كيف تأسست وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؟

كيف تأسست وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؟

إيمان مصطفى المحمدي

ورث التعليم العالي، بعد عام 1958، تركة ثقيلة من المشاكل المزمنة في مجال الادارة والتنظيم والاهداف، ومحتوى الدراسة والأساتذة والطلبة، وكان المأمول أن يصاحب التغير الكلي في أعداد الطلبة وزيادة الانفاق على التعليم العالي بعد الثورة،

تغيير جذري في نوعه ومحتواه، وعلى الرغم من انبثاق (جامعة بغداد) ظلت الجامعة تتالف من مجموع كليات متناثرة ومعاهد علمية متفرقة نشأت في ظروف خاصة لتؤدي وظيفة خاصة، والجامعة في العام الدراسي 1962-1963 لازالت في أول تكوينها، وماتزال كلياتها محتفظة بكياناتها القديمة،يغلب عليها طابع الاستقلال، وماتزال قائمة في بنايات متفرقة متباعدة. ومن الخطوات التي تم اتخاذها المباشرة بانشاء البنايات الموحدة لجمع شتات الكليات والمعاهد على صعيد واحد، فاختيرت ناحية الجادرية موقعاً لبناء الجامعة. وفي عام 1963 صدر القانون ذو الرقم (51) لعام 1963، ووضعت الأنظمة والتعليمات اللازمة لمعالجة الوضع المرتبك الذي عاشته الجامعة بعد ربط المعاهد بها، وطبيعة العلاقات بين كلياتها، وبينها والمجتمع، وبموجب القانون حُدِّدت مسؤولية الجامعة،ووضع هيكل جامعي لكلياتها ومعاهدها، لمنع البعثرة وضياع الجهود والأموال،، تلا ذلك تأسيس المجلس الأعلى للبحوث، والمركز الوطني لحفظ الوثائق، ثم شُرِّع قانون الخدمة الجامعية.

تأسس مجلس التخطيط للتربية والتنمية الاجتماعية بموجب القانون ذي الرقم(167) لعام 1964، ومهمته»تحقيق التنمية التربوية والاجتماعية،وتنسيقها وتكاملها مع التنمية الاقتصادية، لدعم المجهود القومي في تحقيق وضمان الحياة الكريمة لأبناء الشعب، وذلك بإيجاد السبل الكفيلة بحسن استثمار الطاقات البشرية في البلاد،عن طريق تربية الناشئين، وأعداد المختصين والفنيين، وتدريب الأيدي العاملة، والتوجيه الاجتماعي.

يرأس المجلس رئيس الوزراء، أو من ينوب عنه، ويضُّم:-

أ‌- خمسة عشروزيرا، هم: وزراء الدفاع، والتخطيط،والتربية، والنفط، والصحة، والزراعة، المواصلات،والصناعة،والمالية،الاصلاح الزراعي،والبلديات،والاشغال،والاقتصاد،والثقافة،والارشاد، والعمل والشؤون الاجتماعية، والداخلية.

ب‌- رئيس جامعة بغداد، ورئيس المجلس الأعلى للبحوث العلمية، وخمسة من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة من ذوي الاختصاص ينتخبهم مجلس الجامعة.

ت‌- عضو من الاعضاء المتفرغين في مجلس التخطيط.

ث‌- اعضاء آخرين يختارهم مجلس الوزراء.

وبعد تأسيس جامعتي الموصل والبصرة، ارتأت الحكومة ضرورة استحداث "المجلس الاعلى للجامعات " ليخطط للتعليم الجامعي والعالي، والتنسيق بين الجامعات العراقية الرسمية الثلاث، وليسهم في تركيز التعليم الجامعي وتعزيزه". فصدر القانون ذو الرقم(2) لعام 1967،في 4 كانون الثاني1967،وجاء في الأسباب الموجبة للقانون:- "إنّ إنشاء أكثر من جامعة رسمية في العراق يتطلب وجود تنظيم يضمن التنسيق بين أعمالها،ويحقـِّق التعاون الكلي بينها،ويمكـِّن من وضع تخطيط مشترك لها،كما إن ظهور عدد من المؤسسات الجامعية الأهلية يتطلب وجود جهة تشرف عليها، للتأكد من توافر المستوى الجامعي والأسس والامكانيات اللازمة له، فضلا عن أنَّ التخطيط للتعليم الجامعي يتطلب وجود هيئات عليا تتولى تحقيق هذه الغايات،الى جانب جهود الجامعات المنفردة".

يؤلـَّف مجلس للتعليم في العراق يُدعى بـ(المجلس الأعلى للجامعات)، يتكـَّون من رؤساء الجامعات الرسمية في العراق، وممثل عن كلّ منها يرشحه رئيسها ويوافق عليه مجلسها، يتولـَّى رئاسة المجلس أقدم رؤساء الجامعات، وُحَّددت اختصاصات المجلس، وهو السلطة العليا للجامعات، و تخطيط التعليم الجامعي والعالي في العراق.

