من تاريخ الصراع مع شركات النفط في العراق..إتفاقية مناصفة الأرباح في الخمسينيات

من تاريخ الصراع مع شركات النفط في العراق..إتفاقية مناصفة الأرباح في الخمسينيات

د. غصون مزهر المحمداوي

إن الظروف التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ووجود عوامل متعددة أقواها التنافس الإنكليزي الأمريكي الذي ابتدأ بتطبيق مبدأ مناصفة الأرباح في السعودية عام 1950، ثم تأميم النفط الإيراني في عهد الدكتور مصدق والضجة التي قامت حوله ونهايته بالفشل عام 1951،

وعقد اتفاقية مناصفة الأرباح في الكويت، وقد أدى التطور البطيء في صناعة النفط في العراق بالنسبة الى لغيرها من دول الخليج العربي – الى إثارة اعتراضات شديدة من جانب الجماهير والحكومة والى المطالبة بزيادة الإنتاج والأرباح.

حيث كانت شركات الكارتل النفطي مسجلة في بريطانيا ويمثلها في بغداد أحد موظفيها من البريطانيين، أي إنها كانت خارج سيطرة القوانين العراقية ومع إن اتفاقيات الامتيازات أعطت الحكومة العراقية حقاً في تعيين مدير عراقي في مجلس مديري كل شركة لكن ذلك بقي حبراً على ورق

وعند النظر في حصة العراق من عوائد النفط يتضح جلياً نشاط الشركات في استنزاف ثروات العراق، إذ كانت حصة العراق من نفطه بموجب الاتفاقات المعقودة مع الشركات هي (4 شلنات)، أو (200 فلس) لكل طن من النفط، ثم اصبح (6 شلنات) أو (300 فلس) في عام 1951، وخلال (16 سنة) وبالتحديد من عام 1934 – بدأ النفط يتدفق إلى البحر المتوسط – حتى عام 1950 لم يستلم العراق سوى (100 مليون) دولار في حين كان صافي ربح الشركات النفطية لنفس المدة هو (800 مليون) دولار.

ومع بداية الخمسينات اشتد نضال القوى الوطنية العراقية من اجل إعادة النظر في الاتفاقات المعقودة مع شركات النفط على أسس عادلة ومتكافئة والمطالبة بقيام صناعة وطنية ولاسيما في مجال التصفية والوقوف بوجه المصالح الاستعمارية وعلى رأسها شركات النفط.

وفي تلك الفترة كما ذكرنا أخذت الشركات الأمريكية بتعميم مبدأ مناصفة الأرباح في امتيازاتها في الشرق الأوسط، وأعلنت حرباً ضد شركات النفط البريطانية للاستحواذ على اكبر كمية من احتياطي النفط، وكانت النتيجة عقد اتفاقية بين الحكومة السعودية وشركة ارامكو والتي تقضي بمناصفة الأرباح، وهذا المبلغ يمثل مجموع الضرائب والإيجارات والريع التي تدفعها الشركة إلى الحكومة التي هي عبارة عن (50 ‌%) من صافي دخل الشركة بعد خصم استهلاك رأس المال.

إن ضغط القوى الوطنية مع الأخذ بنظر الاعتبار اتفاقية المناصفة بين الارامكو والسعودية وتجربة التأميم الإيرانية، اضطر شركة نفط العراق وفروعها إلى التنازل وعقد اتفاقية (3 شباط 1952)، وقضى هذا الاتفاق بين الحكومة من جهة وشركات نفط العراق والموصل والبصرة من جهة أخرى بحصول العراق على 50 ‌% من الأرباح قبل اقتطاع الضرائب الواجب دفعها للدولة، وقد ترتب على هذا الاتفاق زيادة في الإنتاج وفي العائدات، لذا يمكن اعتبار عام 1950 بداية للدور المهم الذي بدأت تلعبه عوائد النفط في الكيان الاقتصادي للعراق، ومنذ ذلك الوقت يساهم قطاع النفط الخام بما يقارب الـ 50 ‌% من الدخل القومي بالأسعار الثابتة، كما إن هذه العوائد تشكل ما يقارب الـ 65 ‌% من الميزانية الاعتيادية.

إن زيادة عوائد النفط بموجب الاتفاق بين الحكومة وشركات النفط أدت إلى توسع أعمال الحفر والضخ وتواصل النقل بأنابيب النقل إلى البحر المتوسط، كما رفع من دخل الحكومة من مبالغ قدره (78 , 6 ملايين) دينار عام 1950 إلى (7 , 40 مليون) دينار عام 1952، ثم إلى (80 مليون) دينار عام 1958.

إن هذه الإيرادات الضخمة ساهمت في قيام مشاريع مهمة ذات فائدة كبناء السدود والطرق والسكك الحديد، ولقد ازداد الطلب على المنتجات النفطية داخلياً مع توسع حركة العمران والتصنيع وتطور المواصلات فتم توسيع مصفاة حديثة، التي أنشأتها شركة نفط العراق عام 1938، وأنشأت الحكومة مصفى المفتية في البصرة عام 1953 لتزويـد المنطقة الجنوبية بمشتقات النفط ومصفى القيارة لانتاج الزفت ومصفى الدورة عام 1955 ومصفى الدهون في البصرة عام 1957.

