّ رؤية لديك عن العقود الأخيرة؟

نشهد تمدّدًا متصلًا، وبلا انقطاع، لليمين، رغم اللحظات التي طبعها اليسار، مثل التعايش بين شيراك وجوسبان عام 1997، وذلك منذ الانعطاف نحو الليبرالية الذي اتخذه ميتران، رجل 1981، وجميع القوانين المتعلقة بالحرية التي جاءت قبل إلغاء عقوبة الإعدام، والأسبوع الخامس من الإجازة مدفوعة الأجر، هذا التمدد لليمين يرسّخنا بقوة في معتقد المنطق الصّارم واقتصاد السّوق، من الصعب التخلي عن الوهم!

“قراءة رواية “عناقيد الغضب” لجون شتاينبك أحدثت لي رجّة قوية، كما لو أن الموقع الخاصّ بي يجب أن يكون في هذا الفضاء الاجتماعي، وبين هؤلاء الناس الذين تصوّرهم الرواية».

هنالك لحظة رئيسة بالنسبة لي، وتتمثل في برنامج “عاشت الأزمة! ”، الذي يقدّمه إيف مونتان/ Yves Montand، هذا الرفيق من الحزب الشيوعي الذي يكمن دوره في أن يشرح لنا بشكل أو بآخر كيف يجب علينا الخضوع للنظام الاقتصادي الليبرالي. وبالموازاة مع هذا التمدد لليمين، وسيطرة النظام الاقتصادي الليبرالي، ثمة محو لكل ما هو اجتماعي. لقد بات الشعب بمثابة الشبح بالنسبة للسياسة، باستثناء فترة الانتخابات الرئاسية. ومن الواضح أن هذا الابتعاد عن حياة الناس، وهذا التخلّي الذي يعزى إلى الحزب الاشتراكي وإلى اليمين، قد أدى بعدد مهم من الناخبين إلى التصويت للجبهة الوطنية، التي يعدّ تزايد حضورها شيئًا فشيئًا في المشهد من أهمّ علامات هذين العقدين. لقد عملت الجبهة الوطنية على فرض موضوعاتها: الهجرة والإسلام، وهو أمر ما كان لينتشر بهذه السهولة، لو لم تجد هذه الموضوعات من يتبناها من اليمين واليسار الحاكمين (مانويل فالس على سبيل المثال لا الحصر).

كانت هناك دائمًا إضرابات، أي ما نسميه من الآن فصاعدًا بـ”الحركات الاجتماعية”، لكننا إذا نظرنا في نتائجها، وباستثناء إضراب 1995، مع سحب قانون الحماية الاجتماعية، وإضراب 2006 مع سحب “عقد العمل الأول» CPE، فإننا ندرك أن أيًا منها لم ينجح، على نطاق واسع وطويل بعض الشيء، وهذا اتجاه واضح بشكل متزايد في العقد الماضي، في ظل الرئيسين هولاند/ F. Hollande، وماكرون،. لقد صاحب هذا التركيز المستمر على لحظات الثورة الاجتماعية تشديد المراقبة والقبضة الأمنية بصورة متزايدة، وهو السبيل الوحيد لضمان تمرير القوانين لصالح الليبرالية، وإثراء الأوليغارشية المالية.

(*) ما هو تقديرك للحركات الاجتماعية التي عرفتها فرنسا في السنين الأخيرة؟

ينبغي التأكيد على أن هذه الحركات تتواتر بإيقاع سريع، وتستمرّ لمدة أطول من ذي قبل، سواء تعلّق الأمر بقانون الشغل، أو بإصلاح الشركة الوطنية للسكك الحديدية، أو بالمتقاعدين، أو بالاحتجاجات الأسبوعية لأصحاب السترات الصفراء. هذه الحركات تتميز بكون نشاطها يتعدّى حدود موضوعها، إلى الاحتجاج ضدّ السياسة العامة لليمين، وهو ما يخدم الفئات الواسعة من المجتمع. إن تصدّر هذه الاحتجاجات فئات جديدة تشعر أن حقوقها تتعرّض للانتهاك، مثل الطلاب والعمال والنقابيين، وهذا التصدّر يزداد قبولًا، وهو ما يعدّ علامة على درجة السّخط الذي تشعر به فئات واسعة من الشعب.