وعُدِّلَ قانون المجلس الأعلى للجامعات مرة أخرى،فصدر القانون ذو الرقم (171) لسنة 1968،الذي نصَّ على أن يكون وزير التربية من ضمن أعضائه،وأَعقب ذلك صدور نظام الاشراف على التعليم الجامعي والعالي والأهلي ذو الرقم (12) لسنة 1969، الذي حدَّد شروط إجازة تأسيس الجامعات والكليات الأهلية.

درس المجلس الأعلى للجامعات، بعد تأسيسه، تطوير التعليم الجامعي وتوسيعه، وإجازة الكليات الأهلية والاشراف عليها. وشكـَّل المجلس عدة لجان لدراسة وضع التعليم العالي وبيان أهدافه وأسسه ومناهجه، وقد اقترحت هذه اللجان تأسيس وزارة خاصة بأسم»وزارة التعليم العالي والبحث العلمي،» وإلحاق الجامعات العراقية القائمة ومؤسسة البحث العلمي بالوزارة الجديدة.

وبهذا يصبح الكيان العام لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي،بحسب المقترح،على الشكل الآتي:-

1- وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (ديوان الوزارة الذي مازال في مرحلة التكوين).

2- الجامعات (جامعة بغداد،وجامعة الموصل،وجامعة البصرة،وجامعة السليمانية).

3- مؤسسة البحث العلمي(معهد بحوث الموارد الطبيعية، ومركز البحوث البايولوجية، ومركز بحوث التمور والنخيل، ومركز البحوث الزراعية، ومركز بحوث النفط).

وتصبح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي هي الجهة المشرفة والمنفذة الوحيدة، وهي المسؤولة عن توسيع التعليم العالي،وتنفيذ السياسة العلمية والتكنولوجية للدولة،كما إنـّها تتولى رسم السياسة المالية للتعليم العالي والبحث العلمي في ضوء السياسة المالية العامة للدولة، والاشراف على صرف الميزانيات التابعة لمؤسساتها.

تأسيس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي:-

أنشئت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي نتيجة حاجة فعلية استلزمها واقع التعليم العالي في القطر،ومايعاني منه من التشتت وانعدام التنسيق بين الجامعات المختلفة،ومن ضعف الارتباط بينه ومستلزمات التنمية الاقتصادية،ومن انخفاض انتاجيته ومردوده الداخلي والخارجي، ومن عدم وفائه بكثير من الأغراض الاجتماعية الهامة التي وجد من أجلها،غير أنّ ضمان الأغراض التي أنشئت الوزارة من أجلها رهن بوضع الشروط العملية والموضوعية التي تمارس من خلال عمليات التوجيه والتنسيق وفق الأهداف الموضوعة لها، لتكون قادرة على بث رياح التجديد في البنى الجامعية، وتخرج بها من مؤسسات تجعل غاياتها في ذاتها ونظمها القائمة الى مؤسسات تجعل غاياتها تحقيق أهداف المجتمع، وتستطيع الوزارة ممارسة دورها هذا بالتعاون مع الجامعات والمعاهد العليا، ويكون لها دورها التخطيطي في المقام الأول،الذي يتم عن طريق التخطيط العلمي، وعن طريق الجهود العلمية والفنية التي تقوم بها، والتي من شأنها أن تـُحدث تغييرا عميقا في سير التعليم.

صدر في عام 1970 القانون ذو الرقم (132) الذي نصَّ على تأسيس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وجاء في الأسباب الموجبة لصدور القانون: أن تستهدف وزارة التعليم العالي توحيد مسيرة مختلف المؤسسات العلمية والتعليمية العالية، من خلال منهج عام تضعه الدولة، وتتولى الوزارة تطبيقه وتحقيقه، عن طريق اشراف عام لايخلُّ بما تتطلبه طبيعة هذه المؤسسات من حرمة وحصانة واستقلال في العمل والمبادرة والابداع، وتأكيد الارتباط العضوي بين الحركة العلمية ومؤسساتها ومجمل نشاطات الحياة في المجتمع ومناهج التطور والتنمية فيه.

تتولى وزارة التعليم العالي، بحسب قانونها، تنفيذ سياسة الدولة التربوية والثقافية والعلمية والتكنولوجية، وتستهدف إحداث تغيير نوعي في الحركة العلمية والتعليم العالي، وتنويع الدراسات والبحوث العلمية العليا والاختصاصات الفنية والتكنولوجية في الجامعات والمعاهد ومراكز البحث في ضوء مشاريع التنمية والتطوير، والعناية بالبحث العلمي ورعاية مواهب الابداع والابتكار وتشجيعها ودعمها،والعمل على توفير الأسباب الفنية والمادية التي تساعد الباحثين والمعيدين والمخترعين على متابعة رسالتهم، ومنح مخصصات كافية للفرع العلمي ومكافآت مادية تتناسب مع قيمة وجودة الانتاج والابتكار.

