بدايات معرفة العراقيين بالسيارات

بدايات معرفة العراقيين بالسيارات

مرتضى الأوسي

2ــ2

في 4 نيسان 1939 فجع العراقيون بمصرع الملك غازي في حادث سير مفتعل ! تشير بأصبع الأتهام نحو بريطانيا أثر اصطدام سيارته التي كان يقودها بعامود الكهرباء في منطقة الحارثية قرب قصر الزهور،

والجدير بالذكر أنه كان لديه سيارة (غير سيارة الحادث) من نوع مارسيدس وهي مهداة من هتلر، وهي فريدة من نوعها حيث صنعت ثلاثة منها تحمل نفس المظهر الخارجي (بدنها) أستخدم واحدة هتلر والثانية الملك غازي والثالثة لموسوليني رئيس وزراء إيطاليا، وبهذا يكون الملك غازي أول مسؤول يتعرض للموت بحادث سيارة..

وفي الخمسينات بدأ إزدهار بغداد وألوية العراق نتيجة سياسة ومشاريع مجلس الاعمار ودور المجلس النيابي الملموس ولأن أعضائه يعدون النخبة والتي أتسمت بأتساع قاعدتها الثقافية والمتطلعة الى التنمية والنهوض بالعراق الى مراتبه العليا والحديثة، فشقت الشوارع والطرق السريعة والطرق بين بغداد وألوية العراق (محافظاته).

في بداية الستينات ونتيجة العلاقات الجيدة مع الأتحاد السوفييتي وصلت بغداد سيارات الفولكا والتي يسميها البغداديون (البعيرة) لمتانتها وملاءمتها للجو العراقي، ونظراً لاسعارها الواطئة مقارنة بالسيارات الغربية والأمريكية اقتناها بعض الموظفين وضباط الجيش الصغار والشرطة وسائقي التكسي.

وفي 14/7/1964 في عهد الرئيس عبد السلام عارف صدر القرار رقم 99 لسنة 1964 تم بموجبه تأسيس الشركة العامة لتجارة السيارات وبدلاً من أن تكون تنافسية مع شركات القطاع الخاص ألا أنها جمدت اعمال تلك الشركات من أستيراد السيارات وبهذا الأجراء فقد أنتشرت (مودة الزي الموحد) وليس (الزي المتنوع) وبدأت الشركة بالتفاوض مع اليابانيين والفرنسيين والروس والبولنديين لاستيراد السيارات منها.

ومع ذلك فقد سمحت الدولة الموظفين الذين يعملون في السلك الدبلوماسي والطلبة الدارسين من جلب سيارة من أي منشأ يرغبون عند انتهاء عملهم ودراستهم بالخارج، وهنا نشط قطاع آخر هم تجار المعارض، وأبتدأ روتين التسجيل والقرعة للحصول على السيارة، وبهذا أصبحت السيارة تجارة لمن يريد أن يبيعها في المعارض بسعر أعلى من ما دفعه للشركة، ومع ذلك أزداد عدد السيارات في الشارع وبدأت اللقاءات العاطفية تأخذ مكانها بالتجول بالسيارة وكان النصيب الأكبر للضباط والطيارين، كما أزداد عدد الفتيات والسيدات من سياقة السيارة.

في بداية السبعينات تبدلت الصورة، تشاهد سيارات فرنسية كالبيجو والرينو وسيارات مصرية كالنصر وخليط من السيارات الأمريكية والإنكليزية المستوردة سابقاً وسيارات الفيات الأيطالية والموسكوفيج الروسية، وكلها لا تلبي طموحات وأحتياجات الطلب بسبب وجود شركة واحدة للتوزيع، ومع تأميم النفط في عام 1973 والخطة التطويرية لكافة مرافق الدولة العراقية من تصنيع وبناء وشق الطرق الواسعة التي تربط محافظات العراق بالدول المحيطة زاد الطلب للسيارات بكافة أنواعها، فالشركات الأجنبية العاملة جلبت سيارات من مختلف المناشيء ووضعت لها لوحات أدخال كمركي مؤقت والشركة العامة للسيارات أستوردت الكثير من السيارات كان نصيب اليابانيين عالياً، وبصدور قانون الكفاءات أمكن حاملي شهادة الماجستير من أستيراد سيارة بدون كمرك عن طريق الأستيراد الشخصي أو عن طريق الشركة العامة للسيارات، فكانت المرسيدس هي السيارة المطلوبة، وكانت الناس تعرف أصحاب الشهادات من سياراتهم.

أزدادت السيارات اليابانية وبدأت السيارات الأمريكية والإنكليزية بالتلاشي لقدمها وعدم أستيرادها عن طريق الشركة.

في الثمانينات أصبحت السيارات اليابانية التويوتا والمتسوبيتشي والباسات البرازيلي هي السائدة في الشوارع وأثناء الحرب العراقية الأيرانية كان نصيب السيارات من قبل الضباط ونواب الضباط وعوائل الشهداء هم الأبرز من المستفيدين، أستبدلت سيارات التكسي القديمة بسيارات تويوتا حديثة ورحلت تلك السيارات القديمة الى المحافظات، وأزدهرت معارض السيارات الأهلية في البيع المباشر نظراً لعدم تجهيز الشركة ألا لمنتسبي القوات المسلحة وأجهزة الشرطة، وسمح للمدراء العامين بأقتناء سيارة تويوتا من الشركة كل سنتين شريطة الأستغناء عن سيارة الدولة وسائقها.