إن ما حصل عليه العراق من ثروات جعل الأوساط البريطانية تبذل جهوداً كبيرة من اجل استنزاف تلك الثروات تحت ذرايع مختلفة مثل تطوير العراق اقتصادياً واجتماعياً، وتشير الوثائق البريطانية لعام 1952 إلى أن ((هناك إجراءات وقائية في اتفاقية شركة النفط يمكن أن تضمن أدنى حد من الدفع إلى الحكومة، وقد اصبح الآن ممكناً أن يخطط مسبقاً لتحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي الضروري لازدهار البلاد))، وهذا ما يفسر إلحاح السفارة البريطانية على الحكومة العراقية – قبل عقد الاتفاقية – على ضرورة تأسيس مجلس أعمار لتستطيع من خلاله امتصاص اكبر قدر من عوائد العراق النفطية.

إن السياسة الاستعمارية فيما يتعلق بالجانب النفطي لا تنحصر في مسألة العوائد فحسب، وانما بذلت جهوداً كبيرة للمحافظة على احتياطي النفط لحالة الحرب، وعلى عدم إعداد ملاك عراقي متخصص في شؤون النفط، وبذلك فانهم خرقوا اتفاقية 1952 التي نصت على إحلال العراقيين الذين حصلوا على الخبرة الضرورية محل الخبراء الأجانب، غير انهم وضعوا العراقيين في وظائف ثانوية ولم يفسحوا المجال لهم لاستيعاب الحلقات العلمية المهمة.

أما ما يتعلق بأجور العمال فعلى الرغم من أنها تزيد ما بين 5 ‌% - 15 ‌% على معدل الأجور في القطاعات الاقتصادية المحلية، إلا أن المقارنة الصحيحة للأجور هي مع أجور العمل المماثل في الصناعة النفطية في العالم الرأسمالي، أن دخل العامل العراقي في صناعة النفط (420) ديناراً سنوياً أو ما يعادل 1200 دولار عام 1954، في حين بلغ معدل الدخل السنوي للعمال في صناعة النفط في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 5700 دولار في عام 1958 أو ما يعادل حوالي 2036 ديناراً سنوياً، وهذا يعني أن عامل النفط العراقي لا يتقاضى إلا خمس ما يتقاضاه مثيله الأمريكي عن إنتاج النفط الخام.

وعلى الرغم من كثرة الإعفاءات التي تتمتع بها الشركات النفطية العاملة في العراق فأنها كانت بعيدة عن الاقتصاد العراقي، فكل مشترياتها من أثاث ومعدات ولوازم استهلاكية كانت تفضلها من الخارج حتى ولو كانت متوفرة في العراق، وقد بلغت أرباح الاحتكارات النفطية البريطانية لعام 1958 (431) مليون باون وهذا المبلغ يزيد على مجموع الأرباح البريطانية عن الأعمال الهندسية وبناء السفن وصناعة الحديد والفولاذ مجتمعة.

لذلك لم تكن العلاقات بين الحكومات العراقية وشركة نفط العراق متكافئة إذ كانت الأولى في مركز الضعف والثانية بمركز القوة لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية ابتداء من 1925 وحتى عام 1958، فحين قامت الثورة لم تغير الشركات سياستها النفطية الرامية إلى إلحاق الضرر بالعراق.

وفضلاً عما تقدم كان الأجانب هم أصحاب الامتياز في توزيع المنتجات داخل العراق وقد كانت شركة نفط خانقين صاحبة الامتياز قبل عام 1952، أي قبل اتفاقيتها مع مصلحة مصافي النفط الحكومية محتكرة للسوق المحلية، ولم تكن مستودعات النفط التي في عهدتها سوى أبنية رديئة ومخازن لا تفي بالحاجة ومحطات للبنزين تعتبر أسوأ المحطات للبنزين في العالم بسبب ضيق مكانها وقبح منظرها وبدائية الخدمة التي تقدم فيها، لكن بعد أن تحملت شركة مصافي النفط النفقات في إنشائها بعد اتفاقية 1952 أخذت هذه الشركة تنفق من سعة على حساب مصافي النفط الحكومية، ولم تعن شركة نفط خانقين عناية جدية بإنشاء جهاز عراقي تكون له الكفاءة والمقدرة بحيث يتسلم المهام منها عند الحاجة.

إن خضوع حكومات العهد الملكي للنفوذ البريطاني وتوجيهاته وتساهلها مع شركات النفط الاحتكارية من جهة واتفاق هذه الشركات على اقتسام حصص الشركات التي تحصل على امتيازات استثمار النفط في العراق بنسب معينة وعلى الامتناع عن منافسة بعضها البعض في الحصول على مثل هذه الامتيازات في العراق، هذا كله ساعد كثيراً على الوصول إلى هذه النتيجة السيئة التي حصرت حقوق التحري عن النفط واستثماره في أراضي العراق جميعها بجماعة واحدة من الشركات الاحتكارية لقاء ثمن بخس ووفق شروط يسودها الغبن والاجحاف مما أدى إلى تأخير عمليات التحري عن النفط واستثماره في العراق وأوقع بمصلحة العراق ضرراً بالغاً.

عن رسالة:التطورات الاقتصادية والاجتماعية في العراق للفترة 1958-1968 «