وقد أشغلت منصَب وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتورة سعاد خليل اسماعيل في 3 حزيران 1970. وسعاد خليل اسماعيل(1928-1995) ولدت في بغداد،وفيها أكملت الابتدائية والثانوية،ثم التحقت بالجامعة الامريكية ببيروت فحصلت على بكالوريوس في التربية وعلم النفس،مارست التدريس في الثانوية مدة، ثم رحلت الى أمريكا لمواصلة دراستها العليا،فحصلت على الدكتوراه في التربية من جامعة كاليفورنيا،عُيِّنت مدرسة في (كلية البنات)، فعميدة لها في عام 1957،وفي عام 1967 عُيِّـنت مديرا لمركز البحوث العلمية والتربوية والنفسية التابع لجامعة بغداد،وفي عام 1970 عُيِّـنت وزيرة للتعليم العالي والبحث العلمي، لها:التقرير السنوي لمركز البحوث التربوية والنفسية العام الاول 1966-1967 وهو تأليف مشترك طبع عام 1967، ودراسات في التعليم الطبي في جامعة بغداد عام 1968،ولها مؤلفات خطية.

وتتولى وزارة التعليم العالي، بموجب هذا القانون، القضايا التنظيمية الآتية:-

1- الاشراف على الجامعات ومؤسسة البحث العلمي ولجنة الطاقة الذرية

2- تنظيم العلاقات الثقافية الخارجية، وإدارة البعثات في نطاق اختصاصاتها،مستهدفة تطوير الحركة العلمية والتعليمية ومؤسساتها ومناهجها في الجمهورية العراقية، والعمل على عقد اتفاقيات للتعاون العلمي والفني والثقافي مع الدول العربية والأجنبية، والاشراف على تنفيذ هذه الاتفاقيات، وتبادل العلماء والمفكرين وأساتذة الجامعات مع البلدان العربية على أوسع نطاق، ومع الدول الأجنبية بقدر ماتدعو الحاجة، وإيفاد البعثات العلمية، واعطاء المنح والاجازات الدراسية وفق الاحتياجات الراهنة0 وكذلك قبول الطلاب العرب والأجانب واعطاؤهم المنح الدراسية، وتحديد نسبة قبولهم والاشراف على توزيعهم في الجامعات والمعاهد،والاشراف على الملحقيات الثقافية المختصة بشؤون التعليم العالي في الخارج.

3- الاشراف على المؤسسات الأهلية، بغية إرشادها في الاحاطة بالسياسة العامة للدولة والتقيد بها، ومساعدتها عن طريق إمدادها بأعضاء الهيئة التعليمية.

4- لوزارة التعليم العالي تقديم الاقتراح للسياسة المالية للتعليم العالي والبحث العلمي بما في ذلك وضع ميزانيتها العادية، والاستثمارية.

5- معادلة الدرجات والشهادات العلمية الصادرة عن مؤسسات جامعية أو علمية عربية أو اجنبية.

6- دراسة طلبات رؤساء مجالس المؤسسات الرسمية واقتراحاتهم،واتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بشأنها.

ونـَّص القانون على تأسيس (مجلس التعليم العالي والبحث العلمي)، وهو الهيئة العلمية العليا في الجمهورية العراقية،وتكون برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية كلٍ من وزير التعليم العالي، ووزير التربية والتعليم، ورؤساء الجامعات الرسمية والأهلية، ورئيس مؤسسة البحث العلمي،ورئيس لجنة الطاقة الذرية، ورؤساء الدوائر العلمية بالوزارة، ونقيب المعلمين، وأعضاء من الهيئات التدريسية في الجامعات الرسمية والأهلية بنسبة ممثل واحد من كل ثلاث كليات، على ألاّيقل تمثيل الجامعة عن عضو واحد، ويمثل اتحاد الطلبة والأمين العام للمجلس وكبار العلماء والمفكرين والاختصاصيين من المواطنيين العراقيين والعرب.

ويتولى هذا المجلس اقتراح السياسة التربوية والثقافية والعلمية والتكنولوجية العليا للدولة،ووضع الخطط اللازمة لرفع المستويات العلمية، وتطوير المناهج، وتحديد الشروط العامة للقبول في الجامعات، وتحديد الدرجات والألقاب والشهادات العلمية، وتعيين شروط منحها، ودراسة التقارير السنوية لمجالس المؤسسات الرسمية، ووضع تقرير سنوي شامل عن الحركة العلمية ومسيرة مؤسساتها الرسمية والأهلية.

عن رسالة (التعليم العالي في العراق 1956- 1970).