(*) تضطلعين بمسؤولية اتخاذ مواقف يسارية، ماذا يعني لك اليسار اليوم؟

الحرية، المساواة والتآخي، ولكن المساواة قبل كلّ شيء، لأنها شرط الحرية والتآخي. أين الحرية عندما نعيش في حالة من عدم الاستقرار، وإبعاد المعرفة والثقافة، والإدانة بالعمل ضعيف الأجر؟ التآخي، من دون عدالة اجتماعية، ليس سوى شيء من الخطأ الاعتماد عليه، وليسَ سوى لحظة من الشعور الوطني جوفاء، مثل لحظة ما بعد هجمات 2015 و2016. في الواقع، إن مجال المساواة هو مجال التربية، والصحّة والسكن والعلاقات بين الجنسين، وبين جميع البشر. والأحزاب أو الحكومات التي تسمي نفسها أحزابًا، أو حكومات يسارية، والتي لا تكافح ضدّ ضروب اللامساواة، لا تستحقّ هذه التسمية.

(*) هل النسوية مسألة سياسية؟

من خلال الاشتراط بأنه إذا كان للمرأة الحق في الصعود إلى السقالة، فيجب أن يكون لها الحق في الصعود إلى المنصة، فإن “أولمب دو غوجتضع مسألة القانون ودور المرأة في المدينة بطريقة رائعة ومأساوية. منذ القرن التاسع عشر، طالبت الحركة النسائية بالحقوق التي تتصل بالحياة المدنية، والتي لا يملكها إلا الرّجال، مثل الحقّ في التصويت، والحق في الدراسة، والحق في ممارسة الوظائف التي كانت محظورة على النساء.

الحركات الاجتماعية تتواتر بإيقاع سريع، وتستمرّ لمدة أطول من ذي قبل، سواء تعلّق الأمر بقانون الشغل، أو بإصلاح الشركة الوطنية للسكك الحديدية، أو بالمتقاعدين، أو بالاحتجاجات الأسبوعية لأصحاب السترات الصفراء».

وعندما نتذكّر عدد السنوات والقرون التي استغرقت، حتى تتمكّن النساء، في فرنسا، من التصويت (1945)، ومن فتح حساب بنكي من دون الحاجة إلى موافقة الزوج (1965)، ومن ولوج مدرسة البوليتيكنيك (1972)، وأن يكون في مقدورهن اجتياز الاختبارات الكتابية نفسها التي يجتازها الرجل في امتحانات التبريز (سنوات 1980)، يتضح لنا أن تحقيق المساواة في الحقوق، والتي تتطلب كلّ مرّة تغيير القوانين، كان قضية سياسية رئيسة. وخلال سنوات 1970، ومع الإعلان بأن “الشخصي هو سياسي” بالضرورة، فقد جعلنا من المساحة الخاصّة، وحرية النساء في التصرّف في أجسادهنّ، قضية سياسية.

يبدو لي الآن أن النسوية في صدد تشكيل قوة سياسية في حدّ ذاتها، بتيارات عالمية ومادية، أو متقاطعة. ويهتمّ كفاحها بتأسيس مجتمع مختلف، في العمل والتربية والثقافة والتمثيل السياسي، مجتمع للجميع رجالًا ونساء. النسوية والثورة، إنه برنامج جميل.

(*) لقد اتخذتم مرات عديدة مواقف عمومية، فهل يعد هذا بديهيًا بالنسبة لكم بوصفكم كاتبة؟ وهل من الضروري الفصل بين المواقف؟

الكتابة بالنسبة لي، دائمًا، فعل سياسي بالمعنى الواسع: إنها إعطاء صورة عن العالم، والأفراد، وهي، كما يقول رولان بارت، اختيار المجال الاجتماعي الذي تكتب فيه لغتك. وإذا جاز لي أن أرجع إلى النصوص التي كتبتها، فمن الواضح أنها تتضمّن رؤية واعتراضًا على الوضع الاجتماعي من جهة، ووضع النساء من جهة ثانية، وغالبًا ما يكون الأمران معًا. لقد نشأت هذه المواقف من المشاعر والأحاسيس التي كان من الضروري الكشف عنها في مسعى للبحث عن الحقيقة. وهذه الضرورة هي ما يشجع دائمًا. بالنسبة لي، لا توجد كلمة مجانبة للصواب في ما يخصّ الكلام عن كتبي، وعن “الالتزام” بالمعنى التقليدي الذي ساد بعد الحرب، سوى كلمة “رسالة”. ما يعنيني في كتبي ليس سوى نفسي، وحياتي تمامًا.

