بمناسبة الدورة 15 لمعرض أربيل الدولي للكتاب (أربيل حاضر وحضارة) جولة في قلعة أربيل

بمناسبة الدورة 15 لمعرض أربيل الدولي للكتاب (أربيل حاضر وحضارة) جولة في قلعة أربيل

جيهان شيركو

رغم البدء بالتنقيبات في قلعة أربيل واكتشاف جزء من سورها التاريخي لكن لم تسنح لي الفرصة بمشاهدة السورحتى سنة 2019، وقد زودني د. عبد الله خورشيد قادر رئيس هيئة التنقيب مشكوراً بنتائج التنقيبات، وقبل ان تطأ قدمي موقع التنقيبات، وأشاهد سورالقلعة،

راجعت أهم ما كتبه المفكرون والمؤرخون والرحالة عن قلعة أربيل، بالرغم من قدم مدينة أربيل الا ان الصعوبة التي تواجه الباحث هي قلة المصادر التي تذكر المدينة وتطورها عمرانيا، فتكوين صورة عن شكل وتطوير المدينة خلال القرون القديمة صعبة جدا خاصة بعد تدمير المعالم القديمة للمدينة، كما لاتتوفر لدينا معلومات تخص مناعة القلعة ونوعية الاحتياطات التي كانت تتخذ للدفاع عنها، سوى خندقها العميق، حتى ندرك أهمية الجزء المكتشف من سورالقلعة ومدى أهمية دراسته من قبل الباحثين والمتخصصين، وعندما قمت بكتابة هذا الموضوع اعتقدت بأني سأعثر على عشرات الدراسات حول السور المكتشف ولكن مع الاسف رجعت خالية الوفاض !!.

وقبل الذهاب للموقع أخذت أسأل نفسي بشغف كيف يبدو سور القلعة؟ كم يبلغ طول السور، ارتفاعه، عدد ابراجه، كيف اختفى هذا السور الكبير ! ! ولماذا..؟ كان شوقي يزداد لرؤية هذا السور يوما بعد يوم وربما زيارة الموقع ستجيب على بعض من هذه الاسئلة .

اقلتني سيارة الأجرة باتجاه القلعة كان ذهابي هذه المرة مختلفا عن المرات السابقة، فأنا ذاهبة لرؤية (سور) قلعة أربيل، كانت السعادة تغمرني وبين الكثير من التساؤلات والتخيلات المستمرة عن شكل السور، وصلت القلعة ووقف التكسي قرب محلات بيع البسط والمنسوجات اليدوية، حيث نزلت ثم صعدت الى القلعة من بوابتها الجنوبية، دخلت القلعة ثم سرت بعض الخطوات في شارع عريض يمرمن وسط القلعة، وقرب مكاتب الموظفين التقيت بالأستاذ سنكر والأستاذ هيزا الأعضاء في هيئة التنقيبات اللذان اصطحباني الى موقع السور المكتشف .

سرنا في اتجاه بوابة الأحمدي إلى أن وصلنا باباً حديدياً مشبكا صغيراً في الجهة اليسرى للقلعة، فتح الأستاذ سنكر الباب دخلنا في احدى الأزقة القديمة للقلعة واصلنا سيرنا إلى ان وصلنا الموقع فسحة أرض كبيرة ومنخفضة بالتدرج، كان الموقع مغطى بسقف جملونات محكمة لم اشاهدها في المواقع الأثرية الاخرى التي زرتها، كانت آثار التنقيبات ظاهرة في كل مكان وكان لون التربة كلون رمال الصحراء القاحلة.. رافقتهما في سيرهما بين حفر التنقيبات شاهدت أسساً لجدران قديمة وآباروالعديد من الحفر ذات احجام مختلفة كان بعضها مبني بالطابوق وذات سقوف معقودة وكان احداها على شكل مدرجات من الخارج يشبه الملوية.. وعن هذه الحفر كتب د.عبد الله خورشيد ان بعضها ربما كانت تستخدم كمخازن لخزن الحبوب بسبب الكسرالفخارية الكبيرة التي عثرعليها في الموقع وفيما كانا يواصلان حديثهما عن اللقى الاثرية المتنوعة التي عثرعليها في الموقع، كان كل تفكيري عند سور القلعة، كنت اسأل نفسي أين سور القلعة إذن..؟

تتبعتهما بخطوات متمهلة الى ان نزلنا بحذر عدة سلالم ترابية فوق خندق عميق وما ان اكملنا نزول تلك السلالم التفت لرؤية الموقع فاذا بي أمام سور قلعة أربيل ي كيف سأنقل ما تراه عيناي للقارىء فبعض الاشياء لا توصف كما هي، ان السور اضخم وأعلى مما تخيلت، ارتفاعه حوالي 9م و طوله اكثر من 24م، ان منظره مهيب وفي غاية القوة والمتانة، إنه شامخ رغم كل النكبات التي حلت به.. ان في هذا السور قوة وسحر وجمال لم أره في اي مكان.. علمت الآن وأخيرا.. لماذا كانت القلعة مطمح الطامحين و لماذا كان هولاكو يبعث قواده باستمرار لمهاجمة القلعة رغم هذه المسافات البعيدة، تمنيت لحظتها ان أكون شاعرة لأنظم أجمل قصيدة تخلد هذا الصرح، وأرسم اجمل لوحة أجسد فيها هذه العظمة، وان تتسع عيني أكثر لتضم هذا المشهد البانورامي المذهل .