في بداية عام 1990 أستوردت الشركة سيارات أمريكية هي الأولدزموبيل وشوفرليت الأمريكي الصنع، ولكن بعد حرب الخليج عام 1991 وفرض الحصار لم تستطع الشركة أستيراد أية سيارة بسبب الحظر، ولكن عندما وافق العراق على قرار النفط مقابل الغذاء، بادرت الدولة بالموافقة بأنشاء وكلاء أستيراد للقطاع الخاص، حيث عادت حركة السيارات الجديدة بالدخول الى بغداد ولكن بأعداد غير كافية أغلبها أستوردتها الشركة العامة لأستيراد السيارات عام 2002 مثل البيجو 306 والبروتون وكانت غالية جداً على المواطنين العاديين وقد أقتناها بعض التجار، وأستمر هذا الحال الى الأحتلال، وبعد الأحتلال ونتيجة لعدم وجود ضوابط وقوانين تحكم البلد، وبالأضافة الى ما سرق من سيارات كانت موجودة في مخازن الشركة، أصبح الشارع يعيش فوضى أستيراد وبدون رقيب ولا حرص وبشكل عشوائي في النوعيات من السيارات ذات المناشيء الرديئة وكلها بدأت تحمل مصطلح المنفست، تصور حتى سيارات مقودها اليمين بدلا من اليسار تشاهدها هناك في شوارع بغداد والمحافظات العراقية.

بعد عام 2003 شهد العراق موجة كبيرة من استيراد السيارات بمختلف الأنواع , ومنها ذات المقود الأيمن.. وفي تلك الفترة ولعدة سنوات لاحقة تم تحوير الآف السيارات وبرز عشرات الأصطوات المتخصصين في نقل المقود وتفرعاته من اليمين الى اليسار.

ولم تكن هذه الحالة الأولى في تاريخ العراق الحديث , فعند سقوط بغداد عام 1917 بيد الإنكليز , فرض البريطانيون نظامهم القانوني وبالتأكيد النظام المروري أيضاً.

لم يكن العراقيون على علم بهكذا أنظمة للسير مع دخول السيارات , لذلك وضع البريطانيون أشارات للمرور تعلمهم طريقة استخدام الشارع..

ظل النظام المروري البريطاني ساري في العراق حتى عام 1926 حيث دخلت السيارات الأمريكية ذات المقود الأيسر بعد أن تم اعتماد نظام المرور الأمريكي. وفي تلك الفترة بدأ تحوير السيارات التي دخلت الى العراق قبل عام 1926 , لكن لم يكن تحوير عشوائي كما حصل بعد عام 2003 , بل مدروس وتحت إشراف كبريات الشركات الأمريكية.

ونبقى في عام 1926 حيث كانت شركات السيارات الأمريكية ترسل نماذج من السيارات كنوع من الدعاية في عواصم العالم من قبل الشركة المصنعة , وكانت لبغداد حصتها اذ كانت تقف مثل هذا النوع من السيارات أمام جامع السراي في رصافة بغداد.

تعرف الكربلائيون على السيارة لإول مرة في بداية العشرينات خصوصاً عند زيارة الملك فيصل الأول عام 1921 , وقبلها من زيارات الضباط الإنكليز لوجهاء المدينة , في وقت لم تكن هناك شوارع معبدة , وبعدها مرت في شوارع المدينة الضيقة وفي بساتينها سيارة الفورد الأمريكية الصنع التي كان يقودها الأجانب.

من أقدم ملاك السيارات في كربلاء هو سادن الروضة العباسية السيد محمد حسن الكليدار ال ضياء الدين واخذت لها صورة في شهر آب 1945 ويظهر بجانبها المرحوم السيد صالح مهدي ضياء الدين , حيث كان يستخدمها في تجواله بين أراضيه.

وكان الحاج حسن أبو دكة الأديب وتاجر الحبوب له سيارته الخاصة في الأربعينات يتجول في أسواق المدينة وشوارعها الترابية.

في الستينات كانت عربات الربل تتجول في شوارع المدينة جنباً الى جنب مع سيارات الفولكسواكن التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة , التي يطلق عليها الكربلائيون (الركة) وكان يملكها أغنياء القوم , ومن ثم بعدها ظهرت سيارة المارسيدس (الجنح) المفضلة لدى وجهائها , أمثال سيارة الوجيه المرحوم عبد الحسين كمونة والتي كانت تحمل الرقم ( وسيارة المدرس المرحوم عبد الحسين الشروفي التي كانت تحمل الرقم (5).

من السيارات المفضلة لدى الكربلائيين كانت السيارة البيجو 404 التي تم استيرادها من فرنسا في بداية سبعينات القرن الماضي والتي كانت تستخدم كتكسي الى جانب اللادا والموسكوفيج والفولكا.

في بداية الثمانينات كان الفرق واسعاً جداً بين السيارات العراقية والسيارات الخليجية الفخمة , ولإن مدينة كربلاء تستقطب الزائرين من جميع أنحاء العالم ومن ضمنهم زائري الخليج , كانت سياراتهم أمريكية الصنع وضخمة وتحتوي على (ويل كب) فضي لامع , عكس السيارات العراقية المتهالكة خصوصاً التكسيات منها , إذ كانت تتوقف أغلبها في شارع قبلة الحسين وشارع قبلة العباس وشارع السدرة وخصوصاً التي يطلق عليها الكربلائيون (البهبهان) (شوفرليت وجي أم سي) الكبيرة الحجم والتي تسع نحو 9 أشخاص (تم إنتاجها لإول مرة عام 1935) , وسيارات الأولدزموبيل والشوفرليت ذات الأشكال المتنوعة والملفتة للإعجاب.

من مقال أرسله كاتبه الفاضل الى ملحقنا..