(*) هل ينتابك الحنين إلى أدب الألتزام لما بعد الحرب؟

لا. لقد أسهم أدب الالتزام في تكويني، وهنا أفكّر في “دروب الحرية” لسارتر، وفي مسرحه ومسرح كامو، وفي “الشرط الإنساني”، لكنني عندما بدأت الكتابة، وعلى الرّغم من عدم الالتزام بالتأكيد، فإنّ الرواية الجديدة هي التي شدّتني، وهي التي أثارت أسئلتي بخصوص الكتابة.

(*) كيف تقيّمين علاقة معاصرينا بالسياسة؟

إذا انطلقنا من إعادة انتخاب شيراك/ Jacques Chirac على رأس الجمهورية عام 2002، وبعيدًا عن المواجهات والنقاشات التي حصلت خلال الانتخابات الرئاسية، فإننا نلاحظ ما هو أكثر من اللامبالاة تجاه السياسة، وفقدان الإيمان بقدرة الحكومات على تغيير الحياة، وضرب من الاشمئزاز من الوعود المتكرّرة، والتي لم يتمّ الوفاء بها. وفي عام 2005 صوت أكثر من 54% بـ لا في الاستفتاء حول مشروع الدستور الأوروبي، ثم سخر المحتالون من هذا التصويت. حركة السترات الصفراء انبثقت من هذا العجز، ومن الشعور بعالمٍ سياسي، حكامًا وأحزابًا، بعيدٍ عن العالم الواقعي. وفي الوقت نفسه، فالطموح إلى حياة مختلفة ربّما لم يسبق أن كان بهذه القوة منذ 1981.

(*) هل رجال السياسة يتكلمون لغة مختلفة عن لغة الكتاب؟

للكتاب ورجال السياسة استعمال مختلف للغة، وهذا يعود إلى كونهم ينطلقون من غائيات مختلفة. السياسيون يتقصّدون الإقناع، والتأثير المباشر. إنهم يبحثون عن الإجماع الفوري. الجمل التي ينطق بها السياسيون يراد بها دائمًا أفعال. فالقول موصول بالفعل. لغة السياسي لغة أدائية، سواء أعلن عن خفض الضريبة، أو عن حالة الاستثناء، أو عن عالم جديد. بينما لغة الكاتب تتميز بكونها لغة تحريضية، فهي تحثّ على التفكير، والشعور والحلم والتذكّر بطريقة مترابطة. إنها لغة ليست خاضعة لاستبدادية الحاضر، ولا للنتائج التي ينبغي تحقيقها.

(*) ما هي، بالنسبة لكم، الأعمال الإبداعية الكبرى ذات الطموح السياسي؟ وما الذي نتعلمه منها اليوم؟

تثيرني بقوة الأعمال الواسعة، مثل “الحياة والمصير”، لفاسيلي كروسمان/ Vassili Grossman، و”لاستوريا” لـ إلسا مورانتي، التي تلقي بنا في عمق الزمن التاريخي، في الوقت نفسه التي تجعلنا نعيش تعقيداته وصعوباته. هذه الأعمال تحطّم النزعة الفردانية، وما يميز عصرنا أي الحاضر الهائل الموجود في كلّ مكان، والذي لا أفق له سوى نفسه.

لدي، إذًا، ميل قوي نحو رواية “الأحمر والأسود”، و”التربية العاطفية” أيضًا، ولأعمال حيث السياق والأفكار السياسية قد تم اختبارها من قبل الشخصية الروائية، سواء “جوليان سوريل”، أو “فريديريك مورو”. لا شكّ أن أسْباتَ نوفمبر وديسمبر من عام 2019، وثورة السترات الصفراء، كل ذلك جعلني أفكر في الصفحات التي كتبها فلوبير/ Gustave Flaubert عن أيام 1884م. تتيح لنا النصوص إمكانية المقارنة والفهم: نحن أقل تحيّرًا، ولا ندين بالشكل الكافي ما مررنا به من خلال تجربة القراءة.

عن موقع الضفة الثالثة