وقفت انظر لكل جزء من السور الذي كان يمتد باتجاهين شرقا وغربا، وقد لفت انتباهي برج ضخم خارج عن محيط السور يتألف من مجموعة من الطبقات المختلفة الواحدة فوق الاخرى قطرها (6,75 م) مبني باللبن والطين يرتفع حوالي 10م، وقف كحارس منتصب ومدجج كأنه حارس لقلعة أربيل منذ زمن بعيد، ربما كان منصة للمدافعين عن القلعة، يبدو ان البرج كان أعلى مما هوعليه الآن، فالقسم العلوي منه مهدم ربما جراء الحروب الكثيرة أو الامطار، وقد حاول البناؤون اصلاحه وذلك باضافة جدار من اللبن مكسي بالطين من الجهة الخارجية وقد تهدم هو الاخر، وقد تم إسناد هذا الجزء بعارضة خشبية طويلة من قبل هيئة التنقيبات، ووقفت حائرة، فقد نبهني الأساتذة الى خطورة الاقتراب من السور، وصعوبة التقاط الصور، وآلمني ذلك كثيراً، لأنه يعني صعوبة إظهار السور للزوار، وأن يظل السور في حكم المفقود .

كان الجدار الشرقي للبرج يمتد لمسافة قليلة 2م بسبب وجود ابنية تراثية، مبني من اللبن والطين و قد كان البرج ملاصقا بقوة بهذا الجدار، وكأن البرج يستمد قوته من هذا الجدار الصلد، اما الجدارالغربي للبرج فقد كان يمتد لمسافة طويلة تقريبا 16م مبني من الآجر الأحمر ومطلي بطبقة رقيقة من الطين، تظهرعليه آثار شقوق والعديد من الحفر ذات احجام مختلفة، لاحظت انه غير ملاصق للبرج وكأنه أضيف اليه في وقت لاحق وخاصة الجهة العليا منه.. ربما تهدم هو الآخر جراء قصف المدافع ثم قام أهالي القلعة بتصليحه .

تقدمنا قليلا حتى نشاهد الجزء السفلي من السور، ووقفنا بحذرعلى خندق عميق مواز للسور تم حفره بهدف التنقيبات، نظرت للأسفل كان جدارالسور ذو طبقات والوان مختلفة، وقد اشار الأستاذ سنكر إلى الأسفل وقال أن حريقا كبيراً قد شب هنا واشار إلى الاتربة المتفحمة والتي تمتد بامتدار جدار السور بشكل منتظم وفي نفس المستوى بارتفاع 60- 70سم تقريبا، صرخت.. ياه.. نعم هو كذلك.. لقد تفاجأت مما شاهدت.. لأني لم اشاهد هذا من قبل.. حقا كان الجدار متفحماً.. قلت في نفسي.. لماذا لم يقم العمال بإزالة هذه الطبقة المتفحمة بل أضافوا طبقة جديدة فوقها ! هل كانوا على عجالة؟..أو ربما لأسباب أخرى.. لانعرفها .

كنت أسير بخطوات متمهلة حتى أشاهد نهاية الجدارالغربي للبرج، الذي كان يتوقف عند جدار مصنوع من الطابوق الأصفر، ارتفاعه 5م وقد كان القسم الأعلى من هذا الجدار مغطى بطبقة من الجص والقسم الأسفل لا يوجد أثر للجص، و يوجد خط متعرج يفصل بين هذين الجزأين، وفي الجهة العليا جزء صغير من الجدار كان مقوس، و لم أعرف هل هذا الجدار هو الذي قطع السور أم السور الذي قطعه؟

أشار الأستاذ سنكر إلى هذا الجدار وقال.. تلك آثار سلالم هل ترينها...؟ ونافذة ربما كان يوجد هنا غرفة للحراس.. وما ان اخبرني بذلك تذكرت لحظتها حراس القلعة (برنقش) و (خالص) شعرت برعشة هزت كياني وانا اتذكرهما.. قلت في نفسي.. كم من المرات وقف هذان الحارسان هنا، وأي دوركبير قاما به لمنع دخول الجيش العباسي للقلعة سنة 1233م حتى خلد التأريخ اسميهما، يعود تاريخ الجدار إلى 900- 1200 م .

لم يسمح لي الاقتراب اكثر لخطورة الموقع.. رغم ذلك تقدمت قليلا لمشاهدة أساس السور الذي يمتد إلى العمق الباطني للقلعة من المؤكد انه أقوي من كل الطبقات التي تعلوها، كان في الأسفل عدة طبقات من اللبن مبنية بصفوف منتظمة ومشدودة ولون اللبن بني فاتح، وقفت اتأمل أساس السور وكيف رتب هؤلاء العمال كل هذا، لم أتمكن من معرفة العصرالذي تعود إليه هذه الطبقة بسبب توقف التنقيبات،هذا يعني علينا الانتظار حتى الموسم القادم من التنقيبات .